Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إن كانت الحرب الثقافية حقيقية فمن يفترض بنا أن نحارب؟

 ربما حان الوقت لكي نعترف بأننا الآن وطالما كنا في حالة حرب مع أوراسيا بواسطة هولي باكستر

إن مراقبة التفاعل بين الناس بعين الصقر لا تعني بالضرورة التعاطف مع الآخرين (غيتي)

هل الحرب الثقافية حقيقية وإن صح ذلك، فمن تكون الأطراف المتناحرة؟ في مرحلة من المراحل، آمن كل شخص استفزازي لديه ميول يمينية على الإنترنت بأن "محاربي العدالة الاجتماعية" يشنون حرباً على الجميع [شعواء] بلا تمييز، ويهاجمون بلا كلل أو ملل كل من لا يسير على خطى ثقافة "اليقظة الاجتماعية" [ضد التمييز العرقي والجنسي] فيما يدافعون عن أنفسهم بقوة ويحمونها من مظالم متخيلة. حتى مع ميولي الشديدة نحو الاشتراكية، أعترف بسرور بأن بعض المحاربين من وراء الشاشات قد تمادوا في ما فعلوه. وقعت مرة حادثة العالم الذي أجهش بالبكاء أثناء اعتذاره لارتدائه قميصاً عليه صور نساء شبه عاريات، مثلاً. هل كان اختياره الملابس في مكان عمله غبياً؟ نعم. هل استحق التعرض لهجوم قاس لدرجة تدفعه للبكاء على قناة التلفاز المحلية؟ أعتقد أن قلة من بيننا توافق على أن هذه العقوبة تناسب ذلك الجرم.

منذ تأسيس "تويتر" تقريباً، شهد موقع المدونات المصغرة نقاشات حادة وهجمات مركزة خلفت تبعات كانت بمثابة ضربات قاضية على المسيرات المهنية. حتى إن المؤلف جون رونسون جعل منها موضوع كتابه "عن التشهير العلني" ( So You’ve Been Publicly Shamed) الذي حصد نجاحاً هائلاً. وتصيب هذه الأحداث عالم مشاهير هوليوود، وعالم الأدب، وأوساط الصحافة، كما عالم الترفيه الغريب. ولكن الحقيقة هي أن هذه الهجمات شائعة على اليمين قدر شيوعها على اليسار وربما لهذا السبب علينا الاعتراف بأننا الآن، وطالما كنا، في حالة حرب مع أوراسيا.

من موقعي كرئيسة قسم الرأي، لدي تجربة مباشرة مع هذا النوع من السلوك الإنساني أكثر من معظم الناس. في أوائل عام 2020، قضيت ليلتين طويلتين على الهاتف مع كاتبة نشرت مقالاً في قسم الآراء تعترف فيه بخرقها قوانين الإغلاق في إحدى الولايات بسبب حالة طوارئ عائلية. تعرضت لهجوم عنيف جداً على الإنترنت من أشخاص يؤمنون باعتقادات سليمة [لا تشوبها شائبة]- أنه عليك ملازمة بيتك خلال الجائحة إن استطعت ذلك؛ وأن المسؤولية الاجتماعية تأتي في المقام الأول خلال فترة انتشار فيروس قاتل لا يوجد له لقاح ولا علاج- ولكنهم أصبحوا مغالين في القسوة عند تطبيقهم تلك العقائد. كما رأيت كاتبة تجهش بالبكاء لأنها دافعت عن فكرة حبوب منع الحمل للرجال (وهو شيء يبدو قريب التحقيق [في المتناول] من الناحية العلمية الآن). وكل عام، تقابلني على "تويتر" فورة متوقعة من الأشخاص الذين يرغبون بإخباري مدى كراهيتهم مقالاً كتبته منذ سبع سنوات عن أن حاجتنا ليوم عالمي للرجل تساوي تقريباً حاجتنا لشهر مخصص لتاريخ العرق الأبيض (وهو رأي ما أزال أتمسك به، ولكن تخيلوا- لا يهم ذلك حتى! لأن يوم الرجل العالمي حقيقي ويقع في 19 نوفمبر (تشرين الثاني). بالطبع، لا يكتفون عادة بإخباري بأنهم يكرهون المقال؛ بل يريدونني أن أفهم بأنهم يكرهونني شخصياً، لأنني "عاهرة" و"نسوية نازية" أو "غبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا أعتقد أن غالبية الناس تشبه الأفراد الذين يتسللون من سجلات منتدى فورتشان (4chan) من أجل إهانتي بهذا الشكل- ولكنني أعتقد أن هؤلاء يظهرون جانباً ملفتاً من الطبيعة البشرية. عادة، إن تفاعلت مع هؤلاء (كما فعلت بعض الأحيان، حين كتبت مثلاً تقارير عن أتباع ترمب المتشددين أو أعضاء الجماعات السرية مثل بوغالو بويز Boogaloo Bois). سوف يقصون عليك قصة مريرة عن أنهم "كانوا لينجزوا العمل بطريقة أفضل". غالباً ما يتحدثون عن رغبتهم في العمل في الصحافة، وعن تعرضهم للرفض في مجال العمل هذا أو عن عيشهم في أماكن أو معاناتهم من أوضاع مادية جعلت الأمر يبدو مستحيلاً. وهم يؤمنون بأن المراسلين والمحررين يدينون لهم بشيء لأنهم كانوا ليحتلوا مواقعنا في عالم مواز. وأنا أتعاطف مع هذا الرأي من عدة جوانب، لأن جميع أنحاء البلاد، بل العالم، تضم كثيراً من المواهب غير المكتشفة أو المستغلة.

من ناحية أخرى، أعتقد كذلك أن هذا الموقف نابع من اعتقاد عام بأن الكتابة ليست "مهارة". لا يصب كثير من الناس جام غضبهم على علماء الرياضيات أو فيزياء الجسيمات؛ إذ يتقبلون بأنهم وصلوا إلى مكانتهم بفضل مزيج من الكفاءة الطبيعية والعمل الشاق، وهم يستحقون الموقع الذي يتبوؤونه. هل في العالم أشخاص آخرين كانوا ليصبحوا علماء فيزياء أو رياضيات بمهارة العلماء الذين توظفهم حالياً ناسا أو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو هارفارد لو حصلوا على دعم أكبر من والديهم أو كانت حالتهم المادية أفضل أو معلميهم أكثر اهتماماً بهم أو جنسيتهم تسمح بفتح أبواب أكثر أمامهم؟ نعم، بلا شك. ولكن نظراً لأن الجزء الأكبر من عملهم يسير وراء الكواليس، لا يشعر الناس إجمالاً بأنهم خسروا شيئاً- ولأن (معظم) الأشخاص غير ميالين إلى إنشاء مدونات حول الرياضيات أو قنوات فيديوهات عن الأرقام على سبيل التسلية بينما يتواصلون عبر الكتابة كل الوقت، يشيع الاعتقاد بأن "أياً كان قادر على" الكتابة.

وهكذا تستمر الحرب الثقافية، ويغذيها اليمينيون الذين يقولون لأتباعهم بأن الكتاب الليبراليين "يعتقدون أنهم أفضل منكم" لامتلاكهم مهارة لا يعتبرونها مهارة حتى. وفي تلك البيئة، يصبح التعليم نفسه نخبوياً ومحط شبهات؛ ويصبح المعلمون أعداء، وتعود أساليب التربية التي يعتبرونها جيدة وأصيلة مع ما يصاحبها من ضرب بالحزام والسوط لمعاقبة إساءة التصرف ويرون أنها لم تؤذهم أساساً في صغرهم. وتمنع مشاريع قوانين "لا تقل مثلي" التي مررتها ولايتي فلوريدا وألاباما في الآونة الأخيرة، المدارس فعلياً من الحديث عن موضوع التوجهات الجنسية أو الجنسانية كلياً، تحت غطاء "إعادة السلطة إلى الأهل". ويؤيد بعض الكتاب هذا الشيء أيضاً، كما ذكرنا جميعاً أحد الكتاب المسرحيين والمحارب الجديد في صفوف اليمين، الإثنين، حين ظهر على شاشة "فوكس نيوز" لكي يطلق زعمه السخيف بأن المعلمين ميالون عادة إلى الانجذاب الجنسي تجاه الأطفال وأن المعلمين الذكور بالتحديد ليسوا سوى مفترسين ينتظرون مناقشة موضوع الجنس مع أطفالكم لكي يشعروا بالنشوة.

ويعتبر ديفيد ماميت واحد من حفنة من الكتاب الذين اتخذوا هذا الموقف، وربما يكون أكثرهم إثارة للدهشة. أذكر كيف شعرت بخيبة أمل شخصية عظيمة عندما تبين أن ليونيل شريفر، مؤلفة كتاب علينا أن نتكلم عن كيفن (We Need to Talk About Kevin)، الذي صيغ بأسلوب رائع، وتعاطف كبير)، مؤمنة بنظريات المؤامرة ومؤيدة لـ"بريكست" (على الرغم من أنها ليست بريطانية حتى!)، ولكني أعتقد أن معظم الناس العاديين أكثر دراية بأعمال ماميت. رداً على فورته الغريبة على قناة "فوكس نيوز"، كتب مستشار بيرني ساندرز للشؤون الخارجية إن جل ما يثبته ذلك هو أن "روبرت مردوخ أخطر الأثرياء المتنفذين في العالم". ربما. وربما أخطأت بتوقعي تصرفاً أفضل من شخص يعيش من خلال الكتابة. ففي النهاية، لا تعني مراقبة التفاعل بين الناس بعين الصقر بالضرورة التعاطف مع الآخرين.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء