Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعويض لموظف حكومي بريطاني أسود يحرك مشكلات عرقية

نائبة سكرتير شؤون مجلس الوزراء تطرح أسئلة حول نهج مكتب الحكومة البريطانية

الموظف الحكومي السابق كاي بادو ذكر أنه تعرض لمعاملة عنصرية على يد المديرين البيض لسنوات عدة (غيتي)

علمت "اندبندنت" أن حكومة المملكة المتحدة قدّمت لموظف أسود كان يعمل لديها، تعويضاً مالياً لا تصل قيمته إلى 100 ألف جنيه استرليني (أقل من 135 ألف دولار أميركي)، في إطار تسوية معه بسبب مزاعم بممارسة تمييز عنصري ضده في دوائر "وايتهول" الحكومية، حيث نبّهت نائبة سكرتير شؤون مجلس الوزراء البريطاني إلى وجود "مشكلة منهجية" في مكتب مجلس الوزراء.

وأفاد كاي بادو (36 سنة)، أنه تعرض لتنمّر من جانب مدراء بيض على مدى ثلاثة أعوام في مكتب مجلس الوزراء، الأمر الذي جعله يعاني أعراض "اضطراب ما بعد الصدمة". وبلغ به الأمر في مرحلة ما، أن فكر في وضع حدٍّ لحياته.

وأكد السيد بادو الذي كان انضم إلى "الخدمة الرقمية الحكومية" Government Digital Service عام 2018 بصفة مساعد تنفيذي، أنه حُرم من الحصول على ترقية، وأن أحد المدراء استخدم كلمة تبدأ بحرف "ن" n ("نيغرو" أو زنجي)، وأنه سُئل أمام زملائه "لماذا يلجأ بعض الأشخاص من ذوي البشرة السمراء إلى استخدام ورقة المسألة العرقية عندما يواجهون مشكلة ما؟". وأشار الموظف إلى أنه بعدما رفع عدداً من الشكاوى، وجد نفسه في وقت لاحق أنه بات هو موضع تحقيق.

حرّكت هذه القضية هيلين ماكنمارا التي تحمل لقب "دام" (تولّت منصب نائبة سكرتير مجلس الوزراء عامَي 2020 و2021)، فعملت على توجيه رسالة إلى أليكس تشيشولم، السكرتير الدائم لـ"مكتب مجلس الوزراء" البريطاني، تعرب له فيها عن مخاوفها من طريقة معالجة القضايا العرقية في الدائرة التي تصف نفسها بأنها "مركز حكومة المملكة المتحدة".

كتبت ماكنمارا في رسالتها في مارس (آذار) من عام 2021، وهي مدرجة في الدعوى المرفوعة إلى محكمة العمل من جانب كاي بادو، "كان هناك غياب واضح للتعاطف مع كاي منذ البداية، لجهة الطريقة التي تم التعامل معه من خلالها، بما في ذلك طريقة تعاطي المنظمة مع الحدث الذي أطلع فيه كاي الناس على أنه كان يفكّر في الانتحار. لقد سمحت المظالم بأن يُفسّر ما حدث باعتباره خلافاً بين أفراد، وليس قضية منهجية تتعلق بالنظام".

وأضافت الدام هيلين، "بعدما استمعتُ إلى عدد من الشهادات خلال العام الماضي تحديداً، أرى أن هناك سؤالاً مناسباً يجب طرحه ويتعلق بطريقة تعامل (مكتب مجلس الوزراء) مع المسائل المرتبطة بالعرق على مستوى منهجي. إن الأمر لا يرتبط بالأفراد (على الرغم من أن السلوك الفردي يمكن أن يكون مشكلة أيضاً)، بل في ما إذا كان مكتب مجلس الوزراء يُظهر أنه يستمع إلى الأشخاص الذين يثيرون هذه المخاوف [يلقي بالاً إليها]، ويعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للتغيير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رسالة أخرى وجّهتها إلى أحد زملائها، حذرت ماكنمارا التي عملت سابقاً مديرةً عامة لشؤون اللياقة والأخلاقيات في مكتب مجلس الوزراء، من أن عناصر التحقيق في موضوع السيد بادو يمكن أن تُعتبر "متحيّزة من الناحية العرقية".

وتنحى كاي بادو عن وظيفته العام الماضي وتقدّم بإجراءات قانونية لدى محكمة العمل، قبل أن يوافق مكتب مجلس الوزراء البريطاني على تسوية قضيته وتعويضه بمبلغ يقلّ عن 100 ألف جنيه استرليني. وأكدت الإدارة لـ"اندبندنت" أنها لم تقرّ بأي مسؤولية.

وأوضح بادو أن المسؤولين عن ممارسة تمييز ضده لم يتعرّضوا للعقاب، بل واصلوا تولّي مناصب إدارية في الخدمة المدنية. وفي وصف مجمل ما حصل معه، أوضح بادو أن "المحنة بأكملها كانت مجهدة على المستوى العاطفي، ومرهقة للغاية".

وأضاف، "في بعض الأحيان، لم أحظَ بقسط وافٍ من النوم. ولم ألتقِ أصدقائي. انطويتُ على نفسي في عزلة. أما صحتي، فأخذت في التدهور، إذ كنت أتناول وجبات سريعة. وقد راودتني أفكار بوضع حدّ لحياتي، وهو اختبار لا أتمناه لألدّ أعدائي".

وتشير الوثائق المدرجة في ملفه لدى محكمة العمل، إلى أن التمييز ضده بدأ بعد فترة وجيزة من مباشرته العمل في مكتب مجلس الوزراء في مارس (آذار) 2018، إذ كان مدراء يطلقون تعليقات عن "لعب ورقة المسألة العرقية"، مشيرين إلى أنه "من السهل التخلّص من أفراد مثله (كاي بادو)".

وتوضح حيثيات ملف الدعوى كيف تقدّم بادو بشكاوى على إحدى المديرات سُمع أنها قالت، "زوجي يستمع إلى موسيقى (الزنوج)"، فيما قال آخر إن السود لم يحصلوا على وظائف عليا في دوائر "وايتهول" لأنهم لم يكونوا على درجة كافية من الذكاء كي يتولّوها. وطلب أحد المديرين من السيد بادو توخّي الحذر مع زميلة له كانت تعرّضت لاعتداء على يد رجل أسود.

استطراداً، رفع كاي بادو ظلامته إلى قسم الموارد البشرية وموظفين رفيعي المستوى، لكن لم يُتّخذ أي إجراء بشأنه، إلى حين تحدّثه خلال اجتماع للموظفين، مُعبّراً عن مخاوفه أمام رئيس العمليات آنذاك في مكتب مجلس الوزراء.

ويفيد بادو بأنه منذ اللحظة التي أطلق فيها صافرة الإبلاغ عما يحصل معه، بات "العدو العام الرقم واحد" للمدراء، الذين قال إنهم اختلقوا إجراءات تأديبية ونفّذوا حملة من المعاملة العدائية ضده. وقد رأى محققون داخليون أنه ما كان ينبغي اتّخاذ إجراء تأديبي.

وبعدما قدّم قضيته إلى محكمة العمل، توصّل مكتب مجلس الوزراء إلى تسوية معه في شهر سبتمبر (أيلول) 2021. وتخلّى في الشهر ذاته عن وظيفته في "الخدمات الرقمية الحكومية"، التي يعمل فيها نحو 800 موظف. وأشار إلى أنه في تلك المرحلة، عانى حالة اكتئاب وقلق وأرق، فيما توصّل تقييم لصحته المهنية إلى استنتاج أنه عانى درجة عالية من "اضطراب ما بعد الصدمة". وما زال يتلقّى استشارة نفسية عن ذلك الأمر.

وبحسب كاي بادو، "أعتبر نفسي أحد الناجين من مكتب مجلس الوزراء، وسواء كنت أسود أو آسيوياً، فهذا ما تجنيه. إنك لا تذهب إلى العمل كي تزدهر، بل للنجاة بنفسك. إن الوضع لن يتغيّر أبداً داخل مكتب مجلس الوزراء، إلى حين تولّي أمناء دائمين المسؤولية، يكونون من خلفيات عرقية من السود والآسيويين والأقليات الإثنية. إننا ندخل إلى الوظائف الحكومية بشعر أسود داكن، وبأمل. ونغادر بشعر أشيب، وبقلوب محطّمة".

تجدر الإشارة إلى أن إحصاءات نشرها هذا الشهر "معهد الحكومة" Institute for Government  [مؤسسة فكرية مستقلة تعمل على تحسين أداء الحكومة من خلال البحث والتحليل]، أفادت بأن 11 في المئة فقط من كبار موظفي الخدمة المدنية في بريطانيا ينتمون إلى الأقليات، بالمقارنة مع كونهم يشكّلون 13 في المئة من السكان النشيطين على المستوى الاقتصادي.

في الوقت ذاته، تبقى احتمالات قبول خرّيجين من غير البيض أقل في برنامج "فاست ستريم" Fast Stream للخدمة المدنية [برنامج الحكومة البريطانية لتطوير الخريجين وتزويدهم بالمعرفة والمهارات والخبرة كي يصبحوا قادة مستقبليين في الوظائف الحكومية].

وفي تعليق على ما تقدّم، قال متحدث باسم مكتب مجلس الوزراء، "إننا ندين العنصرية والتنمّر بمختلف أشكالهما. إن مكتب مجلس الوزراء يطبّق تدابير صارمة هدفها التأكد من اتّخاذ إجراءات فاعلة في حال رفع شكاوى".

في مقلب مغاير، أثناء ديسمبر (كانون الأول) 2021، تبيّن أن موظفاً حكومياً أسود حاول الانتحار بعد تعرضه لـ"تنمّر عنصري طويل الأمد" في دائرة حكومية.

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن "اتحاد الخدمات العامة والتجارية" Public and Commercial Services Union (PCS)  الذي يمثّل الموظفين الحكوميين، أنه يفكر في إبلاغ مخاوفه إلى "لجنة المساواة وحقوق الإنسان" Equality and Human Rights Commission [هيئة مسؤولة عن تعزيز القوانين ومواجهة التمييز في إنجلترا واسكتلندا وويلز] بعدما تقدّم أكثر من 80 موظفاً في الخدمة المدنية بشكاوى إليه تتعلق بتعرضهم لتنمّر عنصري.

وحاضراً، يطالب السيد كاي بادو الآن بأن تعمد "لجنة الإدارة العامة والشؤون الدستورية" Public Administration and Constitutional Affairs Committee التابعة لمجلس العموم البريطاني، إلى فتح تحقيق عن وضعية مكتب مجلس الوزراء.

وفي هذا الإطار، قال السيد كاي بادو "صحيح أنني حصلتُ على تسوية، لكنني فقدتُ مهنة، أليس كذلك؟ إن العمل أساساً في الخدمة المدنية لدى مكتب مجلس الوزراء، هو عملٌ لمدى الحياة، إلا أنه كان عليّ أن أغادر الوظيفة، في وقت ما زال الجناة موجودين هناك، يتنقّلون في أروقته".

ويتابع بادو، "إن مكتب مجلس الوزراء قد كلّفني حياتي إلى حدٍّ ما. والسؤال هو، لماذا ما زال مرتكبو التنمّر والعنصرية في مناصبهم ويتقاضون أموال دافعي الضرائب؟".

وختم كاي بادو بطرح تساؤلات أخرى، "كم هو عدد الأجيال التي يجب أن تمر على هذا النحو؟ لقد تعرّضت والدتي لسوء معاملة عنصرية في العمل. وأسيء إليّ عنصرياً في العمل. فهل عندما يكون لديّ أطفال، سيتعرّضون هم أيضاً للأذى العنصري في العمل؟ متى سيوضع حدٌّ لهذه الممارسات؟".

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 5 فبراير 2022

© The Independent

المزيد من دوليات