Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أدى "بريكست" إلى تراجع التجارة الخارجية لبريطانيا؟

هبوط حجم الصادرات بنسبة كبيرة رغم ارتفاع معدلات التبادل لأغلب دول العالم

أسوء أداء للصادرات البريطانية خلال الربع الأول من العام الحالي (غيتي)

تشهد التجارة البريطانية مع العالم أسوأ أداء بين الدول المتقدمة، وحتى بين دول العالم كافة، كما تظهر أرقام الربع الأول من هذا العام. وعلى عكس ما روّج المتحمسون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" منذ استفتاء عام 2016، وحتى بعد الخروج الرسمي مطلع العام الماضي 2021، فإن وجود بريطانيا خارج أوروبا اعتبر السبب الرئيس في هذا التراجع الشديد في التجارة الخارجية البريطانية.

وهبط حجم الصادرات البريطانية للخارج بنسبة 14 في المئة في فترة الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها عام 2020، أي قبل أزمة وباء كورونا، وقبل خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي، وذلك بحسب أرقام المكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية الذي ينشر دورياً مؤشر التجارة العالمية المعروف اختصاراً باسم "سي بي بي". وجاء التراجع الكبير في الصادرات البريطانية في الوقت الذي ارتفعت فيه الصادرات عالمياً بنسبة 8.2 في المئة في الفترة نفسها، أي الأشهر من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) 2022.

مؤشر الصادرات

وتتضمن تلك البيانات والأرقام ما يصدر رسمياً في بريطانيا من مكتب الإحصاء الوطني البريطاني من أرقام وبيانات التجارة الخارجية البريطانية. وتظهر نتائج المؤشر أن الصادرات البريطانية تراجعت بشدة أيضاً مقابل ارتفاع الصادرات من الدول المتقدمة التي شهدت ارتفاعاً بنسبة 5 في المئة في الربع الأول من هذا العام. ليس هذا فحسب، بل إن بريطانيا أصبحت أسوأ بلد في تراجع معدلات التجارة الخارجية من بين البلدان التي يشملها مؤشر "سي بي بي"، حيث يتراجع أداؤها على المدى الطويل، وأنها الدولة الوحيدة على المؤشر التي ظلت صادراتها أقل من معدلات الصادرات لأكثر من عقد من الزمن، أي أقل من معدلات عام 2010.

"بريكست" والتجارة

حاول وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، في بيان ميزانية الربيع أمام مجلس العموم "البرلمان البريطاني" يوم الأربعاء الإيحاء بأن "بريكست" مكّن بريطانيا من اتخاذ قراراتها السيادية فيما يتعلق بالاقتصاد بالشكل الذي يجعل وضعها أفضل، لكن تحليل ما قدمته الميزانية من دعم للأسر البريطانية في مقابل زيادة الضرائب وعدم تخفيف أعباء تكاليف المعيشة بالقدر الكافي جعل كثيراً من المحللين والاقتصاديين لا يقبلون بأن "بريكست" كان أفضل للبريطانيين.

ولعل أرقام التجارة الخارجية المتراجعة تعد مثالاً واضحاً على ذلك. يقول جوناثان بورتس، أستاذ الاقتصاد في "كنغز كوليدج" بلندن، في مقابلة مع "الفاينانشيال تايمز": "في الوقت الذي شهدت فيه أغلب الاقتصادات المتقدمة تعافياً قوياً في التجارة الخارجية، ظلت الصادرات البريطانية أقل من معدلاتها التي كانت قبل وباء كورونا".

معدلات النمو

أما مكتب مسؤولية الميزانية، الذي يُصدر تقريره بالتزامن مع بيان الميزانية لوزارة الخزانة، فأشار بوضوح إلى أن "بريكست" قد يكون هو السبب. وذكر التقرير الذي صدر الأربعاء أن التجارة الخارجية البريطانية "ظلت أقل بكثير من معدلات النمو الاقتصادي المحلي"، وأنها أيضاً "تخلفت كثيراً عن التعافي الواضح في معدلات التجارة العالمية، وهو ما يشير إلى أن (بريكست) ربما كان عاملاً أساسياً في ذلك". وبحسب تقديرات المكتب فإن التراجع في التجارة الخارجية يمكن أن يقلل من مستوى الإنتاجية الاقتصادية في بريطانيا بنسبة 4 في المئة على مدى 15 عاماً المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان المروجون لـ"بريكست"، وفي مقدمتهم حكومة حزب المحافظين الحالية برئاسة بوريس جونسون، يقولون دائماً إن "بريكست" سيجعل بريطانيا في وضع أفضل عبر إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع الشركاء حول العالم توفر ميزات أكبر للتجارة البريطانية من تلك التي كانت تتمتع بها وهي ضمن الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من إبرام بعض الاتفاقيات، والتوصل إلى مسودة اتفاقيات أخرى في الفترة الأخيرة، فإن ذلك لم ينعكس بشكل إيجابي على التجارة البريطانية، بل على العكس، تشهد تلك التجارة تراجعاً مطرداً زاد بعد "بريكست".

توقعات متشائمة

ويشير مكتب مسؤولية الميزانية في تقريره هذا الأسبوع إلى أنه "لن تكون أي من اتفاقيات التجارة الحرة الجديدة ولا التغييرات التي تمت حتى الآن في القواعد واللوائح المنظمة للأعمال كافية لتعديل توقعات المكتب بالنسبة لمستقبل التجارة الخارجية البريطانية". وخلص تقرير المكتب الحكومي إلى أن "بريكست" سيجعل إجمالي الصادرات والواردات البريطانية يهبط بنسبة 15 في المئة مقارنة مع معدلات التجارة لو ظلت بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال عضو لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" مايكل سوندرز، إن "(بريكست) قلل من مدى انفتاح الاقتصاد، بخاصة فيما يتعلق بالتجارة وانسياب العمالة"، وإن ذلك أضعف القدرة على تفادي الضغط على السعة الإنتاجية من خلال الواردات والهجرة.

ويتوقع الاقتصاديون والمحللون أن يستمر التراجع في مستويات التجارة البريطانية في المستقبل، بغض النظر عن اتفاقيات التجارة الحرة الجديدة والمنتظرة. وتنقل "الفاينانشيال تايمز" عن الاقتصادية في شركة "بانثيون ماكرو إيكونوميكس" غابريللا ديكنز قولها: "من المتوقع أن يستمر نمو الصادرات متراجعاً، وأن تستمر الصادرات البريطانية في الانعزال ببُطء عن سلاسل التوريد العالمية".

وعلى الرغم من عدم اعتراف الحكومة البريطانية بأن "بريكست" عامل أساسي في تراجع التجارة، وإلقاء اللوم على أزمة وباء كورونا والحرب في أوكرانيا حالياً، فإن التقديرات الرسمية لأداء الاقتصاد عموماً تشير إلى أن تعافي بريطاني من أزمة وباء كورونا ليس بالقدر الذي تشهده اقتصادات أخرى حول العالم. وفي تقريره هذا الأسبوع، أكد مكتب مسؤولية الميزانية، أن "هناك عدم يقين دائماً في توقع أداء الاقتصاد". وحسب تقديرات المكتب سينمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني هذا العام بنسبة 3.8 في المئة، في حين كانت التقديرات السابقة في بيان الميزانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن يحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 6 في المئة في 2022.