Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد حرب أوكرانيا... هل ستكون ليبيا ساحة لتصفية الحساب؟

موسكو تحاول العثور على موطئ قدم على ساحل المتوسط قبالة "الناتو" ومعركة دبلوماسية متوقعة حول "مبعوثة أميركا" 

آليات عسكرية في العاصمة طرابلس (أ ف ب)

منذ اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، رجح محللون أن تنتقل شرارتها في مراحل لاحقة لتشعل حرائق جديدة في بلدان بعيدة تبدو بمنأى عن هذا الصدام بين الأقطاب الدولية الكبرى، من بين هذه البلدان ليبيا، التي تعيش منذ نحو عقد أزمة سياسية خانقة تلعب فيها قوى خارجية كثيرة، من بينها موسكو، أدواراً بارزة.

وبحسب هذه القراءات، فإن ما يدور في كييف حالياً ستكون له تداعيات مستقبلية في طرابلس، من بينها صراع متوقع في أروقة مجلس الأمن بشأن التمديد للبعثة الأممية، التي تنتهي ولايتها الجديدة الممنوحة لها لفترة مؤقتة في أبريل (نيسان) الحالي، بسبب الخلاف الحاد حول طبيعة الدور الذي تلعبه البعثة في ليبيا، والصلاحيات الممنوحة لها من المجتمع الدولي، بين روسيا المتشككة في هذا الدور، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المؤيدين لها.

هذا الصراع قد يشتد بعد أسابيع قليلة، إذ صرحت روسيا بما ألمحت له طويلاً، متهمة حلف "الناتو" بتدمير ليبيا ودول أخرى، وتركها فريسة للنزاعات، خصوصاً إذا حاولت واشنطن تثبيت الأميركية، ستيفاني ويليامز، في منصبها الذي تشغله حالياً بشكل مؤقت، مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في طرابلس، وهو ما تعارضه روسيا، كما ورد على لسان نائب وزير خارجيتها أخيراً. 

تداعيات سياسية

التداعيات السياسية للحرب في أوكرانيا على الأزمة الليبية، هي أقرب السيناريوهات وأوضحها، على المدى القريب في الأقل، بالنظر إلى الأهمية الجيواستراتيجية لليبيا، وموقعها المهم على البحر المتوسط، الذي تشغل أطول ساحل فيه بنحو 2000 كيلو متر، ما يراه الباحث والأكاديمي الليبي، مرعي الهرام، "محور الصراع الدولي على الهيمنة في ليبيا، المتقد خلال السنوات الماضية".

الهرام يشير إلى أن "هذا الصراع قديم وليس جديداً، لكن من المتوقع أن يحتدم مجدداً بين الأطراف ذاتها التي تنازعت على ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو النزاع الذي دار وقتها بين الاتحاد السوفياتي، الذي ترثه حالياً روسيا، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وكان هدف الصراع وقتها إنشاء قواعد عسكرية استراتيجية على أطول ساحل في البحر المتوسط، قلب العالم ومركز صراعاته الكبيرة منذ القدم".

وأضاف الهرام، "انتهى صراع المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وقتها بمنح ليبيا استقلالها لإنهاء هذا النزاع، بعد أربع سنوات من المفاوضات في شأنها، لم تفض إلى نتيجة ترضي جميع الأطراف، واليوم مع تجدد صراع الأقطاب الدولية القديمة، التي هي موجودة أصلاً في قلب النزاع المحلي، أعتقد أن الملف الليبي سيكون في المستقبل القريب وليس البعيد، فضاءً رحباً لتسوية الحسابات بعد حرب أوكرانيا بين المنخرطين فيها حالياً".

على أبواب "الناتو"

من جانبه، يرى الإعلامي الليبي، فرج حمزة، أن "الساحة الليبية ستصبح الشغل الشاغل قريباً في روسيا للرد على محاولات حلف "الناتو" وضع قدم له في حديقتها الخلفية أوكرانيا، وهو ما ستحاول الرد عليه في ليبيا، التي لا تبعد شواطئها الغربية عن المركز الرئيس لعمليات "الناتو" في نابولي جنوب إيطاليا، سوى المئات من الكيلومترات فقط، وهذا واحد من الأسباب الرئيسة للتدخل الروسي في الشأن الليبي منذ سقوط القذافي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستشهد حمزة بـ "محاولات روسيا السيطرة على مفاصل الأمور في طرابلس مرتين، مرة بدعم طرف عسكري في حرب العاصمة قبل عامين، وبعد فشل محاولتها هذه استخدمت ورقة سيف الإسلام القذافي، التي فشلت أيضاً، وفي المرتين كانت بصمات التدخل الأميركي لإجهاض الخطط الروسية لا تخفى".

مناكفات في مجلس الأمن

أول الملفات التي من المتوقع أن يشهد مناكفات حادة بين روسيا والمعسكر الغربي في شأن النزاع الليبي هو ملف البعثة الأممية، التي من المرجح أن تعمل موسكو على إنهاء مهماتها في البلاد، بعد أسابيع قليلة، حين يفتح النقاش حول التمديد لفترة ولايتها، وتعيين رئيس جديد لها.

وكانت تقارير غربية كشفت قبل أسابيع من اندلاع الحرب في أوكرانيا، عن خلافات بين موسكو وواشنطن في شأن مستقبل المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، حيث تضغط روسيا باتجاه رحيلها، وتسعى الولايات المتحدة لإبقائها في منصبها.

وأوضحت هذه التقارير أن باريس لديها تحفظات هي الأخرى على استمرار وليامز، بينما ترغب واشنطن ولندن في بقائها، إذ تريد الولايات المتحدة اقتراح وليامز لمنصب مبعوث خاص، حتى لو اصطدم ذلك بالفيتو الروسي.

الصحافي الليبي، معتز بلعيد، قال إن "لهذا النزاع الروسي الأميركي في شأن ويليامز خفايا متعلقة بما دار قبل الانتخابات الرئاسية، التي تعثر تنظيمها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ تتهم الولايات المتحدة بفرض عودة المبعوثة الدولية إلى ليبيا في هذا التوقيت الحرج، لمنع وصول المرشح المدعوم من روسيا سيف الإسلام القذافي إلى السلطة، وهو ما لم يكن ممكناً إلا بطريقة واحدة، هي تعطيل الانتخابات التي كان يتصدر استطلاعات الرأي المحلية للفوز بها في ذلك الوقت".

وأضاف بلعيد، "بعد ما جرى في أوكرانيا، أعتقد أننا سنشهد فصلاً جديداً في هذا الخلاف أشد من أي مرحلة سابقة، والخطير في هذا الخلاف، لو وقع، أنه من الممكن أن تترك بعده ليبيا فريسة الصراع السلطوي دون أي تدخل دولي، ما قد يعيدنا إلى مربع الحرب، التي ستكون ساحة ثانية دموية لتصفية الحسابات بين قطبي الصراع الدولي عبر دعم الوكلاء المحليين". 

صراع المصالح

تشير بعض التوقعات إلى أن موسكو لن تسعى فقط لعرقلة تعيين مبعوث أممي موال للغرب والولايات المتحدة تحديداً، بل قد تعمل على إعادة هيكلة العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بالكامل، بشكل يضمن مشاركة حلفائها في الداخل فيها بشكل أكبر، وعلى رأسهم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل.

يرى المحلل السياسي، كامل المرعاش، أن "روسيا لا تبحث عن فتح جبهات جديدة ضد الغرب، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح لأوروبا أو حتى للولايات المتحدة بفرض حل في ليبيا على حساب مصالحها. وهذا يعني أنها لن تبادر بالضغط إلا في حال محاولة الولايات المتحدة وأوروبا إنهاء أي دور لها في ليبيا، وستسعى لبقاء الوضع الراهن حتى تنتهي أزمة أوكرانيا".

لا مشكلات اقتصادية

اقتصادياً، لا يبدو أن الآثار الناجمة عن الصدام العسكري في أوكرانيا قد تكون كبيرة على الاقتصاد الليبي الهش والمترنح تحت وطأة النزاعات السياسية والعسكرية في السنوات الأخيرة، الأمر الذي تسبب في تذبذب إنتاج النفط، المصدر الرئيس لتمويل الموازنة العامة والاقتصاد المحلي.

على العكس تماماً، يشكل ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز بسبب اندلاع المعارك في أوكرانيا طوق نجاة للاقتصاد الليبي، على الرغم من تذبذب معدلات التصدير منذ بداية العام الحالي، بعد أن اقتربت من مستوياتها القياسية، ما سيوفر دعماً للخزانة العامة بمليارات الدولارات هي في أشد الحاجة إليها.

الأثر الاقتصادي الوحيد للنزاع في أوكرانيا على ليبيا يرتبط بأسعار القمح، التي تضاعفت منذ انطلاق الرصاصة الأولى في هذه الحرب، على الرغم من التطمينات الحكومية بتوفر مخزون من القمح يكفي البلاد لعام كامل، وأنها لا تعتمد على واردت القمح من كييف سوى بنسبة 22 في المئة من وارداتها منه. 

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي