Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا رفضت الإيرلندية سالي روني جائزة محمود درويش؟

الكاتبة الاكثر مبيعا قاطعت الترجمة الى العبرية معترضة على عنصرية اسرائيل ضد الفلسطينيين ومؤيدة حقوقهم

الروائية الإيرلندية سالي روني التي رفضت الترجمة إلى العبرية (صفحة الكاتبة على فيسبوك)

قبل أن تمنح مؤسسة محمود درويش جائزة الشاعر الفلسطيني الكبير في دورتها الجديدة إلى المغني البريطاني العالمي مؤسس فرقة بينك فلويد روجر ووترز، عرضت الجائزة على الروائية الإيرلندية سالي روني التي كانت أحدثت اخيراً، حالاً من الاضطراب في الساحة الثقافية الإسرائيلية بعد رفضها ترجمة روايتها الجديدة "أيها العالم الجميل أين أنت" إلى العبرية. كان خيار المؤسسة الفلسطينية مصيباً وسليماً، ولو أن هذه الروائية المشهورة عالمياً لم تترجم إلى العربية بتاتاً، بل لم تبادر أي دار نشر عربية إلى ترجمتها بعد الضجة التي احدثتها لصالح فلسطين والعرب. لكن الروائية الجريئة جداً التي تلتزم جهاراً قضية الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فاجأت مؤسسة محمود درويش بعدم قبول الجائزة.

ولم يصدر عنها أي تبرير علني لهذا الرفض، أو الاعتذار بالأحرى، مع أنها معروفة جداً بشجاعتها، لا سيما في رفضها الترجمة العبرية لروايتها الجديدة التي سبقتها روايتان صدرتا في إسرائيل، ولدى الدار نفسها وهي دار مودان المعروفة. مؤسسة درويش لم تصدر أيضاً أي بيان في هذا الشأن لكن الخبر راج ولكن سراً، ولم تنتبه له وسائل الإعلام العربية التي كانت حيّت الروائية الإيرلندية على موقفها الشجاع.

خط الرجعة

لماذا رفضت هذه الروائية التي تعد من أشهر الكاتبات والكتاب الجدد والشباب في إيرلندا وبريطانيا وأميركا وسائر البلدان الأنغلوفونية، جائزة شاعر كبير، يحتل مرتبة عالية في الأدب العالمي؟ هل اختارت الروائية قرارها بحرية أم أنها خضعت لضغوط قد لا تكون "خارجية" ومفروضة عليها بمقدار ما هي شخصية وذاتية؟ لعلها رأت أن فوزها بجائزة الشاعر الذي يمثل القضية الفلسطينية خير تمثيل، والذي ارتقى بمأساة شعبه إلى مصاف التراجيديا الملحمية التاريخية، سوف يضعها في موقف حرج، بخاصة أنها لم تُخف في سياق تبرير رفضها الترجمة، أنها ترحب بها بعد ترجمة روايتين سابقتين لها، ولكن ليس في ظروف سياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين وحقوقهم.

لعلها أرادت كما يقال، أن تحفظ ماء الوجه وخط الرجعة... وقد صرحت لصحيفة "ها آرتز" الإسرائيلية قائلة: "اعرف أن العالم كله لا يستطيع أن يوافق على قراري، لكنني لا أقدر، وبوعي تام مني، أن أوقع اتفاقاً جديداً، مع مؤسسة إسرائيلية لا تعارض نظام الفصل العنصري، ولا تدعم حقوق الشعب الفلسطيني التي تنص عليها مبادئ الأمم المتحدة". وأشارت إلى أن "بلداناً أخرى تنتهك حقوق الإنسان بقسوة، وهذا كان واضحاً في حالة جنوب أفريقيا خلال نظام الفصل العنصري هناك". وتقول إنها لبت "نداء المجتمع المدني الفلسطيني، ونداءات تنظيمات ونقابات أخرى ومنها "حركة دعم الفلسطيينين" التي ينتمي إليها كتاب بريطانيون معروفون مثل كاميلا شمسي، ومونيكا علي، وتشاينا مييفيل وأهداف سويف وجيف داير وسواهم. وقد وصف هؤلاء الكتّاب قرار سالي روني بـ"الرد النموذجي على الظلم المتزايد الذي يلحق بالفلسطينيين".

تهمة اللاسامية

وفي بيانات وتعليقات أخرى، دافعت روني بشدة عن حقوق الفلسطينيين، مما دفع مثقفين إسرائيليين للرد عليها ونقدها وحتى اتهامها بـ"اللاسامية". فقالت غيتيت ليفي- باز العضو في معهد سياسة الشعب اليهودي أن موقف روني يعد: "رفضاً لجوهر الأدب بذاته ولقدرته على تحقيق شعور بالتماسك وترسيخ النظام في العالم". وأضافت أنّ " روني استبعدت من خلال قرارها هذا، مجموعة من القراء بسبب هويتهم القومية". وقصدها طبعاً أن الأدب يجب ألا يخضع للاعتبارات السياسية، فهو يتوجه إلى الإنسان عموماً. وقد فاتها كيف يوظف الإسرائيليون الأدب والفن والثقافة، عموماً في معاركهم السياسية وحتى العسكرية.

وكتبت الناقدة الأميركية روث فرانكلين المعترضة على قرار روني قائلة: "إن روايات سالي روني متوافرة باللغتين الصينية والروسية. لماذا لا تهتم لأمر حقوق الأويغور، أو حقوق الصحافيين الذين يتحدون بوتين؟". وأضافت: "إن الحكم على إسرائيل بمعيار مختلف عن بقية العالم، يعد معاداة للسامية".

هالة محمود درويش

لا تحتاج جائزة الشاعر محمود درويش التي هي جائزة الشعب الفلسطيني إلى أي دعم معنوي أو رمزي من أي كاتب أو كاتبة من العالم، فالمبدعون العالميون الذي فازوا بها حتى الآن منحوها هالة تستحقها هي ويستحقونها هم أيضاً. فالجائزة هذه تشرف من يحوزها مثلما يشرفها الذين يفوزون بها. لكن فوز سالي روني بها كان يعني فقط، فتح الطريق واسعاً أمام الجائزة ليصل اسمها وصداها إلى شريحة هائلة من جيل الشباب العالمي والأنغلوفوني الذي بات يتابع هذه الكاتبة الثلاثينية، التي ترجمت إلى لغات عدة وتبلغ مبيعاتها الملايين.

حققت سالي روني، نجاحاً عالمياً منذ أن نشرت عملها الأول "أحاديث مع الأصدقاء" في عام 2017، وتواصل هذا النجاح مع روايتها الثانية "أناس عاديون" التي أدرجت في قائمة الكتب المرشحة لجائزة بوكر عام 2018 وتحولت إلى دراما تلفزيونية وحازت جوائز عدة، منها جائزة "الرواية الإيرلندية" وجائزة "كوستا" لأفضل رواية، و"جائزة النساء للأدب"، وصُنفت الرواية في المرتبة الـ25 على قائمة صحيفة "الغارديان" لأفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.

 وقبل أشهر في العام 2021 نشرت روني روايتها الثالثة "أيها العالم الجميل، أين أنت؟"، التي سرعان ما أصبحت أحد أكثر الكتب مبيعاً في إيرلندا وبريطانيا وأميركا. وعنوانها مأخوذ من قصيدة للشاعر الألماني فريدريش شيلر، وقام الموسيقي فرانز شوبرت بتلحينها عام 1819.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الثلاثين من عمرها تعد سالي روني صوت الجيل الأدبي الذي تنتمي إليه، والذي تحتل موقع الصدارة فيه، ووصفتها صحيفة "الغارديان" بكونها "كاتبة جيل السناب شات"، بينما قالت عنها مجلة "فوكس" إنها "كلاسيكية المستقبل". وبعد صدور رواية "أشخاص عاديون" في 2018 شغلت روني مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً موقع "إنستغرام"، فأصبحت كما يقال، "ترنداً" مشهوداً. وقارنت الصحافة الإيرلندية بين حركة الإقبال على شراء رواياتها بحركة الإقبال على شراء سلسلة "هاري بوتر" ولكن في سياق آخر، هو سياق القراء البالغين. وتحدثت بعض وسائل التواصل عما سمته "روني مانيا" أي شغف قراءة رواياتها.

أجواء شبابية

سالي روني هي من مواليد 20 فبراير (شباط) 1991، نشرت روايتها الأولى "أحاديث مع الأصدقاء" عام 2017، وتبعتها بروايتها "أشخاص عاديون" نهاية عام 2018. درست اللغة الإنجليزية في كلية "ترينتي في دبلن" التي تدور فيها بعض أحداث روايتها الثانية، وحصلت على لقب باحثة عام 2011، لكنها لم تكمل درجة الماجستير في السياسة، بل في الأدب الأميركي. بدأت سالي الكتابة في وقت مبكر من حياتها، فأنهت روايتها الأولى في الخامسة عشرة، وهي عبارة عن نص يحمل طابع السيرة الذاتية، ثم تخلت عنها.

غالباً ما تدور روايات روني في أجواء الشباب والطلاب الجامعيين، وتتناول المشكلات التي يواجهها جيل الشباب، عاطفياً وطبقياً واجتماعياً وسياسياً. وتتعرض للأزمات التي يواجهها هذا الجيل، من أزمة الهوية أو الانتماء، إلى أزمة الذات المصدومة بالآخر الذي هو المجتمع والعائلة والتقاليد، فإلى أزمة الفرد في كافة حالاته، الحب والجنس والحرية... ونجحت روني في تمثّل القضايا الاجتماعية والسياسية مثل عدم المساواة والطبقية والجشع الرأسمالي، وتتطرقت إليها من وجهة نظر شبابية، حية وحقيقية، فغاصت في ما يكتنف حياة الشباب من تناقضات واضطربات وأمور غالباً ما يتم تهميشها أو عدم إيلائها اهتماماً... ولعل هذه القضايا المعيشة والراهنة هي التي جعلت القراء يقبلون على رواياتها بشغف وحماسة، مما جعلها تتبوأ باكراً موقع الصدارة في الحركة الروائية الإيرلندية والبريطانية والأنغلوفونية الجديدة.

كانت مؤسسة محمود درويش على حق عندما اختارت سالي روني لتفوز بالجائزة، لكن الروائية الجريئة التي واجهت الهيمنة والتعنت الإسرائيليين منتصرة للحق الفلسطيني، ارتأت أن تحفظ خط رجعة، من دون أن تتراجع عن موقفها الشجاع، الذي نادراً ما يعلنها الأدباء الجدد في الغرب اليوم. ومن حق القراء العرب ان يطلعوا على رواياتها وأجوائها، ولا بد لدور النشر من ترجمتها الى لغة الضاد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة