Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يجب منح النساء فرصة توجيه الدفة

الرجال يوجهون دفة العالم، على رغم أن الأبحاث أثبتت أكثر من مرة أن النساء هن أكثر التزاما بمعالجة المشكلات

 المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي (أ.ب)

لا أخفي عنكم أنني لا أعرف لماذا قد يرغب أي كان في رئاسة بلد حوَّل نفسه الى مهزلة تكر فصولها من اليوم إلى العقد المقبل. وجليّ أن ثمة من لا يوافقني الرأي.

 وسواء كانت وراء خطوتهم دوافع مازوشية (إيذاء النفس مصدر متعة) أو الهوس بالسلطة أو السذاجة أم لا، ترشح 11 شخصاً (في آخر مرة أحصيتهم) إلى رئاسة الحزب المحافظ في بريطانيا. ولا شك في أن ثمة آخرين يسعون الى الصدارة على أنقاض حزب المحافظين.  وفيما خلا حالنا المزرية، ما يجمع بين هؤلاء هو أنهم من البيض والذكور.

ولا أُغفل الفوضى التي خلفتها وراءها تيريزا ماي. فهي أمضت سنوات في تعميق شقاق سياسي نجم عن استفتاء الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، وقلما ما بادرت إلى ما يجعلني أتفاخر ببلدي. وسرعان ما سأخسر عملي إذا حسبتُ فعلاً أن فرض رجل غير أبيض، مهما كانت سنه، على كرسي الحكومة البريطانية، هو الحل أو ترياق ينقذنا من كل هذا الحطام في وقت نتخبط في شق طريقنا للخروج منه.

 وفي الأحوال كلها، الوقت مناسب للتذكير بأن الرجال هم غالباً، وليس دائماً، من يقودوننا إلى المتاعب، وأن النساء يساهمن في إخراجنا من الورطة.

 ففي 2017، خلصت دراسة أشرف عليها البروفيسور أويفند أل. مارتنسن، من كلية إدارة الاعمال النرويجية بي آي، وهي شملت حوالى 3 آلاف مدير، إلى أن النساء هن غالباً قياديات أفضل من الرجال. وسجلت الإناث معدلات أعلى من نظيرهن الذكور في أربع من مجمل خمسة معايير اعتمدها الأكاديميون الإسكندنافيون في تقييم الأداء، ومن ضمنها معيار المبادرة وحُسن التواصل، والانفتاح على الأفكار الجديدة والقدرة على التجديد والابتكار، والتواصل مع الآخرين ودعمهم، والتزام إدارة منهجية وتحديد الأهداف. ولم يتفوق الرجال على النساء إلا في مجال التعامل مع ضغوط العمل وإظهار الاستقرار العاطفي.

 وقال البروفيسور مارتنسن أن نتائج الدراسة "تحمل على التساؤل المشروع عن بنية تراتبية الإدارة وإقصاء النساء في الوقت الراهن عن هذه الأدوار". وليس أمراً مفاجئاً أنني أوافقه الرأي.

 ففي تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي الأخير بعنوان "الهوة الجندرية العالمية"، وهو شمل 149 بلداً، تولت 17 امرأة فحسب منصب رئاسي. واقتصرت نسبة الإناث في الوزارات على 18 في المئة فقط و24 في المئة من مجلس النواب، واقتصرت حصة النساء من المواقع الإدارية على 34 في المئة في كل الدول التي توفرت فيها بيانات.

ولا يزال الرجال يوجهون دفة العالم، على رغم أن الأبحاث أثبتت مراراً وتكراراً ان النساء هن أكثر التزاماً بمعالجة مشكلات إذا ما ذُللت تحسنت ظروف عيشنا.

واستناداً إلى وكالة اليونيسكو، تميل النساء في موقع القيادة إلى توزيع عادل للموارد. وتشير أبحاث وكالة الأمم المتحدة هذه إلى أن الهيئات التشريعية حين تشارك فيها أعداد أكبر من النساء تميل إلى ترجيح كفة الإنفاق على الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية على كفة الانفاق على وسائل الدفاع.  

وتوصلت ورقة بحثية شملت 103 دولة، ونشرتها المجلة الأوروبية للدراسات الاقتصادية المقارنة في 2010، إلى أن الدول التي حددت كوتا للنساء في هيئاتها التشريعية تنفق 3.4 نقطة مئوية أكثر على تأمين الرفاه الاجتماعي من الدول التي لا تحدد مثل هذه الكوتا.

 ولكن، واستناداً كذلك إلى اليونيسكو، "هيمنة الرجال المتواصلة على مناصب القرار تُقيّد نفوذ النساء وقدرتهن على التأثير في السياسة على المستويات الدولية والمركزية والمحلية، وكذلك على مستوى المدارس والجماعات".

 ويكاد لا يخفى أن المؤسسات التي تدمج النساء أكثر تسجل أداء مالياً أفضل. وتظهر دراسة أجرتها أخيراً منظمة "إي واي" أن الأرباح في المنظمات أو الشركات حيث تشغل النساء 30 في المئة من المناصب القيادية، زادت 6 في المئة. ولكن الأثر الذي تخلفه النساء أعمق.

 ففي 2004، وصف عالما النفس، ميشيل راين وأليكس هاسلام، ظاهرة سمياها "منحدر زجاجي"، ومفادها أن النساء في مواقع القيادة أبرع من الرجال في إدارة الازمات، بعد أن خلصت دراسة أعدها مؤشر فايننشال تايمز (فوتسي) 100، إلى أن الشركات تعين الإناث في مناصب القيادة حين تواجه أزمة. 

وقصص النجاح كثيرة. فيوهانا سيغورذاردوتير صارت أول رئيسة وزراء في إيسلندا في 2009 حين كانت البلاد تجبه تداعيات الازمة المالية العالمية الكارثية. ولا شك في أنها أفلحت في إبعادها عن حافة الهاوية، وأرست استقرار الاقتصاد في مدة زمنية قصيرة نسبياً. وإلى ذلك، كانت من أوائل القادة المثليين في العالم.

 وتسلمت آن مولكاهي، المديرة التنفيذية السابقة في كسيروك، الشركة هذه وهي تشارف على الإفلاس بموجب البند 11، ونجحت في عام واحد بتحقيق أرباح.

 وأوافق كذلك الرأي مع معلق صحيفة واشنطن بوست، روبرت جي سامويلسون، حين يرى أن الفضل لا يعود إلى دونالد ترمب، ولا حتى إلى باراك أوباما، في صلابة تعافي الاقتصاد الأميركي، بل إلى جانيت يلين، وهي شغلت منصب رئيسة مجلس الاحتياطي الفيديرالي بين 2014 و2018.

 ولا ننسى أنغيلا مركل. وسواء أحبها المرء أم كرهها، أنجزت ما يعتد به حين قادت ألمانيا في واحدة من أحلك المراحل في مرحلة ما بعد الحرب الثانية، ووجهت دفتها في الازمة المالية الدولية وأزمة ديون منطقة اليورو وأزمة المهاجرين واللاجئين. فهي ترفع لواء الإجماع الذي يستند إلى مبادئ وتحتكم إلى المنطق، ولعل أعظم قدراتها هو التوسل بالديبلوماسية وتأييد حقوق الانسان في أوقات الفوضى.

وتماماً مثل الرجال، في وسع النساء أن تكن عديمات الإحساس والفهم، وغير كفوءات وخائبات. ولكن في وسعهن كذلك أن تكن مفاوضات خبيرات وأن تبرعن في التواصل، وأن تلم إلماماً كبيراً بسبل إدارة الأزمة، والجمع بين التعاطف وقيادة حازمة لا تلين.  ومنذ آلاف السنين، حظي الرجال بفرصة إظهار براعتهم في منصب القيادة. وبعضهم أحرز النجاح، وبعض آخر لم يفعل. واليوم واجب علينا منح النساء الفرص نفسها على أقل تقدير. وقد يثبتن صواب النظرية القائلة بأنهن أكثر كفاءة.  

© The Independent

المزيد من آراء