Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطبقة الوسطى المكافحة أسهمت في إعادة بناء أوكرانيا وهي الآن بخطر

رغم مستويات التعليم العالية فإن كييف تعد ضمن الشريحة الدنيا بين الدول ذات الدخل المتوسط

أليكس دايرابيكوف وزوجته آنا وابنهما الرضيع آرثر (أليكس ديرابيكوف)

كان ابن الاتحاد السوفياتي القمعي والمنغلق، إذ وُلد في مدينة تشيركاسي الأوكرانية الواقعة على ضفاف نهر دنيبر جنوب كييف. تشرّب في صغره أفكار فلاديمير لينين والشيوعية التي اعتنقها. 

لكن الاتحاد السوفياتي انهار، وشرّع العالم أبوابه أمام أليكس دايرابيكوف. حدث الشيء عينه بالنسبة لفرصه في مسقط رأسه أوكرانيا، حيث أصبح نموذجاً عن الطبقة الوسطى التي أسهمت في إعادة رسم وجه بلادها، وتتعرض الآن لخطر عظيم بسبب حرب روسيا الضروس.

"الطبقة الوسطى في أوكرانيا حقاً صغيرة، وضئيلة"، كما يقول مستشار الأعمال البالغ من العمر 46 سنة الذي فرّ من ضاحية إيربين في كييف، وقد عاثت الحرب فيها خراباً الآن، برفقة زوجته ورضيعه فيما شنّت القوات الروسية هجومها على البلاد. وأضاف "لدينا إما ثراء شديد أو فقر مدقع. لا تزال الطبقة الوسطى في أوكرانيا في طور التشكيل حتى الآن".

فيما روسيا منهمكة بدكّ المدن الأوكرانية بالصواريخ والضربات الجوية وقواتها البرية تواصل هدم الأحياء والمدن، باتت تلك الشريحة الصغيرة القيّمة من الأوكرانيين المتعلّمين، ذوي الدخل المتوسط، معرّضة للخطر أكثر من أي وقت مضى. فهؤلاء الأوكرانيون، أصحاب الشهادات وسعة الحيلة، هم القادرون على شقّ طريقهم بسهولة خارج البلاد، في الأماكن التي هرب الكثيرون إليها بعدما وضّبوا أغراضهم في سيارات من أحدث طراز.

إقناعهم بالبقاء داخل البلاد، واستقطابهم إليها مجدداً بعد نهاية الحرب، سيكون التحدي الأساسي خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

يوم الجمعة، أعلنت سفيرة المملكة المتحدة لدى أوكرانيا، مليندا سيمونز، أنها ستعود إلى العمل في كييف في خطوة تعكس الثقة بالبلاد ومستقبلها.

على الرغم من مستويات التعليم العالية في أوكرانيا، تُعتبر البلاد ضمن الشريحة الدنيا بين الدول ذات الدخل المتوسط، كما أنها إحدى أفقر بلدان أوروبا. غالباً ما يقول خبراء الدراسات السكانية إن الطبقة الوسطى في أوكرانيا لا تتخطى 5 إلى 15 في المئة من إجمالي السكان.

حتى قبل اندلاع الحرب، أعرب الباحثون عن قلقهم بشأن مستقبل الطبقة الوسطى التي تلقت ضربة كبيرة بسبب وباء كورونا. وكتبت إحدى الدراسات عن "التراجع العام في مستويات المعيشة والفقر المتنامي" في أوكرانيا خلال عام 2020. وقال الباحثون "من المتوقع أن تتحمل الطبقة ذات الدخل المتوسط العبء الأكبر لهذه الأزمة".

فيما يتوقع أن يتراجع اقتصاد روسيا 15 في المئة بسبب العقوبات، قد يتقلص اقتصاد أوكرانيا حتى النصف بسبب الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول سيرغي موهوف، مصمم ألعاب الفيديو الأوكراني البالغ من العمر 30 سنة الذي يقطن في هلسنكي "أفضل ما يمكننا فعله للطبقة الوسطى في أوكرانيا وللاقتصاد الأوكراني بشكل عام هو وضع حد لهذه الحرب بأسرع وقت ممكن والحدّ من الأضرار".

لاذت والدته، وهي تعمل محاسبة في محطة تلفزيونية في كييف، بالفرار إلى الخارج، هرباً من الهجوم الروسي الذي حوّل مدناً وبلدات بأسرها إلى ركام. ويشير سيرغي "يغادر الناس بسبب الخطر المباشر على حياتهم ومعيشتهم. يرحلون وكلهم أمل بالعودة إلى منازلهم وحياتهم، لكن أحياناً، لم يبق لديهم شيء ليعودوا إليه".

الصراعات والمعضلات التي يتخبّط فيها دايرابيكوف مشابهة لما عانى منه الكثيرون في الطبقة الوسطى الأوكرانية. بعد إتمامه تخصصه الجامعي بالأدب الإنجليزي، انتقل إلى كييف. كان على قدر من المهارة باللغة الإنجليزية، وبدأ مسيرته المهنية بالعمل مع منظمات وشركات دولية، منها "هيئة السلام" التابعة للولايات المتحدة United States Peace Corps.

بعد مشاركته في الثورة البرتقالية في عام 2004، تابع باشمئزاز وخيبة أمل عودة البلاد للغرق في مستنقع الفساد، وتسلل العملاء السياسيون الموالون للكرملين إلى السلطة مرة جديدة. ويتذكر "سُحقت آمالنا كلياً".

ثم خلال حراك عامي 2013-2014 في ساحة "الميدان" بوسط كييف، عاد للمشاركة في الأحداث ووزّع السندويشات والمشروبات على المتظاهرين، الذين نجحوا في النهاية بإسقاط رئيس البلاد الموالي للكرملين، فيكتور يانوكوفيتش.

وتوسّعت الأعمال خلال فترة السنوات الثماني التالية، التي أصبحت سنوات ازدهار بالنسبة لأوكرانيا وطبقتها الوسطى. ويقول موهوف "كنت أشاهد تحسّن البلاد خلال السنوات الثماني الماضية في ما يخص المجتمع المدني والإصلاح والفساد وحرية التعبير. حتى قطاع السينما كان يكبر".

انتقل دايرابيكوف بعدها إلى بلدة إيربين، إحدى ضواحي كييف المعروفة بأشجار الصنوبر والهواء النقي. اشترى شقة في مبنى سكني عالٍ. وما إن وضعت زوجته طفلهما، حتى بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصعيد تهديداته لأوكرانيا.

ويقول "رأيت كل الإشارات. لكن حتى مع هذه المعرفة، وتقارير الاستخبارات، لم يتوقع أحد بأنّ هذا ما سيحدث فعلاً".

لا يبعد مبناه سوى 4 أميال عن مطار هوستوميل، الذي استهدفته روسيا في بداية هجومها. حين اندلعت الحرب في 24 فبراير (شباط)، رأى الطائرات العسكرية تحلّق في السماء فوقه.

ويسرد ذكرياته عن ذلك الوقت فيقول "كنا خائفين للغاية". جمع هو وزوجته وطفلهما الرضيع وقطتيهما بعض مقتنايتهم ونزلوا إلى مصفّ السيارات تحت الأرض في اليوم الثاني من الحرب. كان العشرات قد سبقوهم. كان المكان بارداً ورطباً، وغير مناسب لرضيعٍ عمره أسبوعين. بكت زوجته من اليأس. وضّبت العائلة أشياءها في السيارة ورحلت.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، حاول أن يساعد في الجهد الحربي وأعمال الإغاثة، فنقل بعض المدنيين العالقين إلى برّ أمان، ووظّف مهاراته الكبيرة في الإدارة من أجل تنظيم عمل المتطوعين الآخرين. حرب بوتين تقرفه. يلفت إلى أنه نشأ وهو يتحدث الروسية، وهو يحب موسيقى الروك الروسية كما أنه من أصل نصف روسي، وربع أوكراني وربع كازاخستاني.

ويقول "ينعتني بوتين بالنازي الجديد. أنا من النازيين الجدد الذين قضوا معظم حياتهم في التحدث بالروسية. أتى إلى هنا لكي يقتلني، أنا النصف روسي [متحدر من روسيا]".

يقول دايرابيكوف، الذي لديه ابنان من زواج سابق يعيشان مع والدتهما في الخارج، إنه باقٍ للوقت الحالي في أوكرانيا، حيث يعمل عن بعد مع شركة تكنولوجيا معلومات مقرها في شيكاغو كمشغّل لموظفين جدد. شاهد مبناه في أحد الفيديوهات، ورأى أنه تعرض للاستهداف بصواريخ مدفعية روسية مع أن الجانب الذي يقطنه من المبنى لا يزال غير متضرر على ما يبدو.

مع عودة بعض الهدوء إلى غرب أوكرانيا وشمالها، مع انسحاب قوات النظام الروسي التي عادت للانتشار لكي تطلق هجوماً على شرق البلاد وجنوبها، عاد مئات آلاف النازحين الأوكرانيين إلى بلادهم.

ويقول "لا يساورنا أي شك بأننا لن نعود إلى سابق حياتنا العادية بعد اليوم. علينا الاستعداد لهجمات متكررة من جارنا الشرقي طيلة العقود المقبلة. علينا الاستعداد لحرب جديدة في أي وقت".

ويتابع "لكنني لا أرغب في مغادرة أوكرانيا. نحن شعب زراعي. نحب أرضنا. لا أريد أن أفكّر في الرحيل حتى".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء