Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكون الاتحاد الأوروبي بديلا لصندوق النقد الدولي في حل أزمة تونس؟

الكشف عن إمكانية تخصيص 4.4 مليار دولار لدعم استعادة النمو في البلاد

سعيد مستقبلاً فارهيلي في قصر قرطاج، الثلاثاء 29 مارس الحالي (صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك)

أبدى الاتحاد الأوروبي استعداده لتخصيص ما قيمته 4.4 مليار دولار لفائدة تونس، وفق ما أفصح عنه مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بالتوسع وسياسة الجوار، أوليفر فارهيلي إثر لقائه مع الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الثلاثاء 29 مارس (آذار) الحالي.

وقال "نحن مستعدون لتخصيص أربعة مليارات يورو، للاستثمارات واستعادة النمو الاقتصادي والتشغيل في تونس". وتحدث فارهيلي في قصر قرطاج، عن الأجندة الجديدة للبحر الأبيض المتوسط، ​​التي اقترحها الاتحاد الأوروبي منذ سنة، وتتضمن خطة اقتصادية واستثمارية مخصصة لتحفيز الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة على المدى البعيد.

ويُعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس، إذ يستحوذ العملاق الاقتصادي الأوروبي على نحو 75 في المئة من حجم المعاملات التجارية مع تونس وتنشط أكثر من 3200 مؤسسة أوروبية في تونس أساساً في مجال الصناعات والمعامل.

وترتبط تونس بالاتحاد الأوروبي من خلال علاقات سياسية تاريخية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي تعززت بتوقيع الشراكة بين الطرفين في عام 1995 لإنشاء منطقة تبادل تجاري.

وتمتعت تونس بتمويلات مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي في شكل برامج وآليات أشهرها برنامج التأهيل الصناعي والخدمات لتأهيل نسيجها الصناعي إعداداً للشركات التونسية لخوض غمار المنافسة مع الشركات الأوروبية.

مزيد من تحقيق التقارب بين الطرفين

وأفاد مفوض الاتحاد الأوروبي للتوسع وسياسة الجوار، بأن "هذه الرؤية الجديدة اقترحت سلسلة إجراءات ترمي إلى تحقيق التقارب بين ضفتَي المتوسط عبر تسهيل التبادل وتحفيز الاستثمارات في المستقبل وتعزيز الاقتصاد والمؤسسات في جنوب البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك تونس". وأضاف "نود تقديم أمور ملموسة يمكن أن تغير حياة الشعب التونسي"، مؤكداً أن تونس "تلعب دوراً رئيساً في إطار الأجندة الجديدة".
وتابع فارهلي، "بفضل الاقتصاد التونسي والأوروبي، المرتبطَين ارتباطاً وثيقاً، لدينا كل الإمكانات والقدرة على الرفع من مساهمتنا وتسريع التنمية في تونس على الصعيدَين الاجتماعي والاقتصادي".
وذكر فارهيلي في السياق ذاته أن خطة الاتحاد الأوروبي الجديدة ستركز على الطاقات المتجددة بالنسبة إلى تونس، وهي تهدف أيضاً إلى "تحقيق اقتصاد رقمي عالي الجودة وزيادة قدرة ارتباط البلاد وتوفير إمكانية لتطوير التبادل مع الاتحاد الأوروبي".

الاعتماد على أوروبا

وأكد المسؤول الأوروبي أن "تونس ستكون بالطبع قادرة على مواصلة الاعتماد على أوروبا التي ستظل دائماً موجودة إلى جانب تونس بمسائل ملموسة للغاية". وأضاف، "لقد خصصنا، كذلك، اعتمادات بقيمة 100 مليون يورو (110 ملايين دولار) لفائدة الإصلاحات المرتبطة بالأجندة التي يمكن أن تُصرَف مع نهاية شهر أبريل (نيسان) المقبل، كما أننا مستعدون، بحسب مدى تقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتخصيص دعم مالي للاقتصاد الكلي قدره 300 مليون يورو (331 مليون دولار)".

كما أعلن فارهيلي أن الاتحاد الاوروبي سيخصص 200 مليون يورو (221 مليون دولار) لمجابهة ارتفاع أسعار القمح والحبوب وزيوت الطهي، قائلاً إن "تونس ليست الوحيدة المستفيدة من هذه الاعتمادات، بل إن أوروبا قادرة على مساعدة منطقة المغرب والمشرق الكبرى" لمواجهة هذا الارتفاع.

انطلاقة جديدة

وقال فارهيلي إن الاتحاد الأوروبي مستعد للمساعدة على تحقيق الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي وإعطاء الاقتصاد التونسي انطلاقة جديدة، وفقاً للمخطط المعروض من قبل الحكومة ومساعدتها على إنجاز الإصلاحات وتحقيق النمو.
وبالنظر إلى الصعوبات المالية التي تواجه تونس حالياً، قال المفوض الأوروبي إنه طمأن رئيسة الحكومة نجلاء بودن بأن الاتحاد موجود لمساعدة حكومتها، عبر "دعم الميزانية وإنعاش المؤسسات"، مبيناً أن "تونس ستستفيد على المدى الطويل من تمويلات الاتحاد وشراكاته الدولية. كما يفكر الاتحاد الأوروبي في رفع مساهمته المباشرة في الاقتصاد التونسي وتعبئة كل الشركاء المتعاملين معه في هذا الاتجاه والعمل من أجل تطوير البنية التحتية والتكنولوجيات الرقمية والترابط مع أوروبا وضمان مستقبل أفضل للاقتصاد التونسي وللشباب".

فك العزلة السياسية

وتأتي زيارة المسؤول الأوروبي رفيع المستوى في فترة ارتفع فيها منسوب الانتقاد للرئيس التونسي من جانب معارضي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها منذ الصيف الماضي وتعليقه أعمال البرلمان وتفرده بكل السلطات، ويتهمونه بـ"عزل تونس إقليمياً ودولياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جرعة من الدعم المالي

ويرى مراقبون أن استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم تونس مالياً يشكل جرعة أوكسجين جديدة للبلاد التي تمر بضائقة مالية خانقة، في ظل تعثر الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية. ويعتبر هؤلاء أن مبلغ الـ4.4 مليار دولار المزمع أن يقدمه الاتحاد الأوروبي لتونس خلال السنوات المقبلة سيشكل دعماً مالياً لتمويل جانب من عجز الموازنة، لكنهم أجمعوا على أن لا بديل عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، من منطلق أن القرض المالي الذي ترغب تونس بالحصول عليه سيُخصص لتمويل الموازنة.

تحقيق شراكة جديدة

وقال الباحث الاقتصادي التونسي، معز الجودي إن "الاتحاد الأوروبي يرغب منذ فترة في تحقيق شراكات اقتصادية جديدة مع دول المغرب العربي ومن ضمنها تونس، عبر إسناد صفة الشريك المتقدم لتونس".

وأوضح أن "صفة الشريك المتقدم تخول تونس التمتع بحزمة من المساعدات المالية المهمة والولوج إلى برامج وآليات حصلت عليها تقريباً دول أوروبا الشرقية وساعدتها على تطوير اقتصادها ودعمت القطاع الخاص فيها". واعتبر الجودي أن "الدعم المالي الذي من المزمع تقديمه لن يعوض القرض الذي ترغب تونس بالحصول عليه من صندوق النقد الدولي"، مفسراً أن "الدعم المالي الأوروبي سيكون في شكل استثمارات ومشاريع لفائدة القطاع الخاص ودعم البحث العلمي ونقل المعرفة والتكنولوجيا بينما الدعم المالي من صندوق النقد الدولي سيُخصص لدعم موازنة الدولة التي بلغ فيها العجز مستويات قياسية".
في المقابل، حذر الجودي من أن "الدعم المالي الأوروبي سيكون مرتبطاً بتنازلات على تونس القيام بها، منها القبول باتفاق الشراكة المعمق والشامل الذي يخص بالأساس الفلاحة والخدمات (اليكا)".

ويلاقي اتفاق "اليكا" معارضة شديدة من المنظمات الوطنية والمجتمع المدني وعدد من الأحزاب، لاعتبار أنه سيضر بالنسيج الاقتصادي التونسي ويقضي على القطاع الفلاحي، الأمر الذي دفع بالسلطات التونسية إلى وقف التفاوض بشأنه.
من جانب آخر، رأى الجودي أن "حرص الاتحاد الأوروبي على دعم تونس يُراد به بعث رسائل سياسية إلى المسؤولين التونسيين من أجل حلحلة الأزمة السياسية التي أثرت بشكل جلي في وضعية الاقتصاد".

 صراع جيو سياسي واستراتيجي

في السياق، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية منجي بوغزالة إن "اهتمام الاتحاد الأوروبي بمنطقة المغرب العربي ومن ضمنها تونس ليس جديداً بل له جذور تاريخية، وتحركه رغبة العملاق الاقتصادي الأوروبي في كسب معركة جيو استراتيجية بدأت حدتها تتصاعد في السنوات الأخيرة". وأضاف أن "الاتحاد الأوروبي أضحى يخشى الصعود اللافت للصين في أفريقيا ويرغب في الحفاظ على دول المغرب العربي وشمال أفريقيا كدول موالية له، إذ تمثل جزءاً مهماً من حوض البحر الأبيض المتوسط. ولأجل ذلك تعددت مساعدة الاتحاد الأوروبي لهذه الدول، عبر إقرار جملة برامج وآليات، في مقدمتها تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري".
وتابع منجي بوغزالة تحليله بأن "التحولات الحاصلة في البحر الأسود من خلال الحرب الدائرة رحاها بين روسيا وأوكرانيا وارتداداتها الاقتصادية والاستثمارية ستُعجل العودة إلى دول شمال أفريقيا لجعلها قاعدة اقتصادية واستثمارية، لتشكل مصدراً بديلاً للغاز الروسي. وتبحث دول الاتحاد الأوروبي في هذه الفترة عن بدائل جديدة في مجال الطاقة، ضمن إطار عقوباتها الاقتصادية على روسيا، التي تشكل الرافد الأول بالغاز للقارة العجوز".

وتابع بوغزالة تفسيره قائلاً إن "دول المغرب العربي قد تمثل حلاً في مجال الطاقة للاتحاد الأوروبي لا سيما الغاز، ما جعل مسؤولي الاتحاد الأوروبي يوسعون في هذه الفترة تحركاتهم لاستمالة مستعمراتهم القديمة".