Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن وبوتين بين المخزون الاستراتيجي والروبل والذهب

وكالة الطاقة الدولية تحولت لحماية البيئة والمناخ بدلاً من التركيز على مهمتها الأساسية وهي الأمن

ترتبط الأحداث الكبيرة في سوق الطاقة بالهجوم الروسي على أوكرانيا (أ ف ب)

حفل الأسبوع الماضي بأحداث كبيرة في أسواق الطاقة، وقد حظيت بتغطية إعلامية واسعة، إلا أنه لم يصاحب ذلك تحليلات لتلك الأحداث، ولم يتم وضعها في إطارها الصحيح. ومن الطبيعي أن يرتبط معظم تلك الأحداث بالهجوم الروسي على أوكرانيا، وبأزمة الطاقة العالمية التي نتجت منها، وبقرارات "أوبك".

بايدن والمخزون الاستراتيجي

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن بلاده ستسحب 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي الذي تملكه الحكومة على مدى 6 أشهر. هذا يعني السحب بمتوسط مليون برميل يومياً طيلة تلك الفترة. وتجاوبت الأسواق مع هذا القرار، وانخفضت أسعار النفط بشكل ملحوظ، وانخفض خام "غرب تكساس" إلى ما دون 100 دولار للبرميل.

انقسم المحللون إلى فئتين، فئة ترى أن قرار بايدن سيخفض أسعار النفط، وفئة أخرى ترى أنه لن يخفض أسعار النفط وسيرفعها في ما بعد، لأنه سيتم ملء المخزون لاحقاً. الغريب أنه بالنظر إلى تلك الفئتين نجد أن الانقسام تم وفق خطوط مرسومة مسبقاً: مَن كان يرى أن الأسعار ستنخفض في كل حال، يرى أن السحب من المخزون سيخفض أسعار النفط، ومَن كان يرى أن الأسعار سترتفع يعتقد أن السحب سيرفع الأسعار. والانقسام بهذا الشكل يجعلنا نشكك في نيات الطرفين، خصوصاً أن كل طرف يختار الأدلة التي تدعم موقفه، بدلاً من أن يحدد موقفه بناء على الأدلة.

المشكلة أن هناك عديداً من الأمور التي لم تتضح حتى الآن.  فالقرار يجعل 180 مليون برميل متاحة للشركات، ولكن، هل تقوم الشركات بشراء الكمية كلها؟ وماذا لو قامت الشركات بشراء كميات قليلة؟ وما موقف دافعي الضرائب الأميركيين إذا ما اشترت الشركات النفط من المخزون الاستراتيجي، ثم خزنته لتبيعه بسعر أعلى، وحققت أرباحاً تاريخية؟ وما موقف الشعب الأميركي والساسة الأميركيين إذا ما اشترت الصين كميات كبيرة من مخزون النفط الاستراتيجي وحولته إلى مخزون استراتيجي لديها؟

وهل يتضمن القرار السحوبات المعلن عنها سابقاً؟ وهل تتضمن السحوبات التي أقرها الكونغرس حتى عام 2028 أم أنها إضافية؟ وهل هناك أي شروط على التصدير؟ وهل سيتم شراء هذه الكميات لاحقاً عندما تنخفض الأسعار؟ وعندما سيتم الشراء، من أي دول؟ وما نوعية النفط الذي سيتم شراؤه؟ هل ستتغير نوعية النفط بحيث تعكس نوعية النفط الخام المستورد، أم تعكس نوعية النفط في خليج المكسيك بسبب الاقاطاعات السنوية بسبب الأعاصير؟

وأثار البعض موضوع القانون الذي يتطلب ألا ينخفض المخزون الاستراتيجي عن حد معين، ولكن يمكن تجاوز ذلك إذا ما قام الرئيس باستخدام قانون طوارئ يتلافى فيه الكونغرس، كما أن الحصول على موافقة الكونغرس في ظل الحرب الروسية الأوكرانية سهل، ويمكن أن يتم بسرعة. 

سيكون للسحب من المخزون النفطي الاستراتيجي الأميركي بهذه الكميات أثر كبير في أسعار النفط.  ولكن علينا أن نكون حذرين في تقييم هذا الأثر.  فعدم انخفاض أسعار النفط لا يعني أن السحب من المخزون لم يؤثر، ولكنه يعني أنه منع أسعار النفط من الارتفاع. وإذ ارتفعت الأسعار، فإن السحب من المخزون جعل هذا الارتفاع أقل.

بوتين والروبل والذهب

قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يجبر الدول "غير الصديقة" في أوروبا على دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي. انقسم المحللون بين داعم وناقد بحسب الخطوط السياسية. وقل من نظر إلى الأمر بحيادية. وتجاهل كثيرون استقالة رئيسة البنك المركزي الروسي، التي رفضها بوتين. وبوتين لم يسعر الغاز الروسي بالروبل، وإنما طلب أن تكون إيراداته بعملته الوطنية.

طلب بوتين تسبب بمشكلتين. الأولى قانونية، وهي أن معظم عقود الغاز تحدد العملة التي تستخدم في الدفع، وهي إما اليورو أو الدولار. وأي تغيير في العملة يعني مخالفة العقد. وينتج من ذلك خلافات ستنتهي بالحوكمة سواء في مراكز الحوكمة المتفق عليها في العقود أو في المحاكم الأوروبية. لا أحد يريد الوصول إلى هذه المرحلة. فالأوروبيون يعرفون أن اللجوء إلى مراكز التحكيم يعني توقف تدفق الغاز الروسي، ومن ثم وقف عجلة الاقتصاد. بوتين يدرك أن روسيا ستخسر أموالاً كثيرة لو كان الحكم ضدها، لأنه سيتم استخدام الأموال المجمدة للتعويض. لهذا لا بد من حل أو "فتوى".

الدول الأوروبية تريد الغاز، وإذا كان ليس لديها مانع من الدفع بالروبل، فإن لديها مشكلة أخرى هي أنه، بحسب أمر بوتين، عليها الحصول على الروبل من البنك المركزي الروسي. إلا أن البنك المركزي الروسي يخضع للعقوبات الغربية، ومن ثم لا تستطيع الشركات الأوروبية الحصول على الروبل. بالتالي، لا تستطيع الدفع! لهذا لا بد من حل أو "فتوى"!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمكن الطرفان من إيجاد الفتاوى اللازمة لحل الإشكال: تقوم الدول الأوروبية بالدفع باليورو أو الدولار بحسب العقد إلى بنك "غازبروم"، الشركة الروسية التي تمد أوروبا بالغاز، فيقوم هذا البنك بتحويل اليورو والدولار إلى روبل، ثم يفتح حساباً لكل شركة بالروبل، ويدفع عنها الحساب! هكذا يلتزم الأوروبيون العقد، والدفع باليورو والدولار، ويحصل بوتين على الروبل، بعيداً من البنك المركزي!

ولكن، هناك مشكلة: لا توجد كميات كافية من الروبل لتغطية تجارة الغاز من أوروبا. ما الحل؟ الحل هو أن يطبع البنك المركزي كميات كبيرة من الروبل. وهنا مشكلة كبيرة: طبع الروبل بهذا الشكل يعني انخفاض قيمته، وربما انهياره، ما العمل؟ الحل هو تحديد سعره بالذهب! وهذا ما حصل. الروبل لم يربط بالذهب، وإنما تم تحديد سعر صرفه لمنع انهياره. هذا التصرف له منافع ومساوئ. والخطة ستنجح طالما أن الصادرات الروسية أكبر من وارداتها، وطالما أن سعر الذهب في نطاق السعر الحكومي المحدد. أما إذا ما تغير بشكل كبير، فإن تكاليف هذه السياسة قد تكون كبيرة.

خلاصة الموضوع أن بوتين بدأ بمشكلة، وحل هذه المشكلة يولد مشكلة أخرى، وحل المشكلة الأخرى يحتوي على مشكلة جديدة، وهكذا. سيجد بوتين الحل دائماً، ولكن النظام المالي سينهار في النهاية تحت وطأة المشكلات والحلول.

"أوبك" تتوقف عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية

عقدت "أوبك" اجتماعاً استثنائياً في الأسبوع الماضي، قررت بموجبه وقف استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية لرداءتها. فقد عرفت بيانات وكالة الطاقة الدولية وتوقعاتها برداءتها منذ زمن بعيد، لدرجة أنني طالبت "أوبك" بالتخلي عنها في عام 2009 في مقال نشر في جريدة الاقتصادية السعودية. إلا أن بيانات وكالة الطاقة الدولية ازدادت سوءاً في السنوات الماضية، خصوصاً بعد تحولها إلى وكالة لحماية البيئة والمناخ، بدلاً من التركيز على مهمتها الأساسية، وهي أمن الطاقة في الدول الأعضاء.

الحدث بمجمله غير مهم بالنسبة إلى الأسواق، ولا أثر له في أسعار النفط. إلا أنه مهم من ناحية أخرى، هي أنه رسالة لوكالة الطاقة الدولية بأن تركز على حلول أساسية لمشكلات الطاقة العالمية، بدلاً من التحول عن مسارها الأساسي والتوجه للسياسات المناخية، لدرجة أن تناقضات وكالة الطاقة الدولية أصبحت مجالاً للتندر. من ناحية أخرى، اتخاذ "أوبك" القرار يعني ضمناً أن العلاقة بين المنظمتين ليست على ما يرام، مع أن العلاقة يجب أن تكون قوية كون مدير وكالة الطاقة الدولية الحالي تدرب في أروقة "أوبك" وكان موظفاً فيها. وما أهله للعمل في وكالة الطاقة هي خبرته في مقر منظمة "أوبك" في فيينا. لذلك، أتوقع أن تتحسن العلاقة مع وصول مدير جديد.

المزيد من آراء