Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرحلة الرمادية للتموضعات الإقليمية الجديدة تؤخر "فيينا"؟

التعاون العربي الإسرائيلي بوجه إيران يستعيد أفكاراً حول الأماكن المقدسة في فلسطين وصيغة دولية للجولان

التباين بين روسيا وإيران بات من ضمن حسابات المشهد الإقليمي (رويترز)

خلف المرحلة الضبابية التي أنتجها خلط الأوراق بفعل الحرب في أوكرانيا، وسعي القوى الإقليمية إلى التموضع من أجل حماية مصالحها في خضم هذه الحرب المتوقع أن تطول فصولها بين كر وفر، هناك محاولات من أجل تنظيم توافقات موضعية تتناول ترتيبات أمنية لمحاولة إنهاء التوترات العسكرية في الشرق الأوسط، واتفاقات اقتصادية تتعلق بالطاقة والنفط والغاز، والأمن الغذائي الذي أصيب بخلل كبير بسبب الحرب في قلب أوروبا.

التموضعات الإقليمية الجديدة التي تتطلب الترتيبات والتوافقات بين ما يسمى أحلاف جديدة في المنطقة، تحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتبلور، ما ينشئ مرحلة رمادية في علاقات الخصوم والحلفاء، في انتظار أن تثبت على معادلات صلبة ترسم خريطة مستقبل الشرق الأوسط الذي حكمته الهزات والحروب المدمرة في العقدين الأخيرين.

لم يعد خلاف الولايات المتحدة مع حلفائها في الشرق الأوسط، أي مع الدول العربية الفاعلة والخليجية وإسرائيل حول الموقف من الاتفاق المحتمل في فيينا وفي شأن احتمال رفع "الحرس الثوري الإيراني" من قائمة المنظمات الإرهابية وحده الذي يتحكم بالحراك الإقليمي المستجد بعد أن دخلت الحرب في أوكرانيا أسبوعها الخامس، بل إن التباين بين الحلفاء على الضفة الثانية، ولا سيما بين روسيا وإيران، بات من ضمن حسابات المشهد الإقليمي أيضاً.

موسكو وطهران وتأخير فيينا

فطهران لا تريد تفويت فرصة الاستعداد الأميركي لإنجاز اتفاق فيينا لرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية القاسية عنها، مقابل اتجاه الحليف الروسي إلى تأخيره لإبقاء طهران في موقع العداء الهجومي ضد الولايات المتحدة بعد تصاعد الصراع معها إثر الحرب في أوكرانيا. فموسكو تخشى تطبيع العلاقة الأميركية الإيرانية، وأن يؤدي إلى إضعاف ورقة إيران في صراعها مع الغرب.

تتعدد المعطيات حول الموقف الروسي من إنجاز اتفاق فيينا. فبعد أن رفعت موسكو مطلب الحصول على ضمانات بأن تعاملها التجاري مع إيران لن يتأثر بالعقوبات التي يفرضها الغرب ولا سيما الولايات المتحدة، في لحظة الإعلان عن قرب التوصل إلى اتفاق، تشير تقارير إعلامية ودبلوماسية إلى أن الجانب الروسي حصل على هذه الضمانات من واشنطن التي تريد قطع الطريق على عرقلته الاتفاق. لكن تقارير مضادة أشارت إلى أن موسكو لوحت بامتناعها عن تنفيذ الشق المتعلق بها في فيينا، والذي كان في أساس اتفاق عام 2015، والقاضي بنقل اليورانيوم المخصب فوق النسبة التي يحددها الاتفاق (أي النسبة التي تجاوزتها إيران بعد انسحاب إدارة دونالد ترمب من الاتفاق)، من إيران إلى روسيا كضامنة لتطبيق خطة الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني، كي تحتفظ به على أراضيها. وإذا صح هذا التلويح الروسي فإنه سيكون سبباً في تأخير التوقيع على الاتفاق.

رفع "الحرس" من لائحة الإرهاب بين مد وجزر

في الجهة المقابلة، ازدادت المؤشرات إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفرمل اندفاعها نحو التساهل مع طهران من أجل إنجاز مفاوضات فيينا، لأن المعارضة التي تواجهها في الكونغرس الأميركي تتصاعد حيث يتكثف هجوم معارضي تقديم التنازلات لطهران ومنها رفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب. وهو هجوم يوازي بأهميته المعارضة العربية الإسرائيلية لتراخي الفريق الأميركي المفاوض مع طهران.

وتشير معطيات الأوساط المتابعة لما يجري على هذا الصعيد، إلى أنه بالإضافة إلى اضطرار إدارة بايدن إلى إظهار تشددها حيال إيران بإصدارها في 30 مارس (آذار) مزيداً من العقوبات على مزودي برنامج إيران الصاروخي بالدعم والمعدات، فإن ما يجري تداوله في الكواليس الدبلوماسية هو أن المفاوضين الأميركيين المتحمسين لإنجاز اتفاق فيينا أخذوا تارة يتحدثون عن رفع العقوبات عن "الحرس الثوري" من دون "قوة القدس" التي هي القوة الضاربة والمسؤولة عن العمليات الخارجية للحرس، والتي تتولى دعم وتسليح وتنظيم أذرع إيران الخارجية، التي تزعزع استقرار المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. وتارة أخرى بأن رمادية المواقف اقتضت استخدام الحجة القائلة إن رفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب لن يؤدي تلقائياً إلى رفع العقوبات عنه، إلا في حال حصل تحول جوهري في ممارسات طهران في الإقليم.

شروط التهدئة الإقليمية والقناة السعودية الإيرانية

إزاء اشتراط واشنطن على طهران أن تبرهن عن اعتمادها نهج التهدئة ووقف تدخلاتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي، قبل أن ترفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب، سعت قيادة الحرس إلى تجنيب القيادة السياسية الإيرانية تقديم تنازلات في الإقليم، من طريق تسريب المعلومات عن أن قيادة الحرس أبلغت المفاوضين الإيرانيين بأنه إذا ما كانت المصلحة الإيرانية تقتضي توقيع الاتفاق من دون إزالة صفة الإرهاب عن الحرس فإنها لا تمانع التوقف عند هذا المطلب. وهذا يعني أن الأولوية عند قيادة الحرس هي إزالة العقوبات عن تجارة النفط والقطاعات التجارية، بالإفراج عن أرصدة طهران في الدول الغربية وأميركا. وهذا بحد ذاته مكسب يساعد في تمويل نشاطات الحرس الخارجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من ذلك، فإن معطيات المتابعين للتفاوض الأميركي الإيراني تقول إن الاشتراط الأميركي أن تظهر طهران تغييراً في سلوكها الإقليمي دفع الأخيرة إلى فتح قنوات تواصل خلفية مع المملكة العربية السعودية عبر سلطنة عمان، بالإضافة إلى القناة العلنية في العراق، حول حرب اليمن، بعد خطوات التصعيد التي نفذتها عبر الحوثيين بقصف المنشآت النفطية السعودية في جدة والمدنية في مناطق أخرى. وهذا التواصل يتزامن مع اجتماعات عقدها المبعوث الدولي إلى اليمن هانس غروندبرغ مع قيادة الحوثيين في العاصمة العمانية. ويشير هؤلاء إلى أن إعلان الحوثيين وقف القصف على المملكة لمدة ثلاثة أيام، الذي أعقبه إعلان تحالف دعم الشرعية اليمنية وقف عملياته العسكرية في اليمن لإتاحة المجال لعقد المشاورات اليمنية في الرياض. وهما خطوتان ترمزان إلى مساعي إحراز تقدم عبر القنوات الخلفية بين طهران والرياض، الأمر الذي سيخضع لاختبار حول جديته في الأيام المقبلة.

رمادية موقف إيران في مواجهة اجتماع النقب

الأجواء المذكورة أعلاه تخالف تلك التي سادت بأن طهران ترد على اجتماعات التحالفات العربية من شرم الشيخ إلى العقبة، والتعاون العربي - الإسرائيلي - الأميركي في النقب في إسرائيل، الهادفة إلى مواجهة التهديد الإيراني، من طريق القصف الحوثي للسعودية، وأن حتى العمليتين اللتين أعلن تنظيم "داعش" عنهما في الخضيرة وبئر السبع ضد مستوطنين يهود، تم تصنيف هويتهما على أنها إيرانية لأنهما لقيتا ترحيباً ومديحاً من التنظيمات الحليفة لطهران مثل "حزب الله" وبعض حلفائه. كما جرى تصنيف الإعلان في بيروت في 30 مارس، عن اجتماع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله مع الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زياد نخالة إذ جرى "التباحث في الأوضاع على الساحة الفلسطينية وتطور العمليات الجهادية داخل الأراضي المحتلة عام 48 والعمليات التي حصلت في الأيام الأخيرة"، في هذا السياق أيضاً.

وتذهب هذه القراءة لهوية العمليتين اللتين رفعتا حالة التأهب في إسرائيل، على أنها إيرانية، نحو تصنيف زيارتي وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الأمير عبد اللهيان إلى كل من سوريا ولبنان في سياق رد طهران على قيام أطر التعاون العربي - الإسرائيلي ضدها وفي مواجهة التراخي الأميركي معها، وأن "الحصة" الإيرانية من "داعش" نفذتهما.

لا تصعيد في سوريا واهتمام بانتخابات لبنان

إلا أن أوساطاً أخرى تعتقد بأن المرحلة الرمادية من التطورات في المنطقة اقتضت أن تستخدم طهران أدوات غير أدواتها التقليدية، لأنها تسعى في المقابل إلى الانسجام مع ما يطالبها به الجانب الأميركي من تهدئة عبر أذرعها التقليدية، في اليمن وفلسطين ولبنان، لمواكبة مرحلة ما بعد حرب أوكرانيا واتفاق فيينا. ويصنف أصحاب هذه القراءة زيارتي عبد اللهيان إلى دمشق وبيروت في هذا السياق. ففي سوريا لا خطط للتصعيد الإيراني خشية الردود الإسرائيلية العنيفة على وجودها هناك، في ظل انشغال ضابط الإيقاع الروسي بالمواجهة بين تل أبيب وطهران في بلاد الشام في حرب أوكرانيا، بل حرص على التنسيق مع القيادة السورية والاطلاع منها على مفاعيل الانفتاح العربي عليها. وفي لبنان سعي من طهران إلى ضمان الشراكة الفاعلة في السلطة عبر معركة "حزب الله" وحلفائه في الانتخابات النيابية للحصول على كتلة نيابية وازنة تبقي على نفوذه الراجح في القرار السياسي. وكان لافتاً أن عبد اللهيان نفسه تحدث في تصريحاته عن أهمية هذه الانتخابات كمحطة بارزة، بالإضافة إلى إطلاعه الحزب على جهود التهدئة الإقليمية في اليمن وسائر الميادين استجابة للشروط التي طرحتها واشنطن بالتهدئة الإقليمية إذا ما أرادت رفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب. فالحزب شريك ومتدخل بقوة في اليمن مع الحوثيين وفي سوريا...

أفكار لنزع ورقة فلسطين وسوريا من إيران؟

ولا تقتصر التقديرات حول رمادية توجهات إيران، على سلوكها مسارات خفض التوتر الإقليمي في اليمن، بل إن الأوساط التي تترقب انعكاسات التحولات الإقليمية والتموضعات الجديدة تشير إلى أن انفتاح دول عربية وخليجية على إسرائيل، في إطار السباق مع إيران على تحسين شروط وموقع كل فريق في المعادلات التي يمكن أن تنشأ من نتائج حرب أوكرانيا واتفاق فيينا، يشمل البحث في إحياء أفكار تتناول قضايا جوهرية عالقة في إطار الصراع العربي الإسرائيلي.

ولطالما تردد أن الانفتاح العربي على التعاون مع إسرائيل لإحداث توازن مع إيران يتطلب في الوقت نفسه وضع القضايا الخلافية على سكة الحلول، خصوصاً أن دولاً عربية في طليعتها السعودية والأردن تحرصان على ألا يتم الاتفاق مع تل أبيب من دون تحقيق تقدم في عملية السلام ينزع الورقة الفلسطينية من يد إيران.

والأفكار التي تردد أنها قيد البحث في هذا السياق تتناول الآتي:

في شأن القضية الفلسطينية: التمهيد لمفاوضات تقود إلى وضع القدس والأماكن المقدسة تحت إشراف دولي في مرحلة أولى تمهيداً لحسم الوضع النهائي. وقد أثار عدد من الوزراء العرب (مصر، المغرب...) الذين حضروا اجتماع النقب الحقوق الفلسطينية في هذا السياق. إلا أن شح المعلومات عما جرى تداوله في ذلك المجتمع لم يتح معرفة ما إذا كانت هذه الأفكار طرحت في شكل عملي أم لا.

بخصوص خيار السعي إلى جذب سوريا نحو الحاضنة العربية وتقليص ارتمائها في الحضن الإيراني، ترصد أوساط متابعة لاجتماع النقب إذا كان اقتراح وضع الجولان المحتل تحت وصاية دولية في مرحلة أولى تمهيداً للبت في وضعه النهائي في مفاوضات مباشرة، قد حصل على اهتمام في اجتماع النقب أم أن هذه الفكرة تطرح عبر قنوات أخرى. أما طلب الرئيس السوري من قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي زارها في 18 مارس رفع عقوبات قانون قيصر الأميركي على التعامل مع النظام السوري بقي التجاوب من الجانب الأميركي في شأنه مقتصراً على قبول التساهل في عدم تطبيقه في مناطق وجود المعارضة وتعامل النظام السوري معها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير