Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيمانويل ماكرون يعتمد على النزعة المحافظة للفوز بالرئاسة

يوصف بأنه رجل من اليمين ويتصدر السباق الانتخابي ويعتقد منافسوه ومحللون بأن ابتعاده عن الليبرالية أضفى شرعية على تطرف سياسي

قبل أسبوعين من بداية الانتخابات الرئاسية في فرنسا، يتقدم الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في الاستطلاعات، وتليه بفارق كبير المنافسة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في المرتبة الثانية، وطامحون يشملون جان لوك ميلانشون والشعبوي الترمبي إريك زيمور.

وإذا لم تقع أي حوادث غير متوقعة، من المرجح أن يتنافس السيد ماكرون والسيدة لوبان ضد بعضهما بعضاً في الجولة الثانية من التصويت، في تكرار لما حصل عام 2017. على السطح، على الأقل، تتلخص الحالة بعبارة plus ça change, plus c’est la même chose (كلما زاد تغير الأمور، بقيت الأمور على حالها).

لكن في الواقع، تغير السيد ماكرون والمشهد الأوسع للعمل السياسي الفرنسي في شكل كبير خلال خمس سنوات. قبل ذلك، قدم المصرفي السابق نفسه بوصفه دخيلاً ليبرالياً قادراً على زعزعة التقاليد السياسية المتحجرة ودفع إصلاح الأعمال إلى الأمام من أجل إنشاء بلد مشرق وحديث للشركات الناشئة.

وبحسب إيزابيل لو بريتون-فاليزان، المحاضرة في العلوم السياسية الفرنسية في جامعة السوربون، "في 2017، كان ماكرون يتمتع بالجرأة والادعاء، وعرض صورة عن كسر الوضع الراهن".

وفي حديثها إلى "اندبندنت"، أضافت لو بريتون- فاليزان، "كان خارج أحزاب اليسار واليمين التقليدية، وبدا كأنه يحتل مكاناً يتجاوز هذه الأحزاب".

وكمرشح، تحدث السيد ماكرون، الذي شغل سابقاً منصب وزير الاقتصاد في حكومة فرانسوا أولوند المنتمية إلى يسار الوسط، في شكل تقدمي عن مسائل خلافية على غرار دور الإسلام وتاريخ فرنسا الاستعماري، الذي لطالما كان موضع تجاهل من قبل الدولة. وبهذا اكتسب قدراً كبيراً من الدعم من يسار الوسط في البلاد.

لا يمكن التعرف على السيد ماكرون هذا اليوم.

ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الرجل البالغ من العمر 44 سنة عن سياساته المتوقعة في الولاية الثانية المحتملة خلال مناسبة ضخمة دامت ساعات أمام مئات الصحافيين.

ولم تكن هناك سياسات رائدة بين المقترحات التي تضمنت تخفيضات ضريبية بقيمة مليار يورو (12.5 مليار جنيه إسترليني)، وهدف "التشغيل الكامل للعمالة"، ومزيداً من الإنفاق على الدفاع والجيش.

وبدلاً من ذلك، كان ما حصل استمراراً لما بدأه، كإصلاح معاشات التقاعد، ودولة الضمان الاجتماعي، والنظام الضريبي، فضلاً عن تشديد الأمن والحملة الصارمة المستمرة ضد "النزعة الانفصالية" المرتبطة بالكتلة السكانية المسلمة الكبيرة في فرنسا.

وعلى الرغم من ذلك، يشبه كثير من مقترحات السيد ماكرون إلى حد كبير مقترحات فاليري بيكريس، مرشحة حزب الجمهوريين اليميني التقليدي، بما في ذلك رفع سن التقاعد القانوني إلى 65 سنة، وإلغاء ترخيص التلفزيون الوطني، وخفض ضريبة الإرث، وتضييق القدرة على الوصول إلى المزايا المخصصة للعاطلين عن العمل من أجل حث الناس على العودة إلى العمل.

وقالت السياسية في حزب الجمهوريين، آني جنيفار، "إنه ليس برنامجاً، إنه نهب [لأفكار حزبها]".

وكذلك لفتت آن هيدالغو، عمدة باريس والمرشحة عن الحزب الاشتراكي المنتمي إلى يسار الوسط، إلى أن سياسات السيد ماكرون لم تعد وسطية، بل باتت ببساطة "يمينية ويمينية"، وأن عليه أن "يدفع في مقابل حقوق الطبع والنشر إلى فاليري بيكريس".

وتعتقد السيدة بريتون-فاليزان أن السياسات الجديدة تشكّل تأكيداً لميل الرئيس أخيراً نحو اليمين منذ عام 2017. وبحسب رأيها، "بعد خمس سنوات بدأنا نفهم برنامجه الحقيقي. من الواضح أنه رجل من اليمين".

وأبلغت مصادر وكالة "رويترز" أن فصيل يسار الوسط داخل حزب الرئيس، "الجمهورية إلى الأمام"، قلق من أن يركز الناخبون على العناصر الأكثر محافظة في بيانه الانتخابي.

ويقول عديد من المحللين، إن السيد ماكرون تحول إلى اليمين بسبب البراغماتية المغرضة وليس تحت تأثير معتقدات أيديولوجية قوية، مترقباً نصراً أكثر وضوحاً في مواجهة المتطرفين من أقصى اليمين.

وفي ذلك الصدد، ذكر الأستاذ في السياسة الفرنسية والأوروبية في "كلية لندن الجامعية"، فيليب مارليير، إنه "في عهد ماكرون أصبحت فرنسا أكثر تفاوتاً على المستوى الاجتماعي. لذلك كان أكثر ارتياحاً في ما يتصل بمواضيع اليمين كالهوية الوطنية والتطرف الإسلامي، مقارنة مع وضعيته بشأن مواضيع اليسار كالصحة والتعليم والخدمات العامة".

ومع ذلك، وفر هذا النهج منبراً لأقصى اليمين كي يزدهر محلياً ويكتسب أهمية واسعة النطاق، وفق ما ذكره أوريليان موندون، الخبير في التعميم السياسي لأقصى اليمين الفرنسي في جامعة باث.

وبحسب موندون، "فإن أقصى اليمين يملي الأجندة. وأعتقد أن ذلك خدم ماكرون لأنه تموضع كحصن ضد أقصى اليمين. لكن النتيجة أن هؤلاء المتطرفين، إذ تبارى معهم على أرضيتهم، اكتسبوا شرعية".

تصل نسبتا التصويت لدى المرشحين اليمنيين السيدة لوبان والسيد زيمور إلى 20 في المئة و10 في المئة على التوالي، وهذا فارق كبير عن الـ28 في المئة التي يحظى بها السيد ماكرون، وفق آخر استطلاع للرأي أجرته، الإثنين، "كيا بارتنرز" لمصلحة صحيفة "ليزيكو" وإذاعة "راديو كلاسيك".

في المقابل، تبلغ نسبة التصويت لمصلحة "الحزب الاشتراكي" الذي أمسك بزمام السلطة حتى عام 2017، حوالى 2.5 في المئة مع السيدة هيدالغو، بينما بلغت نسبة التصويت للسيدة بيكريس من حزب الجمهوريين 11 في المئة. وكذلك اجتذب المرشح اليساري البارز السيد ميلانشون حوالى 100 ألف من المؤيدين لتنظيم حملة انتخابية في 20 مارس (آذار)، ومن المتوقع أن يحصل على 14 في المئة من الأصوات، ما لن يكون كافياً للمشاركة في الجولة الثانية.

وعلق السيد مارليير على تلك المعطيات، واعتبر أن "الأحزاب التي كانت مهيمنة، لم تعد مرئية. يشبه الأمر أن يكون حزبا العمال والمحافظين [في بريطانيا]، بعد جولة انتخابية واحدة، قد غرقا في النسيان. إنه تحول غير مسبوق".

ومن ناحية أخرى، تجنب السيد ماكرون المخاوف المحلية أثناء الفترة السابقة للانتخابات، اختار بدلاً من ذلك إبراز شخصية رجل دولة على الساحة العالمية منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ما تسبب في نشوء مخاوف في شأن المساءلة الديمقراطية.

إذ انتظر السيد ماكرون الذي رفض مناقشة مرشحين آخرين قبل الجولة الأولى، حتى اليوم الأخير لإعلان ترشحه، مستغلاً إلى أقصى حد دوره كرئيس، بما في ذلك سلسلة من الصور بالأبيض والأسود، لاقت كثيراً من السخرية وتميزت بالمزاجية، ظهر فيها غير حليق الذقن وبكمين ملفوفين إلى أعلى.

ووافق على المشاركة في برنامج تلفزيوني ضم ثمانية من المرشحين الرسميين الـ12 على قناة "تي أف 1"، مشترطاً عدم مشاركة المرشحين المسرح، وإجراء مقابلات مع كل منهم على حدة. وحتى في أول حملة قام بها السيد ماكرون في 8 مارس، ووُصِفت بأنها مناقشة "مفتوحة" مع الناخبين، تبين أن الأسئلة فُحِصت سلفاً.

وبحسب السيد مارليير، "فإن الفوز السهل متاح لماكرون في هذه المرحلة. ويتطلب عدم فوزه حادثاً كبيراً. في المقابل، من الممكن اعتبار هذا النصر نصراً في شكل افتراضي. نصر فارغ. وبمجرد انتخابه ستبدأ مشاكله".

وفي حين تعززت موافقة الشعب الفرنسي على السيد ماكرون أثناء النزاع في أوكرانيا، فقد تخرج المشاكل المتصاعدة في الداخل إلى العلن قريباً.

إذ ترتفع أسعار الأغذية والبنزين على نحو كبير، الأمر الذي أدى إلى إضرابات وطنية حول الأجور وحصار مستودعات الوقود. وهزت أسابيع من الاحتجاجات العنيفة جزيرة كورسيكا، وهي موطن قديم لحركة انفصالية قوية، في أعقاب دخول الزعيم القومي إيفان كولونا إلى المستشفى ثم وفاته، بعدما ضربه أحد النزلاء الجهاديين في سجنه، واندلاع احتجاجات حول فشل الدولة المتصور في حمايته. ومن ناحية أخرى، شكلت المحاولة السابقة التي بذلها السيد ماكرون لإدخال إصلاحات على معاشات التقاعد في فرنسا سبباً في خروج 120 ألف متظاهر إلى الشوارع في فبراير (شباط) 2020.

وأضاف السيد مارليير، "لم يكن ماكرون شخصاً على استعداد للتنبه إلى مسائل الناس الأسوأ حالاً في المجتمع. وجاء رده الأساسي على احتجاجات السترات الصفراء"، بنشر مزيد من قوات الشرطة في الشوارع. والآن أصبح العمل السياسي الفرنسي أكثر تقلباً. وقد يؤدي إلى وضع اجتماعي متفجر للغاية".

في المقابل، بينما يسعى السيد ماكرون إلى أن يصبح أول رئيس فرنسي يفوز بولاية ثانية في 20 سنة، هناك تشابه تاريخي أكثر إثارة للقلق يرجع إلى عام 2002. فقد شهد ذلك العام أعلى عدد في فرنسا على الإطلاق من "الأصوات البيضاء"، بمعنى الامتناع عن التصويت، حين أذهل مرشح أقصى اليمين جان ماري لوبان البلاد بوصوله إلى الجولة الثانية.

وتشير دراسة حديثة أجرتها "إيبسوس" إلى أن معدل الامتناع عن التصويت في هذه الانتخابات قد يكون أعلى فيلامس الـ35 في المئة.

وبحسب السيد موندون، "لم نتعلم أي دروس من 2017، على غرار ما فعلناه في 2002. ومن المرجح أن يفوز ماكرون، لكنها مقامرة ضخمة. وحتى مع ذلك، ما إمكانية تطبيع أفكار لوبان، وإلى حد ما، أفكار زيمور؟".

 

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 29 مارس 2022

© The Independent

المزيد من تقارير