Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طعام السلوى... كيف تساعد مطاعم كييف الأوكرانيين على تخطي الحرب؟

المطاعم التي كانت يوماً تضجّ بالزبائن باتت تُستخدم لدعم السكان العالقين هناك بسبب الحرب كما يكتب كيم سينغوبتا من كييف في التقرير التالي

موظفة في مطعم شيموموكرا الفاخر توزع الطعام المجاني على المقيمين في كييف ممن يحتاجون إليه (غيتي)

تلقت فاليري سينكيفيتش مكالمة هاتفية عاجلة من أمها في خيرسون، التي قالت إن القوات الروسية قد فتحت النار على حشد من المتظاهرين احتجاجاً على احتلال المدينة، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح خطيرة.

أثار ذلك على الفور قلق سينكيفيتش على ابنها الذي كان نشطاً في التظاهرات اليومية التي تجابه القوات.

وتقول وهي تهز رأسها، "كان هذا ما ما كان شاغلي دائماً وأنا بعيدة عن الديار، التفكير بسلامته وسلامة باقي أفراد عائلتي... لقد كان الأمر مقلقاً جداً".

لكن على الأقل، ليس هناك مكان تلتمس فيه سينكيفيتش بعض السلوى في أوقات كهذه. وهي تتناول وجبة الغداء التي يقدمها "تسارسكي سيلو" مجاناً، وهو مطعم شهير في كييف، يشارك في برنامج يحرص على أن أحداً لن يتضور جوعاً في الوقت الذي تواجه فيه المدينة هجمات روسية يومية، وتصبح الإمدادات صعبة المنال، فيما يبقى عدد قليل جداً من المتاجر مفتوحاً.

وقالت: "إنه لأمر جيد للغاية أن يكون المرء مع أناس خدومين جداً [معطائين] في هذه الأوقات السيئة حقاً، إنني حقاً أقدر ذلك".

وتضيف: "ليس الطعام وحده هو موضع ترحيب، بل أيضاً أن يتسنى للمرء أن يكون مع آخرين ويشاركهم أفكاره، ومخاوفه، وهذا مهم للغاية". وكانت سينكيفيتش (52 عاماً)، قد وصلت إلى العاصمة الأوكرانية كي تعتني بابنتها. وأوضحت، "أنا قلقة بسبب ما يحصل هنا في كييف مع الهجمات الصاروخية، وأيضاً أشعر بالقلق بشأن خيرسون".

أما حليمة بافوميريوا (83 عاماً)، فهي الأخرى ممتنة أيضاً للرفقة، علاوة على حساء "البرش" borscht..

وقد انتقلت بافوميريوا هي وعائلتها إلى بروفاري، القريبة من كييف، حين بدأت الحرب، غير أن البلدة سرعان ما أصبحت ميدان معارك، ما أجبرها على العودة إلى العاصمة.

وتقول: "كان لدينا بيت صغير خارج بروفاري تماماً، واعتقدنا أننا سنكون هناك أكثر أماناً مما نحن هنا، لكن كان هناك إطلاق نار ودبابات وقصف من حولنا، وبات الوضع مخيفاً جداً. وعُدنا بأسرع ما يمكن". وتتابع، "لقد سمعت عن وجبات الغداء التي يجري تقديمها هنا، وأتيت، وقد جئت الآن مرة أخرى. إن من الجيد أن تقابل الناس، وتحاول أن تعيش حياة طبيعية".

راحت المرأتان تتجاذبان أطراف الحديث في أعقاب أكبر هجوم تعرضت له كييف، وقد وقع في الليلة السابقة، ما أدى إلى تسوية مركز تسوق مؤلف من عشرة طوابق بالأرض، وأوقع ثمانية قتلى، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا، نظراً إلى أن العشرات قد دُفنوا تحت الأنقاض.

ويُعد مطعم "تسارسكي سيلو" جزءاً من "جيش المعدة" الذي أنشأته صناعة الضيافة لتحضير الطعام وتوزيعه في الوقت الذي وضع الصراع فيه حداً لعمله المعتاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت فيكتوريا ليبيديفا، وهي مديرة إدارية في المطعم، إلى أن "هذا المكان كان عادةً مليئاً [بالرواد] قبل (كوفيد)، وأيضاً عندما بدأت الأمور بالانفتاح بعد (كوفيد). لم يأتِ إلينا الناس فقط من كييف وأنحاء أوكرانيا الأخرى، بل كان السياح يجيئون إلى هنا، وكذلك الوفود الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى توفير دروس بالإنجليزية للموظفين بسبب زبائننا الدوليين".

وزادت: "ومن ثم جاءت الحرب، وكان علينا أن نغلق أبوابنا، لكن لا يزال لدينا هنا بعض الموظفين، ونحن نقوم بإعداد مئات الوجبات في اليوم. بدأنا أولاً بالمستشفى العسكري، ثم انتقلنا إلى أولئك الذين كانوا في حاجة إلى الدعم".

وذكرت ليبيديفا أنه "بوسع الناس أن يأتوا ليأكلوا هنا، أو يمكن أن يوصل متطوعون الطعام إلى منازلهم. وتكون المحادثة حين يجيئون مختلفة للغاية عما كانت عليه قبل الحرب بطبيعة الحال، فكل واحد يشعر بالقلق بشأن ما يحدث، ويخشى على نفسه وعلى عائلته".

ولدى ليبيديفا (27 عاماً)، مخاوفها العائلية الخاصة بها. فهي غادرت دونيتسك، الواقعة في شرق البلاد، خلال الحروب الانفصالية في عام 2014. إلا أن والدتها قررت أن تبقى في المدينة التي تفيد تقارير بأنها قد هوجمت في إطار الصراع الراهن.

تقول ليبيديفا: "ليس لديّ إخوة أو أخوات، وأحاول أنا وأمي أن نبقى على اتصال قدر الإمكان. نشعر بالقلق بشأن بعضنا بعضاً، فهي ستكون قد سمعت بقصف مركز التسوق في كييف، وستكون قلقة، ولقد حاولت الوصول إليها مرات عدة، وسأحاول من جديد لاحقاً".

ولدى أوليكسي كاماردين أيضاً علاقات ومعارف في دونيتسك، فقد اعتاد أن يدير "بسانو"، وهو واحد من أفضل المطاعم في المدينة، لكنه غادر مع عائلته قبل سبع سنوات إلى كييف حين بدأ الصراع. لم يُفتح المطعم في دونيتسك من جديد على الإطلاق. إلا أن كاماردين أقام مطعماً آخر في العاصمة يحمل الاسم نفسه، ويقدم أطباق الطعام الإيطالي ذاتها التي فازت بجوائز، فأصبح المطعم ناحجاً ورائجاً.

وقد قدمت آخر وجبة في مطعم "باسانو" بعد ظهر اليوم السابق على بدء الغزو الروسي بعد نزوح العديد من الزبائن والموظفين سلفاً من المدينة. وبدأ كاماردين (34 عاماً)، وموظفو المطعم الذين ظلوا في المدينة، يعدون الطعام لمن يحتاجون إليه، ويشحنون يومياً 300 وجبة جاهزة [إلى من يأكلونها بعيداً].

ويشارك جميع الموظفين الباقين في العاصمة، بمن فيهم أنطون شتيبا طاهي فطائر الحلوى، الذي فاز بمسابقة ليصبح صانع الشوكولاتة لهذا العام في أوكرانيا، في توفير الوجبات، كما يفعل بعض الزبائن المنتظمين السابقين.

وإن بعض المطاعم المشاركة في البرنامج مثل "باسانو"، استمرت في دفع الأجور لموظفيها، كان الحصول على المكونات صعباً في البداية، بيد أنه صار أسهل، باعتبار أن موزعي الجملة الذين تنازلوا عن الرسوم، قد بدأوا في زيادة حجم الإمدادات.

وقد كلف إغلاق "باسانو"، ومطعم فرعي في كييف، كاماردين 100 ألف دولار (76 ألف جنيه استرليني) من حيث حجم المبيعات، ونحو 30 ألف دولار (22 ألف جنيه استرليني) من حيث الأرباح، في الـ24 يوماً الأخيرة. ويقول، "لكن بصراحة هذا ليس شيئاً نستطيع أن نقلق بسببه الآن... الشيء الأساسي هو أننا نتكاتف جميعاً في وقت بالغ الصعوبة، وكل واحد مستعد للمساعدة، وطالما كان باستطاعتنا أن نحصل على الإمدادات، فإننا سنقدم الطعام".

وتجري حالياً إعادة افتتاح منفذ "باسانو" الفرعي في مركز المدينة، وهو واحد من أوائل المطاعم السباقة إلى فتح أبوابها فيما بدأ عدد قليل من الأشخاص، بمن فيهم هؤلاء العاملون في قطاع الضيافة، يعودون إلى العاصمة.

وذكر كاماردين أن "مسؤولي المدينة كانوا يطلبون من أولئك الذين يستطيعون فتح أماكن عملهم أن يفعلوا ذلك، فهذا سيساعد الاقتصاد قليلاً، كما أنه سيكون مفيداً للناس كي يلتقوا مع بعضهم بعضاً... لا نعرف كم سيطول أمد هذه الحرب، لكنني أعتقد أن هناك رغبة في أوساط الناس بمحاولة العودة إلى شيء يقترب من الحياة العادية".

 

صوفيا دروموفا (20 عاماً)، وهي طالبة تقنيات الطعام، دأبت على الاستمتاع بتناول الطعام في "باسانو". وهي تساعد حالياً على تحضير الوجبات المجانية في المطبخ.

تقول دروموفا، إن "عائلتي قررت البقاء في هذه المدينة، فهي موطننا، ونحن باقون فيه. لا أريد أن أقضي كل وقتي في ملجأ... أريد أن أحاول المساعدة، ونظراً لطبيعة اهتماماتي فإن هذا المطبخ يبدو المكان الأفضل".

وتتراوح المطاعم المشاركة في البرنامج بين سلاسل من نوع "مجموعة لافاميغليا"، التي لديها 14 منفذاً كما تملك امتياز حانة "ميلك بار" وبين المطاعم الأصغر، بما فيها تلك التي تقدم المأكولات الأجنبية.

وقال ميخائيل بيلين، وهو شريك إداري في "لافاميغليا"، إن شركته تحصل على الإمدادات مجاناً، أو بسعر التكلفة، وتغطي النفقات الإضافية. ويضيف، "اعتقدنا أن الطعام قد ينفد من عندنا، لكن الإمدادات التي تصل إلينا حالياً تكفي لتلبية الطلبات وصنع منتجات احتياطية في حال وجود ندرة".

ولم يكن "ساثييا"، وهو مطعم هندي، يقدم الطعام المجاني فقط، بل كان يوفر الملجأ أيضاً. هكذا فإن العشرات من السكان المحليين، بمن فيهم عائلات لديها أطفال، وأشخاص متقدمون بالسن، وطلاب ومشردون كانوا يمكثون في مكان العمل هذا الكائن في القبو.

وقال مانيش ديف، صاحب هذا المطعم، في ذلك الوقت، "كان كل شيء على ما يرام، ثم بدأ القصف. كان ذلك مخيفاً بالنسبة للجميع. إن القبو فضاء آمن في حالة كهذه، وهو أيضاً فضاء كبير جداً، ولذا شعرت أن عليّ أن أقدم مساعدة. وسنواصل على هذا المنوال لأطول فترة ممكنة".

والآن، أغلق المطعم أبوابه. وذكر بعض سكان الحي أن ملاجئ أخرى قد أنشئت.

ويقول يوري خومينكو، "لكننا نفتقد الناس في المطعم، فقد كانوا لطيفين وودودين للغاية... ليس هناك العديد من المطاعم الهندية في كييف، ووجود أحدها في هذه المنطقة كان أمراً جيداً. ربما سيعيدون فتحه حين تنتهي الحرب وسنرحب بعودتهم حينها".

بدأت سفيتلانا وفيكتور ياتسينا في العمل لتوصيل الإمدادات إلى البيوت منذ بدأ الغزو الروسي، وذلك كمتطوعتين لدى المجلس البلدي لمدينة كييف. وكان إيهين، ابنهما البالغ من العمر 25 عاماً، قد قتل في معركة مطار دونيتسك في عام 2015، والتي شارك فيها كمتطوع في الجيش للدفاع عن الأرض الأوكرانية، مثلما قال لوالديه عند ذهابه إلى الحرب.

وتقول ياتسينا، "كانت الحرب مستمرة بالنسبة لنا شخصياً لثماني سنوات، غير أننا لم نعتقد على الإطلاق أنها ستصل إلى ما هي عليه حالياً، وبأننا سنحمل الطعام إلى الناس خلال الحرب في عاصمة بلادنا وتحت القصف".

وأضافت، "ما يحدث رهيب، لكن من الجيد للغاية أن نرى الجميع يساعدون بعضهم بعضاً، سنتجاوز هذه المحنة بهذا النوع من الوحدة، وأنا متأكدة من أننا سنفعل".

© The Independent

المزيد من متابعات