Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل مثلت أوكرانيا في أي وقت مصلحة حيوية لأميركا وأوروبا؟

كانت منطقة القطب الشمالي تعتبر ملعباً جيوستراتيجياً وجيوسياسياً لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي

يتفق الباحثون في السياسة الخارجية على أن المصالح الحيوية هي الأشياء التي تكون على استعداد لمقتل جنودك من أجلها (رويترز)

يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاء الناتو في أوروبا مساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا، لكن ليس لدرجة تجعل موسكو تنتقم عسكرياً منهم، بينما تقوم حسابات القادة الغربيين على خلفية سؤال أساسي، وهو: هل تمثل أوكرانيا مصلحة حيوية لبلادهم؟ تشير تقديرات العديد من المراقبين الغربيين إلى أن الولايات المتحدة لم تعتبر أبداً أن أوكرانيا تمثل مصلحة حيوية لها، إلى أن غير الهجوم الروسي هذا التقدير، فما المقصود بالمصلحة الحيوية في التقديرات الجيوسياسية، وهل تتغير المصلحة الحيوية بمرور الوقت، ولماذا تغيرت في الحالة الأوكرانية؟

تباينات قديمة

في أبريل (نيسان) 2017، نقلت تقارير إخبارية عن وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريكس تيلرسون، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في إيطاليا، قوله، "لماذا يجب أن يهتم دافعو الضرائب الأميركيون بأوكرانيا؟"، وعلى الرغم من محاولات التخفيف من وقع هذا التصريح من قبل المتحدث باسم تيلرسون، فإنه أعطى انطباعاً حول انقسام بين صانعي السياسة والمهتمين بها في الولايات المتحدة حول المصلحة الحيوية لأميركا مع بلد يقع على بُعد 5 آلاف ميل.
لكن التباين في الرؤى يعود على ما يبدو، إلى عدم وجود قواعد صارمة تُميز بين ما يمكن اعتباره "مصلحة حيوية" وما يمكن وصفه فقط بأنه "مثير للاهتمام"، فإذا أراد السياسيون الدفاع عن بلد ما وأن يفعلوا شيئاً، فقد يسمونه "مصلحة حيوية"، أما إذا كان اهتمامهم أقل، ورغبتهم في التحرك ضعيفة، فسيعتبرونه "مثيراً للاهتمام" فقط.

ما المصلحة الحيوية؟

ومع ذلك فإن الباحثين في السياسة الخارجية يتفقون على أن المصالح الحيوية هي الأشياء التي تكون على استعداد لمقتل جنودك من أجلها، لأن المصالح الحيوية أو الاستراتيجية أو الوطنية الأساسية تؤثر على سلامة وسيادة أراضي الدولة وموقع نفوذها وسلطتها، ووفقاً لهذا المفهوم، حتى أكثر السياسيين تشدداً في الولايات المتحدة، والذين تجنبوا أي رغبة في الانخراط في حرب، اتفقوا على أن الولايات المتحدة ليس لها مصالح حيوية في أوكرانيا.

وعلى هذا الأساس ظل هذا الادعاء معقولاً لفترة طويلة من الوقت، فمن غير المنطقي بالتأكيد إراقة الدماء على المصالح الهامشية غير الحيوية وغير الاستراتيجية، ومن ثم ترتب على ذلك أنه إذا كانت أوكرانيا تمثل مصلحة حيوية، فيجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين مساعدتها في مقاومة الغزو الروسي والانتصار، والعكس صحيح.

هل المصلحة الحيوية متغيرة؟

ومع ذلك، يبدو الأمر أكثر تعقيداً عند الفحص الدقيق، لأن تعريف المصالح الحيوية يخضع لعوامل مختلفة، ويمكن أن تتغير بمرور الوقت وفقاً لما يقوله ألكسندر موتيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة روتغرز، إذ من المستحيل المجادلة بأن المصالح الحيوية قائمة أو ثابتة بشكل موضوعي، أو أن كل البلدان تحدد دائماً مصالحها الحيوية بالطريق نفسه، فمن الناحية الواقعية، هناك مجموعة من العوامل مثل أسلوب القيادة، والأيديولوجيا، والثقافة، ونوع النظام، والتاريخ، التي تحدد المصالح الحيوية. وعلى سبيل المثال، فإن قياس التهديد أو تصنيفه يمثل مشكلة في حد ذاته، نظراً لعدم وجود مرجعية مطلقة يمكن استخدامها كما في تحديد الأمور الكمية، وفقاً لما ذكره تقرير "مؤشر القوة العسكرية الأميركية لعام 2022" الصادر عن مؤسسة "هيرتاج" المحافظة.
كما يوضح تقرير آخر صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية تحت اسم "مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في القطب الشمالي"، الاختلاف حول كيفية تحديد طبيعة المصالح الحيوية نفسها، ففي ذروة الحرب الباردة، كانت منطقة القطب الشمالي تُعتبر ملعباً جيوستراتيجياً وجيوسياسياً لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على حد سواء، حيث عبرت القاذفات الاستراتيجية والغواصات النووية وتسابقت تحت الغطاء القطبي، ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، تضاءلت أهمية هذه المنطقة الاستراتيجية للولايات المتحدة، ومع ذلك عادت هذه الأهمية الآن بعد 20 عاماً، حيث حوّل كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين انتباههم مرة أخرى إلى القطب الشمالي، ولكن بطريقة مختلفة تماماً عما كانت عليه خلال الحرب الباردة، على الرغم من أن القطب الشمالي لم يتغير، ولكن ما تغير هو تصورات صانعي السياسة الغربيين والروس.

مصالح متغيرة في أوكرانيا

ومثلما تغيرت تصورات مسؤولي الولايات المتحدة وباحثيها بشأن القطب الشمالي، فقد فعلت الشيء ذاته بشأن أوكرانيا، ففي عام 2014 وعقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، اعتبر كثيرون أنه، حتى لو سقطت أوكرانيا كلها في يد روسيا، فلن يكون لذلك تأثير كبير على أمن الولايات المتحدة. وكتب باري بوزن أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات الأمنية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مجلة "ناشيونال إنترست" عام 2014، أن "روسيا لم تعد الدولة القوية التي كان عليها الاتحاد السوفياتي، فقد أصبح ناتجها المحلي الإجمالي ضئيلاً مقارنةً بالولايات المتحدة، وقوتها العسكرية غير النووية غير كافية على الإطلاق لغزو الدول الكبرى في منطقة أوراسيا، وسيكون الغزو العسكري لأوكرانيا مكلفاً لروسيا".

واعتبر بوزن أنه "يمكن للجغرافيا وحدها أن تخلق مصلحة حيوية، لأنه لو كانت أوكرانيا هي المكسيك، لكان للولايات المتحدة مصلحة في حمايتها من روسيا أو أي طرف آخر. أما بالنسبة لروسيا، فإن أوكرانيا هي المكسيك، وفي نظرهم، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يتسللون في اتجاه روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، والروس لا يريدون القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية الغربية على حدودهم، مثلما لا يرغب أعضاء الناتو في شرق أوروبا بوجود القوات الروسية على أعتابه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصلحة جغرافية

ومع ذلك بدت للولايات المتحدة مصلحة أمنية واحدة في أوكرانيا، على الرغم من أنها ليست مصلحة حيوية، وهي الحفاظ على منطقة محايدة مستقلة بين الناتو والقوات العسكرية الروسية، والتي كانت عامل استقرار في العلاقات بين الشرق والغرب، فخلال الحرب الباردة، وبخاصة في ألمانيا، واجهت قوات الناتو والقوات السوفياتية بعضها البعض وجهاً لوجه بقوات تقليدية كثيفة ونووية أيضاً في علاقة عصبية مشحونة بإمكانية تصعيد وكارثة متبادلة، لذا فإن هذا العالم لا ينبغي إعادة إنشائه، حتى مع تضاؤل ​​القوى التي تمتلكها روسيا، كما أن محاولة منعه بالقوة تجلب نفس الشيء الذي يجب تجنبه، لكن الحفاظ على منطقة عسكرية عازلة واسعة هو مصلحة أمنية حقيقية لأميركا وأوروبا، وهي المصلحة الوحيدة التي تستحق المتابعة في أوكرانيا.

وقبيل حشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا العام الماضي، كتب تيد غالين كاربنتر، الباحث السياسي والأمني في معهد كاتو، محذراً من أن "قادة الولايات المتحدة يعاملون أوكرانيا كحليف في الناتو في كل شيء ما عدا الاسم"، وهو ما اعتبره "تجاوزاً للخط الأحمر الساطع لروسيا الذي يخاطر بمواجهة قوة مسلحة نووياً"، مشيراً إلى أن "الأساس المنطقي الاستراتيجي لمنح أوكرانيا هذا الوضع غامض، لأنه حتى تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لم تكن أوكرانيا أكثر من جزء من تلك الدولة الشمولية، ولم يجادل أحد في ذلك الوقت بأن أوكرانيا كانت مصلحة أمنية حيوية أو حتى وثيقة الصلة للولايات المتحدة، ومع ذلك، ظل المسؤولون الأميركيون يصرون على أن دعم أوكرانيا ضد روسيا الضعيفة وغير الشيوعية يمثل هذه المصلحة".

وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، رفع ويليام تيلور، سفير الولايات المتحدة المؤقت لدى أوكرانيا عام 2019، أهمية أوكرانيا إلى مستويات عالية، قائلاً إن "أوكرانيا تدافع عن نفسها وعن الغرب ضد الهجوم الروسي، وإذا نجحت أوكرانيا، فسينجح الغرب، لأن العلاقة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا هي مفتاح لأمن الولايات المتحدة القومي".

صغيرة وضعيفة

ووفقاً لجون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، الذي يرتبط بنهج المصالح الحيوية، فإن "أوكرانيا ليست مصلحة استراتيجية حيوية بالنسبة للغرب، وإنما تُعد مصلحة استراتيجية حيوية للروس، وليس للرئيس فلاديمير بوتين فقط".

لكن آخرين مثل ألكسندر موتيل، اعتبروا أن ميرشايمر ناقض نفسه حينما وصف بوتين بأنه رجل ينتمي إلى تفكير القرن التاسع عشر، لأنه ينظر إلى العالم من منظور توازن سياسات القوة بينما تنظر الولايات المتحدة وأوروبا إلى العالم مثل أبناء القرن الحادي والعشرين، وكأنه يقول إن أوكرانيا مهمة لبوتين، ليس لأنها كانت مهمة، أو ستظل بشكل موضوعي دائماً مهمة بالنسبة لروسيا، ولكن لأنها مهمة حسب تفكير رجل يعود إلى فترة الطموحات الإمبريالية الروسية في القرن التاسع عشر، عندما أصبحت روسيا أكبر دولة في العالم، ما يعني أنه لو كان بوتين رجلاً ينتمي لهذا العصر في تفكيره، أو من قياصرة القرن الخامس عشر، فإن أوكرانيا ستكون أقل أهمية أو غير مهمة على الإطلاق.
وإذا كان تحديد المصلحة الحيوية بأنها ما يؤثر على سلامة بلد وخصائصه المميزة كدولة، فإن أوكرانيا ليست مصلحة حيوية موضوعية لروسيا، لأن أوكرانيا صغيرة، وضعيفة، وفقيرة للغاية بحيث لا يمكنها تهديد بقاء روسيا في أي سيناريو يمكن تخيله، وعلى الرغم من مزاعم روسيا لأشهر قبل اندلاع الحرب، أنها تخشى أن تصبح أوكرانيا قاعدة للناتو، فإن فرص أوكرانيا في الانضمام إلى الناتو في السنوات العشرين المقبلة كانت معدومة نظراً لاستمرار اعتراض ألمانيا وفرنسا قبل الهجوم الروسي.

تهديدات خيالية

وبحسب تصور ألكسندر موتيل، لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا نتيجة حتمية لتعدي الناتو على الأهمية الحيوية الموضوعية لأوكرانيا بالنسبة لروسيا، فقد كان الأميركيون والأوروبيون والروس والأوكرانيون يعرفون جيداً أن أوكرانيا لا تشكل تهديداً موضوعياً لروسيا.

ويرى ستيفن بيفر، خبير السياسة الخارجية والأمن والاستراتيجية في معهد بروكينغز، أن "الهجوم الروسي يشكل تحدياً أساسياً للنظام الأمني ​​الأوروبي في فترة ما بعد الحرب الباردة ويثير تساؤلات حول ما قد يحاول الكرملين القيام به بعد ذلك، وهذا في حد ذاته يشكل مصلحة حيوية للولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي فإن دعم أوكرانيا، إلى جانب العقوبات السياسية والاقتصادية، هي طرق يمكن للغرب من خلالها أن يوضح لموسكو عواقب سلوكها الفظيع، وإلا فإن الخطر يتمثل في أن الكرملين قد يتخذ إجراءات أخرى من شأنها أن تهدد الأمن والاستقرار الأوروبيين بشكل أكبر".

المزيد من تحلیل