Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأميركيون يتسلحون باسم الدستور

معضلة تتفاقم داخل الولايات المتحدة بين حق المواطنين في امتلاك الأسلحة ومآلات العنف المقنن

تعهد الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية باتخاذ إجراءات قانونية عاجلة لدرء الخطر الكبير بسبب امتلاك الأفراد للأسلحة النارية (غيتي)

نهار السابع من إبريل (نيسان) الجاري، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن عن حزمة من الإجراءات المتعلقة بالسيطرة على الأسلحة النارية المنفلتة في طول البلاد وعرضها.

كان هذا هو الإجراء الأول من قبل بايدن، الذي كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية باتخاذ إجراءات قانونية عاجلة لدرء الخطر الكبير الذي عاشته وتعيشه البلاد من جراء الامتلاك الواسع والشاسع للأسلحة النارية من قبل الأفراد.

في ذلك اليوم أصدر الرئيس بايدن، ستة أوامر تنفيذية هدفها التعامل مع انتشار عنف الأسلحة النارية في أنحاء البلاد، وهو الأمر الذي وصفه "بالوباء والإحراج الدولي".

على أن علامة الاستفهام الواجب طرحها قبل الاستطراد: عن أي أسلحة كان يتكلم بايدن، وهل الأمر يعني كافة الأسلحة النارية في أيدي الأفراد؟

المؤكد أن سيد البيت الأبيض في أوامره التنفيذية كان يتناول شأن ما يعرف بالأسلحة الشبحية أو البنادق الشبحية، التي لا سجلات حكومية رسمية لها، أو أرقاماً مسلسلة يمكن تتبعها بصورة قانونية.

هذه الأسلحة في واقع الأمر تتسبب في مآس واسعة في البلاد، وتقدر بعض الجهات بأن العام الماضي بلغت الحوادث الناجمة عن استخدامها، التي يتم تصنيعها منزلياً ومحلياً، نحو عشرين ألف إصابة، وهو رقم مخيف قولاً وفعلاً.

هل يعني ذلك أن التراخيص الرسمية للأسلحة النارية، ليست ضمن الأوامر التي تحدث عنها بايدن؟

الشاهد أن كثيرين حول العالم، قد استلفت انتباههم في العامين الماضيين في الداخل الأميركي مشهدان:

الأول: جرت به المقادير خلال العام الأخير من إدارة الرئيس السابق ترمب، وقد كان ذلك ضمن ردات الفعل على قرارات الإغلاق لمواجهة تفشي فيروس "كوفيد-19"، فقد خرج المعترضون بأسلحتهم إلى الساحات والباحات، في عديد من المدن الأميركية، مدججين بأسلحة نارية، وبان واضحاً أن حامليها لديهم تراخيص قانونية بها.

الثاني: في نهار السادس من يناير (كانون الثاني) من عام 2021، حيث زحفت الجموع الغاضبة إلى الكونغرس الأميركي، في محاولة لإفشال إقرار فوز الرئيس بايدن، إذ ظهرت الأسلحة بشكل واضح تارة، وخفي تارة أخرى، في أيدي كثير من المحتجين.

ولعله من تصاريف القدر أن تأتي حادثة قطار الأنفاق في بروكلين، بعد خمسة أيام من توجيه بايدن، حيث قدر لراكب أن يدلف إلى الداخل ومعه قناع واق من الغاز، وقنابل دخان، وسلاح ناري، ليقوم بإطلاق عشوائي ويصيب نحو عشرين فرداً، الأمر الذي دعا لطرح علامة استفهام جذرية: إلى متى سوف تعرج أميركا والأميركيين بين إشكالية الحق الدستوري في حمل السلاح من جهة، والموت الناجم عن حيازة تلك الأسلحة من جهة ثانية؟

لا يتوقف التساؤل في واقع الأمر عند هذا الحد، بل يقودنا إلى الغوص عميقاً في لجة الجماعات الميليشياوية الأميركية، وما يعرف بالإرهاب الأبيض وخطورته على الحياة الديمقراطية الأميركية كما شهده العالم يوم حصار الكابيتول هيل... هل هي أميركا الحائرة دوما؟ هذا ما نحاول بلورته في هذه القراءة.

التعديل الثاني وفكرة حقوق الأفراد

تبدو التجربة الأميركية في حق الأفراد في حمل السلاح مثيرة، لا سيما أنها الدولة الصناعية الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بهذا الحق، والأمر له جذور ثقافية تعود إلى سنوات النشأة والتكوين.

تبدأ القصة من عند جيمس ماديسون، رابع رئيس للولايات المتحدة الأميركية (1751-1817)، وقد عرف باسم "أبو الدستور" وإليه ترجع بلورة "وثيقة الحقوق" عام 1791، التي فيها تم اعتماد عشر مواد، أضيفت إلى الدستور الأميركي، وهي تحمي حق التعبير عن الرأي، وحرية الصحافة، وحق التظاهر، وحق حمل السلاح الذي عرف باسم "التعديل الثاني".

ما هو مصدر هذا التعديل ولأي سبب طفا على سطح التعديلات عند ماديسون؟

من الواضح أن الأمر له علاقة ما بالقانون الإنجليزي، ذاك الذي يقطع بأن هناك حقاً طبيعياً لكل إنسان في حمل السلاح دفاعاً عن نفسه داخل منزله بنوع خاص.

أما السبب المباشر فيعود إلى حالة انعدام الأمن المجتمعي في الداخل الأميركي في ذلك الوقت، لا سيما أن الصراع مع المجموعات العرقية من جهة، وبقايا السكان الأصليين من جهة ثانية، كان يتهدد الأفراد.

وهناك في واقع الحال أمر آخر يفسر هذا التعديل، وهو محاولة الآباء المؤسسين حماية المواطنين الأميركيين في ذلك الوقت من استبداد الحكومة الاتحادية بالسياسة الداخلية، خصوصاً بعد الحرب الأهلية، واعتبار حمل السلاح الشخصي، الحق الأهم لحماية الحقوق الأخرى  التي تم اعتمادها في وثيقة الحقوق العشرة.

هل هناك تغيرات جرت على هذا الحق عبر نحو قرنين من الزمان، أي منذ صدرت وثيقة الحقوق العشرة؟

قطعاً يمكن القول إن أحداً لم يقترب من التعديل الثاني في جوهره بالمرة، وربما لم يحاول أحد فعل ذلك من قبل، غير أن هناك سلسلة  من القوانين المنظمة لعملية الحصول على ترخيص للسلاح، وربما من أهمها "قانون مراقبة الأسلحة" لعام 1968، الذي ينظم حمل الأسلحة الفردية على المستوى الاتحادي والذي يتطلب أن يكون عمر المواطنين والمقيمين القانونيين 18 عاماً على الأقل لشراء بنادق أو ذخيرة، كما أنه يجوز لمسؤولي الولاية أو المسؤولين المحليين تطبيق قيود عمرية أعلى على تراخيص امتلاك السلاح، ولكن لا يسمح لهم بخفض الحد الأدنى الاتحادي المنصوص عليه.

والمعروف كذلك أن قوانين حمل السلاح قد تختلف من ولاية إلى أخرى، فهناك من الولايات من يضع قيوداً مشددة قبل الترخيص بحمل السلاح، ما يقتضي التحقق الطويل من صلاحية طالب الرخصة، وسلامة صحيفته الجنائية، إضافة إلى قدراته الذهنية والعقلية، فيما بعض الولايات الأخرى يمكن الحصول فيها على ترخيص ناري من خلال طلب عبر الهاتف لا يأخذ أكثر من 10 دقائق، وفي بعض الأحيان يتعين على من يريد امتلاك سلاح دفع رسوم مقابل الترخيص، وتؤخذ بصمات أصابعه من قبل وكالة إنفاذ القانون المحلية، كإجراء احترازي.

وفي عام 1993 شرع الكونغرس قانوناً جديداً يحمل اسم "قانون برادلي"، فرض التدقيق بالسوابق الإجرامية والعقلية قبل بيع أي سلاح.

غير أن واقع الحال يخبر بأن 40 في المئة من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون لأنها تجري بين أفراد على مواقع إلكترونية متخصصة تقوم بدور وساطة بين شخصين، ولا يطال القانون سوى التجار الذين يملكون تصريحاً بهذه التجارة.

أما في عام 1994، فقد أصدر الكونغرس قانوناً وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون يحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية لمدة عشر سنوات.

كم قطعة سلاح متوافرة في أيدي الأميركيين في الوقت الراهن؟ وما هي خطورة توافر مثل هذا القدر من السلاح في أيدي المواطنين؟ وهل كانت الجائحة عاملاً مساعداً في مزيد من امتلاك الأسلحة النارية الفردية؟

"كوفيد – 19" وانفلات حيازة الأسلحة النارية

ربما يضحى من غير اليسير التأكيد على عدد القطع المسلحة التي يمتلكها الأميركيون، ذلك أن هناك سوقاً موازية للسوق الرسمية من جهة، تباع فيها الأسلحة كما تباع علب السجائر، عطفاً على ما يتم تصنيعه محلياً، وهو ما لا يمكن للسلطات الأميركية حصره في رقم معين.

غير أن ذلك لا يعني أنه لا توجد أرقام تقريبية عن واقع "سوق الأسلحة النارية" المتوافرة في أيدي الأميركيين، ففي تقرير أصدره مشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، الكائن في سويسرا، تم تقدير عدد الأسلحة النارية المتاحة للمدنيين الأميركيين بأكثر من 393 مليون قطعة سلاح.

تبين هذه الأرقام أن الأميركيين يحتلون المرتبة الأولى في العالم من حيث معدل حيازة الأسلحة، إذ يقول حوالى أربعة من كل 10 إنهم يمتلكون سلاحاً، فيما قال 48 في المئة من عينة تم استطلاعها من خلال مركز "بيو" لدراسة استطلاعات الرأي في واشنطن إنهم نشأوا في منازل بها أسلحة، بينما أكد 72 في المئة من الأميركيين أنهم استخدموا سلاحاً نارياً.

يعن لنا هنا أن نتساءل، هل كان تفشي فيروس "كوفيد- 19"، العاميين الماضيين، سبباً من أسباب زيادة انتشار الأسلحة النارية بين أيدي الأميركيين؟

في الربع الأول من عام 2020، وحين كان انتشار فيروس "كوفيد- 19" في الداخل الأميركي يمضي بشكل وبائي، ارتفعت مبيعات الأسلحة بنسبة 800 في المئة، والعهدة هنا على ديفيد ستون صاحب متجر أسلحة في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، في تصريحاته لوكالة الصحافة الفرنسية في منتصف مارس (آذار) من ذلك العام.

ما العلاقة بين "كوفيد –19" وبين النهم غير المعقول في طريق حيازة أسلحة نارية في ربوع أميركا؟

المؤكد أن حالة الذعر والارتباك التي سادت المجتمع الأميركي، لا سيما بعد توقف كثير من سلاسل إمداد الغذاء والماء في ولايات عديدة، دفعت إلى صدامات بين الأهالي في المتاجر الكبرى، وتالياً بدأ الخوف يدب في النفوس، خوفاً من أن ينسحب الأمر على أعمال شغب، تصل إلى حد اقتحام المنازل بهدف سرقة الغذاء أو المال، وقد جرى ذلك على هامش من انشغال قوات الشرطة في متابعة تطورات وتدهورات الأوضاع الصحية، ونقل المصابين، وترحيل الموتى إلى المقابر، الأمر الذي دفع المواطنين الأميركيين إلى التفكير في بدائل لحماية أنفسهم.

في هذا السياق، بدت إشكالية البنادق الشبحية التي أشار إليها الرئيس بايدن تتصاعد، وهذا ما أشار إليه جوردان ماكورميك الذي يدير التسويق في "دلتا تيم تكتيكال"، في حديثه عن مصنع أسلحة في مدينة يوتا، يقوم على إنتاج طراز البندقية الآلية "آي آر-15"، المطلوبة والمرغوبة من جمهور كبير من المواطنين الأميركيين.

ولعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حين سعى لإقامة جدار عازل كبير مع المكسيك، لم يكن في واقع الأمر ينتوي مواجهة المهاجرين غير الشرعيين فحسب، ذلك أن هناك عصابات تعمل على  الحدود بين البلدين، تقوم بتهريب المخدرات والأسلحة النارية معاً، الأمر الذي يجعل من تصاعد منحنى العنف واحدة من مهددات المدنية  الأميركية، وما يمكن أن يسمح بردة عن الديمقراطية التي صبغت  الحياة السياسية في الداخل الأميركي.

كابوس يؤرق حياة الأميركيين ويتهددهم

يبدو التعديل الثاني من الدستور الأميركي، وكأنه تحول من مادة قانونية تساعد الأميركيين في الدفاع عن أنفسهم، إلى منطلق يؤرق حياتهم وكابوساً يتهددها، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن يقع حادث إطلاق نار على المارة في الطرق أو المترددين على المراكز التجارية الكبرى في أنحاء البلاد الشاسعة.

والثابت أن ارتفاع نسبة الجريمة بشكل عام، وجرائم القتل الأسري بنوع خاص، باتت مرتبطة بارتفاع منسوب حيازة الأسلحة النارية.

في هذا السياق صدرت قبل عامين دراسة نشرت في دورية "أميركان جورنال أوف بريفنتيف ميديسين"، تظهر كيف أن امتلاك الأسلحة النارية يشكل مخاطر كبيرة على أفراد الأسرة، وقد يكون سبباً في تعرضهم للقتل باستخدام تلك الأسلحة التي من المفترض أنه يتم اقتناؤها لحمايتهم.

في هذا السياق يقول آرون كيفيستو، أستاذ علم النفس، والباحث الرئيس للدراسة، "إن كل زيادة بنسبة 10 في المئة في معدلات ملكية الأسلحة المنزلية قابلتها زيادة بنسبة 135 في المئة في معدلات ارتكاب جرائم القتل بالأسلحة النارية داخل الأسرة، كما ارتفع معدل القتل غير المقصود بسلاح ناري بنسبة 2 في المئة".

من أين جاء الباحثون في هذه الدراسة بتلك البيانات؟

الثابت أنهم اعتمدوا على بيانات تقارير مكتب التحقيقات الفدرالي، تلك التي تضم حوالى 90 في المئة من جميع جرائم القتل التي ارتكبت في جميع الولايات الأميركية خلال مدة الدراسة (1990-2016)، متضمنة جرائم قتل الشركاء الحميمين، وأفراد الأسرة، والمعارف، والغرباء.

أكثر من ذلك فإن هناك أرقاماً رسمية تشير إلى أن 100 ألف أميركي يتعرضون كل عام لحوادث إطلاق النار، منها 12791 جرائم قتل، و16883 حالات انتحار، و642 حالة إطلاق نار خطأ.

كما تزايدت الجرائم في بعض الولايات والمدن بنسبة 300 في المئة، عندما تم تحجيم حق الأفراد في حمل السلاح، ومنها العاصمة الأميركية واشنطن، أما عدد المساجين فقد وصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون سجين معظمهم جراء استخدام السلاح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأحزاب الأميركية وأزمة انتشار السلاح

ربما يعن للقارئ أن يتساءل، ما هو الموقف الرسمي للدولة الأميركية من قضية حمل السلاح وانتشاره على هذا النحو بين الأفراد؟

المؤكد أن هناك علاقة قوية بين جماعات الضغط التي تمارس نفوذاً واسعاً على السياسيين الأميركيين، وبين التشريعات الخاصة بحمل الأسلحة، التي يحاول بعضها تضييق الخناق على سهولة الحصول عليها، وإن لم تتمكن حتى الساعة من الاقتراب جذرياً من هذا الحق الدستوري.

والشاهد أن مسألة حيازة الأسلحة عادة ما تكون إحدى نقاط البرنامج الانتخابي لأي مرشح أميركي على مستوى الكونغرس، ثم الرئاسة، كما أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يختلفان حول تفسير المادة الخاصة بحرية امتلاك السلاح، ففي الوقت الذي يرى فيه الديمقراطيون قصر الحق في حمل السلاح على الولايات المكونة  للاتحاد الأميركي، وأن الآباء المؤسسين أرادوا هذا الحق لأميركا  الفيدرالية، وهذا ما يعرف بالتفسير الجماعي للحق، ويطالبون بضرورة إعادة النظر في "الحق المطلق للفرد" بسبب المستجدات  التي طرأت على المجتمع الأميركي واستخدام هذا الحق في حدوث جرائم متكررة، فإن الجمهوريين يرون أن امتلاك السلاح من الحقوق التي نص الدستور عليها، ويعتبرون أن السلاح هوية أميركية يدعمها الدستور، ويعرفون بأصحاب التفسير الفردي، ويرفضون أي قوانين  يمكن أن تحجم من امتلاك السلاح، ويصوت الجمهوريون ضد أي قانون يتقدم به الديمقراطيون.

وكما يختلف موقف الأحزاب، كذلك تتباين مواقف الرؤساء الأميركيين أنفسهم، فعلى سبيل المثال كان الرئيس السابق دونالد ترمب، من كبار المدافعين عن الحق في حيازة الأسلحة، وفي العام الرئاسي الأول له، في تصريح لرابطة الأسلحة الوطنية، التي تم تأسيسها في العاصمة واشنطن عام 1871، وتضم قرابة خمسة ملايين عضو، قال، "لن ينتهك أبداً الحق في امتلاك السلاح كما وضعه التعديل الثاني من الدستور الأميركي".

وفي مقابلة له مع الصحافي البريطاني الشهير بيرس مورغان في أوائل عام 2017 قال ترمب، "أنا مؤيد كبير للتعديل الثاني، وأعتقد أن ذلك يخدم المصالح الأمنية للعديد، فعندما كان السلاح فقط في يد الأشرار تم شن عديد من الهجمات".

وأكد ترمب في هذا اللقاء على موقف رابطة الأسلحة الوطنية نفسه، من أن فرض حظر على حيازة الأسلحة لن يمنع المجرمين الذين يعانون من اضطرابات عقلية من ارتكاب جرائمهم.

على العكس، يبدو الرئيس بايدن، الذي غالبا لا يخشى من الضغوطات الخاصة بجماعات الأسلحة، وهي عادة ما تمارس نفوذها  من خلال طريقين، الكتل التصويتية، والتبرعات المالية الكبيرة  والفاعلة.

يمضي بايدن في طريق مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى الحد من انتشار البنادق الشبحية، كخطوة أولى، إن قدر له البقاء طويلاً في البيت الأبيض، لمواجهة جرائم العنف المنطلقة يوماً تلو الآخر مشوهة صورة الولايات المتحدة.

هل ستكون هذه الجزئية ضمن سياق المواجهات الانتخابية الأميركية المقبلة، سواء كانت انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أو الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024؟

المؤكد أن ذلك كذلك، فقد ارتفع قلق الجمهوريين بشأن الجريمة بشكل حاد منذ تولي بايدن الديمقراطي المخضرم مهام منصبه، ونشر  الحساب الرسمي للجمهوريين في اللجنة القضائية بمجلس النواب في موقع التدوين "تويتر" تغريدة جاء فيها أن "حق الشعب في الاحتفاظ بالسلاح وحمله، لا يجوز التعدي عليه".

وفي مقابل دعوات بايدن بشأن البنادق الشبحية، جاءت ردود فعل الجمهوريين غاضبة، معتبرة أن في الأمر "هجوماً على التعديل الثاني" الذي يمنح الأميركيين الحق في حمل السلاح.

كما ردت الرابطة الوطنية للبنادق، بأنها تعتقد أن هذا "الحظر على البنادق الشبحية لن يؤثر على المجرمين العنيفين".

بالقطع تقودنا السطور السابقة إلى إشكالية غاية في الأهمية، تتمحور حول العلاقة بين انتشار الأسلحة النارية الفردية، وبين الحق في تكوين الميليشيات في الداخل الأميركي، ومن يطالع مفردات التعديل الثاني من الدستور الأميركي بدقة سيجد الأمران مرتبطان ببعضهما ارتباطاً جذرياً.  

هذه الميليشات التي ارتفع صوتها منذ ولاية ترمب، بات عدد من المفكرين الثقات أميركيين وكنديين وأوربيين، من أمثال روبرت كاغان، وتوماس هومر ديكسون، ويوهان غالتونغ، يعتبرونها بذرة الانحراف والإنجراف الأميركي نحو حكومة ديكتاتورية يمينية ميليشياوية متطرفة، وقد يكون موعد القارعة مع الانتخابات الرئاسية  المقبلة بعد عامين أو أزيد ببضعة أشهر.

المزيد من تقارير