Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستنهض ممارسات السلطة و"الثنائي الشيعي" الناخبين اللبنانيين؟

حسابات رئاسة الجمهورية المقبلة تتداخل مع الاستحقاق و"حزب الله" يؤشر إلى تفضيله فرنجية على باسيل

حسابات الرئاسة ما زالت تتوقف على نوعية الأكثرية في البرلمان اللبناني (أ ف ب)

تتأرجح التوقعات والتكهنات حول النتائج التي ستنتهي إليها الانتخابات النيابية في لبنان، على الرغم من أن انطباعاً ساد في الأسابيع الماضية أنها لن تحدث تغييراً دراماتيكياً في تركيبة البرلمان الجديد وأنها ستعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها، وأن الاستنفار السياسي المتقابل بين محور "الممانعة" بقيادة "حزب الله" بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، وخليط "القوى السيادية" من الأحزاب والزعامات التقليدية والقوى التغييرية الموزعة على لوائح انتخابية متعددة، سينتهي إلى ترجيح كفة الحزب وحلفائه.

40 في المئة في المساحة الرمادية

على بعد ثلاثة أسابيع من موعد الاقتراع في 15 مايو (أيار) المقبل، تبدو الصورة ضبابية بالنسبة إلى المراقبين. وفي الوقت الذي ما زالت استطلاعات الرأي تتحدث عن التوقعات ذاتها، مع تصاعد الحملات الإعلامية والدعائية لكافة اللوائح، فتعطي أرجحية لتفوق الأكثرية الحالية التي يديرها "حزب الله"، فإن هذه الاستطلاعات نفسها لا تخفي أن هناك نسبة من الناخبين تتفاوت بين 35 و40 في المئة، ما زالت مصنفة في الخانة الرمادية، وتتوزع على الراغبين بالانكفاء عن التصويت لأي من اللوائح جراء "القرف" من السياسيين والقوى التقليدية وبسبب تشتت قوى التغيير التي انبثقت عن ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 وعدم تمكنها من ضمان الحد الأدنى من الوحدة في تشكيل لوائح مرشحيها. وتعود هذه النسبة المرتفعة من الفئة المترددة أو المنكفئة عن المشاركة في العملية الانتخابية إلى عوامل عدة أبرزها أن جزءاً من الجمهور السني الموالي لزعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يعيش أجواء مقاطعة الانتخابات، بعد عزوف الحريري مع تياره عن الترشح بفعل إعلانه يأسه من إحداث أي تقدم في معالجة الأزمة. 

فهذا الجزء من جمهور الحريرية السياسية، فضلاً عن تضامنه مع زعيمه، يعتقد أن غلبة التركيبة الحاكمة منذ فرض الحزب انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016، أفشل محاولات الحريري لمعالجة الأزمة السياسية الاقتصادية، وبالتالي لا جدوى من الاقتراع، وذهب إلى حد الاعتقاد بأن الدول الكبرى المعنية بالمنطقة تتجه إلى تسليم لبنان إلى إيران في إطار توزيع النفوذ في المنطقة... كما أن جزءاً من الجمهور المسيحي، الذي انفك عن الولاء للرئيس عون و"التيار الوطني الحر" برئاسة وريثه السياسي جبران باسيل وحملهما مسؤولة تدهور الأوضاع في البلاد، لم ينتقل بكتلته الكبرى إلى الجهة المقابلة، أي القوى المسيحية المناهضة لعون وباسيل، مثل حزب "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، على الرغم من أن هذين الحزبين وغيرهما في الساحة المسيحية التقليدية، استقطبا قسماً من الناقمين على سياسة الفريق الرئاسي واشتراكه في كافة عمليات الفساد التي يعاني منها اللبنانيون، وعلى تغطيته لاستتباع "حزب الله" البلد إلى محور الممانعة الأمر الذي أدى إلى عزل لبنان عن محيطه العربي وعمق أزمته الاقتصادية الكارثية.

تجربتا 2000 و2009 ورصد المزاج الشعبي 

في مقابل توقع عودة "حزب الله" إلى التحكم بالأكثرية يدعو بعض المراقبين إلى رصد مفعول التعبئة والخطاب السياسي في استنهاض بعض الجمهور المعتكف وغير المتحمس للاقتراع في الأسابيع القليلة المتبقية، بحيث يمكن أن تنقلب الصورة.

ويعود بعض هؤلاء المراقبين إلى أمثلة من التاريخ القريب عن إمكان تعديل المزاج الشعبي وبالتالي النتائج لغير صالح "حزب الله". منها انتخابات عام 2000، إبان الوصاية السورية على لبنان وفي عهد الرئس السابق إميل لحود، حين جرى تعديل قانون الانتخاب وتوزيع الدوائر الانتخابية كي يلائم تفوق القوى الموالية لدمشق، في مواجهة ارتفاع صوت القوى التي تنادي بانسحاب قواتها من لبنان، وفي طليعتهم البطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصر الله بطرس صفير، أو بإعادة انتشار قواتها نحو منطقة البقاع، الذي كان ينادي به الزعيم الدرزي رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، بينما كانت الخلافات تشتد بين الرئيس الراحل رفيق الحريري ولحود ودمشق من ورائه، بعد تسلم الرئس بشار الأسد مقاليد الحكم، خلفاً لوالده الراحل حافظ الأسد. فقد أدت الحملة على هؤلاء من حلفاء سوريا قبيل الانتخابات، إلى رد فعل من جمهور الزعامات الثلاثة بحيث اكتسح الحريري العاصمة بيروت نيابياً وبعض الدوائر السنية، فيما حقق جنبلاط نتائج فاقت توقعات خصومه في جبل لبنان، ونجح بعض الرموز المسيحيين المؤيدين للبطريرك صفير.

كما يعود هؤلاء المراقبون إلى تجربة انتخابات عام 2009، حين كان الجو السائد أن "حزب الله" استطاع باجتياحه بيروت عسكرياً في غزوة 7 مايو (أيار) 2008، وأجبر خصومه على الانكفاء، أن يكسر موازين القوى بحيث ينعكس ذلك في الانتخابات التي حصلت في السنة التالية، لكن الحزب وحلفاءه الذين كانوا يتحضرون لإعلان انتصارهم، فوجئوا بأن الحريري الابن وحلفاءه، لا سيما في حزب "القوات اللبنانية" وفي قوى 14 مارس (آذار)، تمكنوا من اكتساح إحدى الدوائر المهمة التي قلبت المعادلة، وهي دائرة زحلة البقاعية المختلطة.

اختلاف الظروف 

وفي وقت يعتقد بعض المتشائمين من إحداث تغيير في المعادلة في الدورة الانتخابية المقبلة بصعوبة الأمر، مستدلين على ذلك بعمليات القمع والضغط التي يمارسها حلفاء الحزب، ضد محاولة خصومهم التحرك انتخابياً خصوصاً في مناطق سيطرة "حزب الله" وحليفته حركة "أمل"، حيث الغالبية شيعية، لا سيما في جنوب لبنان، من دون أن تتمكن السلطة من ردع أنصارهم. فالحوادث العديدة التي حصلت في الأيام القليلة الماضية تشي بأن حلفاء الحزب لن يسمحوا مع الإقرار بإمكان حصول المفاجآت، هناك من يتعاطى مع الآمال في شأنها بأسئلة كثيرة في المقابل. فالظروف مختلفة، نظراً إلى تشتت (قوى 14 آذار)، وعجز قوى التغيير أو الثوار عن توحيد صفوفهم وقيادتهم لخوض المعركة الانتخابية بلوائح موحدة في كل لبنان. كما أن الظروف الخارجية التي كانت محيطة باستحقاقي 2000 و2009 مغايرة، حيث كان المجتمع الدولي مهتماً بدعم (قوى 14 آذار)، بينما هو حالياً منصرف نحو حرب روسيا وأوكرانيا. والدول العربية الفاعلة وخصوصاً الخليجية كانت داعمة لهذه القوى ومتعاطفة معها، على خلفية رد الفعل على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، الذي اتهم بها النظام السوري ولاحقاً "حزب الله". 

إذا كان إسقاط تجربتي الانتخابات الماضية التي أفضت إلى تفوق أخصام "حزب الله"، بسبب رد الفعل الشعبي على ممارسات السلطة، فإن تجربة 2018 جاءت مناقضة، حين حصل الحزب وحلفاؤه على الأكثرية. وهي نتيجة كان سببها قانون الانتخاب الذي ما زال ساري المفعول في هذه الدورة، إذ تمت صياغته في حينها لمصلحة تحالف "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وهو أمر عاد الحريري الذي وافق عليه وندم لاحقاً لقبوله به. لكن نتيجة الدورة الماضية كانت أيضاً بسبب عامل آخر هو تحالف الحريري مع عون الذي عاد وندم عليه واعترف بخطأ التسوية التي عقدها معه. وهو تحالف غير قائم حالياً كى يستفيد منه "التيار الحر" والحزب، بل على العكس لا يترك قادة تيار "المستقبل" مناسبة إلا ويهاجمون "العهد القوي" معتبرين أنه تسبب بأخذ اللبنانيين إلى جهنم، كما يحملون على "حزب الله" بقوة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضيق صدر "الثنائي" و"التيار الحر"

ومن يراهنون على استنفار الجمهور السني والمسيحي في الجولات الانتخابية في القرى والأحياء، يشيرون إلى جملة حوادث تستفز برأيهم الشارع، بفعل ممارسات "الثنائي الشيعي" من جهة والحملة التخوينية التي يشنها على القوى السيادية التي تطرح نزع سلاحه أو ترفع شعار "لا سلاح إلا سلاح الشرعية" أو "إزالة الاحتلال الإيراني". 

فقد شهدت مناطق عدة حوادث ضد اللوائح المناهضة للحزب والثنائي، تؤشر إلى ضيق صدرهما من التعبئة الانتخابية المعارضة لهما، وهي حوادث حصل معظمها في 17 أبريل (نيسان) وبعده: منع مناصرو حركة "أمل" في دائرة الجنوب الثانية (حيث يترشح رئيس البرلمان نبيه بري) مرشحي لائحة "معاً للتغيير" المؤلفة من تحالف يساريين وممثلين للمجتمع المدني ورموز في ثورة 17 أكتوبر من الوصول إلى أحد المطاعم في بلدة الصرفند الساحلية، لإعلان اللائحة بقطع الطرقات والاعتداء على مناصريها بالضرب، وبإطلاق النار في الهواء من دون أن تمنعهم القوى الأمنية التي وصلت متأخرة إلى المكان واكتفت بإنقاذ بعض الأشخاص الذين تعرضوا للضرب. 

وفي بيروت صب مجهولون الزيت المحروق على صورة المرشحة على لائحة "الوطني" المؤلفة من الثوار وهيئات المجتمع المدني في دائرة بيروت الأولى، النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان، بعد إعلان اللائحة في مهرجان هاجمت خلاله يعقوبيان "حزب الله" وسلاحه داعية الناخبين إلى عدم الخوف منه. في الليلة نفسها أحرق مجهولون معلومون، لافتة للائحة "بيروت تواجه" المدعومة من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في الدائرة الثانية للعاصمة، كتب عليها: "صوتك في 15 مايو يلغي 7 مايو" (يوم اجتاح الحزب العاصمة عام 2008 بالسلاح). وفي اليوم التالي جرى تمزيق لافتة رفعتها المرشحة بشرى الخليل، وعمد مجهولون إلى تمزيق لوحات إعلانية لحزب "القوات اللبنانية" في منطقة مرجعيون، طريق جسر الخردلي، في دائرة الجنوب الثالثة. وواكب ذلك حملة من الموالين لـ"حزب الله" ضد حزب "القوات" في طرابلس الشمالية، لوجود مرشح لها على لائحة الوزير السابق أشرف ريفي، عبر نبش وقائع الحرب الأهلية... ونفت حركة "أمل" علاقتها بحادثة الصرفند.

مشكلة اقتراع المغتربين

يضاف إلى هذه الحوادث أخرى متفرقة تشمل مناطق مسيحية. لكن البارز في خطوات إعاقة حصول المعارضين للحزب و"التيار الحر" على الأصوات التي تمكنهم من الربح، هو الشكوى في بلاد الاغتراب من توزيع الناخبين الذي تتولاه وزارة الخارجية، من عائلة واحدة على أقلام اقتراع متباعدة، ما اعتبره بعض الوجوه الاغترابية مقصوداً لتشتيت أصوات المنتمين إلى القوى المناهضة لـ"التيار الوطني الحر" لا سيما في مدينة سيدني في أستراليا وفي غيرها في الولايات المتحدة الأميركية. واتهم حزب "القوات اللبنانية" موظفين موالين لـ"التيار الحر" في الخارجية، بافتعال ذلك وانتقد رئيسه سمير جعجع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الموالي للرئيس ميشال عون، وصولاً إلى تقدم كتلة نواب حزب "القوات" في 21 أبريل بطلب رسمي في البرلمان لطرح الثقة بالوزير.

لكن بوحبيب عزا الإشكالات في توزيع المقترعين في سيدني وغيرها لـ"القوات" مناصرين كثر إلى أن توزيع المقترعين تم حسب عناوينهم التي ذكروها، بينما هناك أشخاص سجلتهم الأحزاب... وتسببت الانتقادات للوزير في تبادل الحملات مع "التيار الحر"، الذي هاجم رئيسه باسيل حزب "القوات" قائلاً إنها تريد فرض شروطها على الخارجية.

في انتظار تلمس مدى ارتفاع السخونة وتأثير الحملات المتبادلة على استنهاض المعتكفين عن التصويت، بات واضحاً أن خلف التوتر الذي يرافق الدعاية الانتخابية اقتران حسابات معركة رئاسة الجمهورية بعد قرابة 7 أشهر، بالاستحقاق التشريعي. فالأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله قال في 9 فبراير الماضي، إن "حضورنا في البرلمان له تأثير على انتخاب الرئيس، وله تأثير على تكليف ‏رئيس الحكومة، وله تأثير على تشكيل الحكومة". وعلى الرغم من أن اختيار الرئيس في لبنان يأتي تقليدياً بفعل تسوية بين القوى الخارجية، فإن احتساب عدد النواب الذين سيصوتون مع هذا أو ذاك من المرشحين للمنصب يشكل عنصراً من عناصر هذا الاختيار.

فرنجية يتقدم على باسيل؟ 

وتلفت الأوساط السياسية إلى أهمية تحرك رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، من خلال واقعتين، الأولى بمبادرة من نصر الله خلال الإفطار الذي أقامه بهدف جمعه إلى خصمه الطامح إلى الرئاسة الأولى جبران باسيل، والثاني زيارته الأخيرة إلى موسكو، ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. 

فنصر الله، إضافة إلى اهتمامه بضرورة تعاون حليفين له خلال الانتخابات النيابية على الرغم من افتراقهما في اللوائح التي شكلاها، دعاهما إلى التنسيق من أجل إسقاط مرشحين مدعومين من حزب "القوات اللبنانية" في منطقة الشمال، وهو أمر لا يمانع أي منهما فيه نظراً إلى خصومتهما مع جعجع كمرشح منافس للرئاسة الأولى. والهدف الذي يهم الحزب إضافة إلى الحصول على الأكثرية، هو ألا يحصل "القوات" على عدد من النواب يفوق عدد نواب "التيار الحر"، حتى يبقى حائزاً على التغطية المسيحية لسياسته انطلاقاً من لبنان، عبر كتلة نيابية وازنة لباسيل. إلا أن مصالحة فرنجية وباسيل في هذا الإفطار عدَّتها مصادر سياسية تزكية من نصر الله لفرنجية، على حساب باسيل، مقابل مساعدة الأخير على التعويض عن الجمهور الذي خسره مسيحياً جراء تحالفه مع الحزب سيكون بدعم لوائح تياره عبر حلفاء مسيحيين آخرين للحزب في بعض المناطق، بينما سيكون مرشحه للرئاسة فرنجية بعد أن تمكن من فرض عمه ميشال عون في عام 2016. 

أما في زيارته إلى موسكو فتشير المعطيات إلى أنه عومل فيها على أنه المرشح الأكثر حظاً للرئاسة خلال لقائه لافروف. ونقل عن فرنجية قوله للوزير الروسي، إنه إذا تولى الرئاسة سيكون دوره أن يجمع اللبنانيين، وليس أن يفرقهم، وأنه ضد طروحات الفيدرالية التي يقترحها بعض الأصوات المسيحية، مشدداً على أهمية التزام وتنفيذ اتفاق الطائف. كما نقل عن فرنجية تصنيفه الزعامات المسيحية على أنها واحدة تريد مخاصمة الطائفة الشيعية قاصداً بذلك جعجع، وأخرى تعادي السنة قاصداً عون وباسيل وخصومتهما مع الحريري، وأنه أكد نيته تغليب أجواء التصالح مع القيادة السنية والحريري. 

وفي كل الأحوال، فإن حسابات الرئاسة ما زالت تتوقف على نوعية الأكثرية في البرلمان، وعلى المناخ الإقليمي المعني بأي تسوية حولها. فبعض القوى المعارضة لنفوذ "حزب الله" بدأت منذ الآن تعلن رفضها تولي أي حليف للحزب الرئاسة الأولى نظراً إلى رفضها تكرار تجربة الرئيس عون. وهذا ما يفسر إعلان رئيس "الاشتراكي" وليد جنبلاط بأن حزبه لن يصوت لا لباسيل ولا لفرنجية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير