Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتخابات لبنان... تعدد المرشحون والشعارات واحدة

ليست برامج انتخابية حقيقية والمحاسبة والتغيير ومكافحة الفساد والتحقيق في انفجار المرفأ عامل مشترك بين المتنافسين

لم تعد الشعارات هي التي تحدد مزاج الناخبين في لبنان (أ ف ب)

لو كان على اللبنانيين أن يختاروا مرشحيهم للانتخابات النيابية المقبلة المزمع إجراؤها في الـ 15 من مايو (أيار) المقبل، على أساس الشعارات والاعلانات الانتخابية الكثيفة التي تملأ كل مكان بكل مدينة وقرية وحي وزقاق، على الرغم من الكلفة العالية لهذه الإعلانات الانتخابية في ظل التضخم الكبير الذي يعيشه الاقتصاد اللبناني، فإن الناخب اللبناني لا بد سيشعر بالحيرة لمَن سيعطي صوته من بين المرشحين إلى البرلمان كي يمثل "الأمة" اللبنانية فيه، فجميعهم يريدون بناء دولة المؤسسات ومحاكمة الفاسدين وعروبة لبنان، وجميع المرشحين يعتقدون أنهم هم ما ينقص البرلمان كي يصبح "لبنان الجديد" واقعاً.

لكن في لبنان لم تعد الشعارات هي التي تحدد مزاج الناخبين، فقد بات اللبنانيون يحفظون هذه الشعارات عن ظهر قلب لكثرة ما جرى ترديدها، لكن في هذه الآونة من عمر لبنان يبدو أنه من الواضح أن مزاجين انتخابيين يتحكمان بالناخبين، وهما ناخبو التغيير الشامل وناخبو أحزاب وزعامات الطبقة السياسية الحالية، فالاعتبارات الحزبية والمناطقية والعائلية والطائفية والمذهبية تحديداً ما زالت تتمتع بتأثير كبير في قرار الناخب اللبناني في تحديد ممثليه في البرلمان.

الانتخاب في "جهنم"

في هذه الظروف اللبنانية الخانقة على كل الصعد، التي يسميها البعض "الانهيار" أو "جهنم" أو "الهاوية"، تتجه أنظار كثيرين نحو الناخبين اللبنانيين، وأولها أنظار المجتمع الدولي، الذي اعتبر أن الانتخابات النيابية هي آخر فرصة للتغيير الديمقراطي، وعلى أساسها يحدد مصير لبنان وعلاقاته بالعالم، وهناك أنظار دول الإقليم، التي تراقب مزاج اللبنانيين قبل الانتخابات، التي بحسب نتائج الانتخابات المقبلة أيضاً، تحدد موقفها من هذا البلد وسلطاته القادمة من حيث نوعها وأهدافها.

والصراع في لبنان واضح وضوح الشمس بين "سياديين" و"ممانعين"، أي بين لبنانيين يعتقدون أن الانتخابات ستسهم في تغيير المنظومة السياسية وآخرين يدورون في فلك "حزب الله" ومشروعه الإقليمي، وهناك أيضاً أنظار الداخل اللبناني، على الرغم من كثرة اللبنانيين المستنكفين عن المشاركة في الانتخابات التي يسمونها "مهزلة ومسرحية".

والمنتظرون في الداخل هم من جميع الأطياف، وكلهم يدعون أنصارهم إلى المشاركة في الانتخابات بكثافة أو مقاطعتها، لكن عموماً يبدو أن الفرقاء السياسيين في لبنان يعرفون أن لهذه الانتخابات دور مفصلي في حياة لبنان المقبلة، أي إما أن يتم انتخاب لبنان عربي في الواقع وليس في نص الدستور وحسب، وإما تكون بيروت عاصمة من بين العواصم العربية التي يتبجح الإيرانيون علناً وأمام كاميرات الإعلام أنهم تمكنوا من جعلها ضمن محورهم، كما صنعاء وبغداد ودمشق.


الشعارات الانتخابية لا تسبب الحيرة إلا للناخبين المحايدين لأن الطبقة السياسية الحاكمة منذ اتفاق الطائف (1989) تريد تغيير النظام السياسي اللبناني، وترغب في "دولة مؤسسات"، وتطمح في أن تحمي وتبني وتحقق المشاركة والتوافق، وأن تقاوم وتبني وأن تسحب "وحش الفساد" من أسنانه من داخل مؤسسات الدولة، وكذلك التغييريون يريدون أن يحققوا ذات الأهداف، لكن بصوت أعلى، بما أن الثوار عموماً يكون صوتهم مرتفعاً من أجل التغيير.

لذا، شعاراتهم ليست برامج انتخابية حقيقية بالمعنى الفعلي للكلمة، إلا بكونها بمثابة ردود على المشاريع الانتخابية للمنظومة الحاكمة بكل أطيافها، فبرامج المعارضة تدور حول نقد وتفكيك برنامج النظام الحاكم في لبنان، الذي منذ 30 عاماً يرسم القوانين الانتخابية على هواه ولمصلحته بما يتيح له السيطرة الكاملة من دون فتح أي نافذة للآخرين أو للتغييرين للعبور منها نحو السلطة.

وتدعو الشعارات كلها إلى المحاسبة والتغيير ومكافحة الفساد والحفاظ على أموال المودعين في البنوك والتحقيق في انفجار المرفأ وملاحقة الأموال المهربة، وبالطبع كلها تدعو إلى رفع الظلم عن كاهل المواطن، حتى بات تكرار مثل هذه الجمل يوحي وكأن عبارة "كاهل" لا تأتي إلا رفقة عبارة "المواطن"، وكأنهما صفة واحدة متلازمة، وهذا كله في محاولة لكسب ود الناخبين الذين في الوسط، أي المترددين أو الممتنعين من الانتخاب أو رافضي الانتخابات من أصلها، لأنها تتم في ظل وصاية النظام السياسي الذي يراد تغييره، أو الذين لا ينتخبون في الأساس لأنهم يعتقدون ألا شيء سيتغير، وأن لبنان كان كذلك دائماً.

وهؤلاء المترددين إذا ما أضيفت إليهم أصوات المغتربين اللبنانيين، الذين يشاركون للمرة الثانية فقط في الانتخابات البرلمانية اللبنانية انطلاقاً من الدول حيث يعيشون، فإن عددهم ليس بقليل، بل وتتجاوز نسبتهم الـ 50 في المئة من اللبنانيين، ففي نتائج كل انتخابات سابقة يظهر بوضوح أن عدد غير المقترعين أكبر من عدد الذين اقترعوا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبموازاة شعارات التغيير والمحاسبة الموعودة أطلقت لوائح الأحزاب مهرجاناتها المعتادة بعد أن جددت ماكيناتها الانتخابية، إذ إن لبنانيين كثر يعتقدون أن الواقع الذي وصل إليه بلدهم مرتبط كلياً بالوضع الإقليمي والصراع على النفوذ والمصالح في المنطقة، أي أن التغيير المنشود في لبنان يلزمه تغييراً كبيراً في موازين القوى الإقليمية.

الهيئة المشرفة على الانتخابات "حبر على ورق"

وفي ما يخص الهيئة التي تشرف على الانتخابات، ومن مهماتها تحديد السقف المالي المسموح استخدامه للاعلانات الانتخابية، فقد جرى التوصل إلى قرار من قبل وزير الداخلية الحالي بسام المولوي إلى أنه "في ظل عدم تعيين هيئة جديدة فإن الهيئة الحالية هي المخولة قانوناً الإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة وفقاً للصلاحيات المنوطة بها".

واتخذت الهيئة عدداً من القرارات التنظيمية والتعاميم والإعلانات والبيانات التي تقتضيها هذه المرحلة، ومنها اعتماد الصيغ المعمول بها في الانتخابات النيابية العامة السابقة في عام 2018، ومن بين مهماتها الأكثر أهمية تحديد شروط وأصول القيام بعمليات استطلاع الرأي، وكذلك نشر أو بث أو توزيع النتائج في أثناء فترة الحملة الانتخابية ومراقبة التقيد بفترة الصمت الانتخابي أي الفترة التي تتوقف فيها الدعاية للانتخابات، وعادة ما تسبق الانتخابات بأيام.

غير أن الهيئة لا تراقب الأموال الطائلة، والتي بلا سقف المصروفة للانتخابات من قبل المرشحين، وذلك على الرغم من أن قانون الهيئة ينص على "تحديد قواعد السلوك للتغطية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية الراغبة في المشاركة بتغطية عملية الاقتراع والفرز".

وبالطبع لا يمكن معرفة إذا ما كانت الاعلانات الانتخابية، من ملصقات الشوارع حتى التلفزيونات المحلية والعالمية قد أدت بالمطلوب منها، خصوصاً أن وسائل الإعلام اللبناني في أغلبها يملكها رجال السياسة الذين عينوا بدروهم أعضاء الهيئة المشرفة على الانتخابات وصدقيتها، فمثلاً تدعو الهيئة دائماً إلى تنفيذ أحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، لا سيما المادة (68) منه والتي ترعى التمويل والانفاق الانتخابي والإعلام والإعلان الانتخابيين، لأن نشر الإعلانات العائدة إلى المرشحين أو اللوائح أو الجهات السياسية يتم لقاء بدل مالي عن إشغال كل من هذه اللوحات، فلا بد من احتساب النفقات الناتجة من ذلك من ضمن الإنفاق الانتخابي للمرشح أو اللائحة.

وبحسب القانون يتوجب على الجهات المستثمرة للوحات الإعلانية أن تراعي التوازن في إشغال وتأجير هذه اللوحات بين المرشحين المتنافسين، بحيث لا يجوز تخصيص أي جهة سياسية أو مرشح أو لائحة بأكثر من 50 في المئة من مجمل عدد اللوحات لكل منها.

لكن، هل تحدث الأمور على الأرض كما ينص عليها القانون؟ بالتأكيد لا، ففي لبنان وفي ظل الانهيار التام لمؤسسات الدولة فإن القوانين تبقى حبراً على ورق. المرشح عن لائحة "كلنا بيروت" في الدائرة الثانية بالعاصمة إبراهيم منيمنة قال في تصريح لـ "المفكرة القانونية"، وهي جمعية يدخل في إطار عملها مراقبة الانتخابات، إن "الطبقة السياسية الحاكمة رأت أن التغطية الإعلامية الواسعة التي تلقتها لائحة المعارضة كان لها دور أساس في نجاح التجربة، لذا وضعت قانوناً يعرقل التغطية الاعلامية، إذ إن القانون لا يضع أطراً لعمل قطاع الإعلام الذي استفاد من الفرصة لجني الأرباح، طالما أن الإعلام مفتوح أمام أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب السلطة، بينما عندما يصل الأمر إلى حملاتنا يصبح كل شيء دعاية انتخابية تتم مراقبتها، ومنها الندوات التي تتناول القضايا الاجتماعية والمطلبية، فراحت الهيئة المشرفة على الانتخابات تعتبرها دعاية أي إعلاناً مدفوعاً".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات