Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جيوش المرتزقة" أقوى بكثير مما يعتقد الجميع

يشير التاريخ بشكل واضح إلى أن هذه الفئة من المقاتلين لم تكن استثناءً على القوات النظامية

باتت المرتزقة المقاتلة والمسلحة تسليحاً جيداً أمراً واقعاً في عصرنا الحالي (أ ف ب)

تحمل صفة "مرتزقة" في طياتها مدلولاً سلبياً في العالم العربي، فالمرتزق الفرد هو شخص يؤدي خدمات غير مشروعة لصاحب المال والسلطة ليحصل على مقابل مادي. هذا في التعريف العام، أما في التعريف المعتمد في الصحافة والإعلام، فالمرتزقة هم مجموعة مقاتلين مدربين تدريباً جيداً أو غير مدربين يتم جمعهم من دول فقيرة، ويقاتل هؤلاء لصالح مَن يدفع لهم أكثر، إذ لا تعنيهم أسباب الحرب وأهدافها أو عقائد المتقاتلين فيها، بل يقومون بعملهم الذي يجعل منهم "مرتزقة"، وهو القتال في سبيل المال. ويتم توظيف المرتزقة من قبل الحكومات لأداء عدد من الواجبات التي كانت في السابق من وظائف الجيوش كتوفير الأمن للدبلوماسيين ورؤساء الدول، وقد يستخدَمون في فرض تسويات السلام وتدريب الجيوش الناشئة. وبالطبع فإن المعنيَين الاجتماعي والإعلامي لا يدلان على المعنى اللغوي للكلمة، أي إن المرتزق هو شخص يبحث عن الرزق، والرزق من الله، كما جاء في القرآن الكريم "كلوا من طيبات ما رزقناكم" أو قول العامة "الرزق على الله"، والمرتزق شخص يحصل على رزقه مقابل عمل يؤديه أو يحصل عليه من أصحاب المال الميسورين الذين يساعدون الفقراء والمحتاجين.

المرتزقة بدلاً من الجيوش المنظمة

لكن باتت المرتزقة المقاتلة والمسلحة تسليحاً جيداً أمراً واقعاً في عصرنا الحالي، ولم تعد عملاً مخالفاً لقواعد الحروب أو الاتفاقات الدولية التي تهتم بقواعد الحرب. بل باتت الدول تعلن عن مرتزقتها المتحاربين في بلدان مختلفة. فمثلاً تركيا لا تخفي البتة وجود سوريين يقاتلون عنها في ليبيا، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتأخر في الدعوة والترحيب بالمرتزقة الراغبين في القتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، كما فعل المرتزقة الذين حاربوا إلى جانبه في سورية. والإيرانيون أيضاً لا يتأخرون عن القول إن مرتزقتهم وتحت شعار "تصدير الثورة" سلموهم أربع عواصم عربية هي، صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت، وهذا ما يجاهر به دوماً مسؤولون إيرانيون في مناصب عليا. أما الولايات المتحدة فلا تختلف عن الآخرين في موضوع المرتزقة الذين استخدمتهم في العراق وأفغانستان، إلا بأن مرتزقتها هم مقاتلون موظفون في شركات كبيرة ومهمة ومعروفة ومنظمة بشكل جيد، وأن أغلب مقاتليها ومديريها كانوا في الجيش الأميركي وخدموا فيه، من الجنود إلى المراتب العليا من الضباط.
يقول نيكولاس ك.غفوسديف في تحقيقه حول المرتزقة في العراق، إنه منذ زمن بعيد تم الكشف أن مقاتلين كثر ليسوا وطنيين، متطوعون يقاتلون من أجل الحرية للعراقيين، ولكنهم متخصصون بأجر ويسمَون "متعاقدون عسكريون خاصون"، أو بشكل أكثر وضوحاً "مرتزقة".
ويقدر بيتر سينغر من معهد "بروكينغز" أن "المتعاقدين الخاصين يشكلون الآن ثاني أكبر وحدة عسكرية في العراق، بعد القوة العسكرية الأميركية (الرسمية)". هذا على الرغم من أن كثيراً من هذه المنظمات ذات سمعة سيئة بسبب ما تقوم به خارج أطر قواعد الحرب المنصوص عليها في المواثيق الدولية. وفي كل الأحوال فإن التاريخ يشير بشكل واضح إلى أن المرتزقة لم يكونوا استثناءً على الجيوش على ما نعتقد، بل على العكس، فإذا كانت الحرب هي رياضة الملوك، فإن المرتزقة الذين خلدوا عبر التاريخ كانوا الرياضيين المحترفين في عصرهم. وقد أدى صعود الجيوش الجماعية التي ملأها المجندون ذوو الأجور المنخفضة إلى إلغاء الحاجة إلى قيام الحكومات بتوظيف جنود محترفين.
برأي غفوسديف فقد "تم في الجزء الأكبر من القرن العشرين توظيف المرتزقة، إما من قبل الطغاة الطموحين أو من قبل الشركات متعددة الجنسيات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتُعد "ديفينس سيستمز ليمتد" شركة مرتزقة مقرها بريطانيا لديها عقود مع شركات نفط كبرى مثل "تكساكو" و"شيفرون" لحماية أصولها وبنيتها التحتية في الأماكن المضطربة مثل أنغولا أو نيجيريا. وفي حقبة ما بعد الدولة القومية، أو في عالم لم يعد يشهد حروباً عظمى، بل حركات تمرد داخل الدول، ملأ المرتزقة فجوة الجيوش الوطنية التي تحاول الدول الحفاظ عليهم قدر الإمكان خصوصاً في الأماكن المضطربة بشدة. فالمرتزقة الذين لا يأبهون بأسباب الحرب الأيديولوجية، يمكنهم القيام بأعمال الجنود على أكمل وجه، وذلك مقابل أجر يزيد أو يكبر كثيراً، بحسب نوعية المقاتلين، والعمليات المولجين بها. وهناك إغراءات مالية لضباط شرطة أو لقيادات متقاعدين في الجيش أو للجنود المدربين جيداً، تمنحهم أضعاف أضعاف ما يحصلون عليه من رواتب حكومية، فينتقلون للعمل في الشركات الخاصة تلقائياً. وفي حال موتهم فلن يبكي عليهم أحد، ولن يتم الإعلان عن سقوط جنود من الجيش الفلاني، ما يهز صورته أمام الرأي العام.
مثلاً، في حرب سيراليون عينت الحكومة هناك، شركة "اكزيكيوتيف أوتكومز"Executive Outcomes الجنوب أفريقية في عام 1995 لهزيمة مقاتلي "الجبهة الثورية المتحدة" المشهورة ببتر أذرع أسراها. ولكن عندما نفذوا عقدهم في عام 1997 غادر المرتزقة سيراليون، وبعد 4 أشهر تمت الإطاحة بالحكومة هناك. وتعمل معظم الشركات تحت إشراف حكومي ضئيل وتقريباً لا توجد مساءلة عن سلوك موظفيها.
وفي عالم المرتزقة المحاربين، هناك المقاولون العسكريون الخاصون والمرتزقة رخيصو الأجر. المقاولون العسكريون الخاصون يمكنهم القتال في معارك معينة كمحاربة الجماعات الإرهابية، أو ملاحقة تجار المخدرات حول العالم، بل ويمكنهم حماية شركات المخدرات نفسها إذا ما كانت تدفع أكثر من أعدائها. فولاء المرتزقة الأول والأخير للشركة ثم للممول الذي يستأجرهم، حتى انتهاء عقودهم. وكانت إدارة جورج بوش الابن قد استخدمت الشركات العسكرية الخاصة أثناء غزو العراق بشكل كبير. وأثارت شركة المتعاقد العسكري الأميركي، "بلاك ووتر"، انتقادات دولية بسبب جرائمها في العراق بعد أن فتح موظفوها النار في أحد شوارع بغداد وسط الزحمة فقتلوا 17 شخصاً.
وتشير تقارير دولية يمكن الحصول عليها على شبكة الإنترنت لكثرة انتشارها، إلى أن المرتزقة موجودون في كل الصراعات وفي كل الدول وبأشكال مختلفة، مرةً كمجندين مقاتلين ومرةً لحماية الشخصيات والأثرياء والأوليغارشيين الذي يثرون من فساد الإدارة، ومرةً لحماية مراكز استراتيجية، كآبار النفط.

هل تقوض الشركات الأمنية سلطة الدولة؟

وفي كتابه "المرتزقة الحديثة"، يقول جون ماكفيت الذي كان مرتزقاً سابقاً، أن تجارة الحرب تحولت من استثمار بملايين الدولارات إلى سوق بمليارات الدولارات. مثلاً في السنة المالية 2017، أعطى البنتاغون 320 مليار دولار للعقود الفيدرالية، منها 71 في المئة للشركات العسكرية الخاصة. وهذا يُعد مبلغاً كبيراً جداً في عالم الشركات المسلحة التي تكاد تطغى على الجيوش الرسمية. وحتى منظمة الأمم المتحدة تستعين في بعض أعمالها بالشركات العسكرية الخاصة، بما في ذلك شركة "الخدمات الأمنية متعددة الجنسيات"، وقد استأجرت إسرائيل المجموعة نفسها لتوفير الأمن في فلسطين.
لكن توسُّع هذا الاستخدام للمرتزقة بكافة أشكالهم، أسهم في تقويض الأنظمة الأمنية داخل الدول، إذ إنه بحكم تعريف السلطة داخل الدولة، بإمكانها احتكار حمل السلاح، وهذا ما يمنحها صفة السلطة، وحين يصبح العمل الذي يجب أن تقوم العناصر العسكرية والأمنية الرسمية والحكومية التي تأتمر من الإدارة بواسطة مجموعة من القوانين، بيد شركات خاصة ومرتزقة قد ينقلبون فجأةً على مستخدمهم، فإن الإدارة السياسية والأمنية للسلطة ستتعرض لخطر أمني دائم.
وكتب سينغر من معهد بروكينغز أن "الشركات العسكرية الخاصة وموظفيها يميلون إلى الوقوع في ثغرات القوانين حول التمييز الحاد بين المدني والمسلح". وأضاف أن هذا يجعل من الصعب التأكد من "كيف ومتى وأين وما هي السلطات المسؤولة عن التحقيق والملاحقة والمعاقبة على مثل هذه الجرائم"، على عكس العسكريين الذين يخضعون للمساءلة بموجب تشريعاتهم العسكرية.
وفي حالة القتل في "ساحة النسور" في بغداد على يد عملاء "بلاك ووتر"، يلاحظ سينغر أن "الوضع القانوني حول المسلحين التابعين للشركة المقاولة كان غامضاً للغاية، فلا يُحاسبون أمام القانون العراقي بسبب التفويض المتبقي لسلطة التحالف المؤقتة التي كانت بإدارة المفوض الأميركي بريمر، والتي كان تم حلها قبل سنتين، إلا أن سلطاتها ما زالت قائمة. وهكذا نفذ المتهمون من العقاب المفترض".
وصرح البروفيسور شون ماكفيت من جامعة جورجتاون ومؤلف الكتاب The New Rules of War، أن "المرتزقة أقوى مما يدركه الخبراء فالشركات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاغنر تشبه إلى حد كبير الشركات متعددة الجنسيات المدججة بالسلاح أكثر من مشاة البحرية الأميركية المارينز. ويتم تجنيد موظفيهم من بلدان مختلفة وتكون الربحية هي كل شيء".

المزيد من تقارير