Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في فيلم "حدث في 2 طلعت حرب" لم يحدث شيء تقريبا

نام السيناريو 20 عاماً في الأدراج ألى أن اخرجه مجدي أحمد علي لمنصة "شاهد"

مشهد من فيلم "حدث في 2 طلعت حرب" (الخدمة الإعلامية)

انطلق العرض الشعبي لأحدث أفلام المخرج المصري مجدي أحمد علي "حدث في 2 طلعت حرب"، من خلال مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الحادية عشرة، وحصل على جائزة مؤسسة شباب الفنانين المستقلين (لمنظمة للمهرجان) كأفضل فيلم، ونوهت لجنة التحكيم بأداء الفنان سمير صبري ضيف شرف الفيلم، كأحسن ممثل. فقبل أيام حصلت منصة "شاهد VIP"على حقوق البث الرقمي للفيلم جماهيرياً، وهو ما أصبح في بعض الأحيان، سواء للمُخرج أو المنتج، بمثابة مخرج آمن من مخاطرة العرض في صالات السينما وانتظار الأرباح، وخصوصاً في ظل التكاليف الإنتاجية كما جاء في رد مخرج الفيلم في حديث إذاعي عن سبب اختياره للعرض الرقمي بدلاً من صالات السينما، "لتسديد ديون الإنتاج".

الفيلم هو أول سيناريو للكاتبة هانزادة فكري. عرضته على مجدي أحمد علي قبل عشرين عاماً، على الرغم من تصريحات سابقة للراحل رأفت الميهى الذي كان هو من سيقوم بإخراجه. الإنتاج لشركة "جراج" لنجل المخرج الممثل أحمد مجدي، الذي يشارك في بطولة الفيلم مع عبير صبري، شريف دسوقي، أحمد وفيق، والوجه الجديد المذيعة ياسمين الخطيب، مع ظهور مجاني (بلا أجر) لضيفي شرف وهما سمير صبري، محمود قابيل، ومدير التصوير الفنان محسن أحمد.

تنطلق الدراما من داخل العمارة المذكورة في العنوان التي تبدلت على مدار فترات العمل الطويلة من "35 قصر النيل" إلى "2 طلعت حرب" من دون أن يحدث ذلك فارقاً كبيراً في الحبكة الدرامية. فكلا العنوانين في منطقة وسط البلد، عدا ما يمثله اسم "طلعت حرب" كرمز من الرموز الداعمة للاقتصاد المصري الحديث، بالتالي لم يخل الفيلم على مدار الساعتين من مستويات مختلفة من الأبعاد الأيديولوجية والإحالات التاريخية بطريقة القص واللصق، فضلاً عن النمطية الشديدة في رسم الشخصيات. ومنها على سبيل المثال ارتباط التاريخ الناصري بالتآمر وقصة حب وتضحية وصدام مع الجهات الأمنية، واستخدام النماذج نفسها في عصر السادات، والانفتاح للتعبير عن الظرف المجتمعي آنذاك. وأيضاً مثال التحالف بين السلطة ورأس المال في حكم مبارك، وقد جسده المُخرج في رجل الأعمال المُسن والمرأة المتعطشة إلى المال والحب في الآن ذاته، وحتى ما بعد ثورة يناير (كانون الثاني). جاءت الشخصيات باهتة وكربونية ترصد الميدان من خلال عدسات محطات البث الموجه إلى جمهور "حزب الكنبة"، وهو ما يحيلنا إلى السينما الآمنة كالكتابة الآمنة تماماً، كما يؤكد المُخرج في الحديث السابق، حين تعرض لطريقة بعض المخرجين الجدد على كافة مستويات العمل، متطرقاً إلى عنصر التمثيل. يقول مجدي أحمد علي، "هناك طريقة أداء متفق عليها"، وقد حرص طاقم التمثيل بأكمله على اتباع هذه الطريقة، حتى المخضرمين منهم كسمير صبري على سبيل المثال.   

كولاج تأريخي

يتتبع السيناريو عبر أحداثه أربع بطولات، تمثل فترات مختلفة من الحراك السياسي والمجتمعي في مصر. تبدأ الدراما وتنتهي بين ثورتين يوليو "تموز" 52، و25 يناير. هناك الأحلام والآمال العريضة للحقبة الناصرية، حين يتورط الطبيب النفسي أحمد وفيق مع الجهات الأمنية لاعتراضه على شبه انتحار مسؤول سياسي يقوم بمعالجته. جاءت الوشاية بوفيق من أقرب أصدقائه، مما يمثل الصورة النمطية عن المناخ الناصري الذي اشتهر برذيلة التآمر والجاسوسية إلى جانب القبضة الأمنية، وهو ما يحدث لبطل القصة في النهاية.

حاول السيناريو اعتماد أصول تاريخية حقيقية لشخصيات الفيلم، فالمسؤول المهم في حكاية الطبيب وحادثة موته، تذكرنا بوقائع انتحار المشير عبد الحكيم عامر وما أثير حولها من إشاعات. أما شخصية سامي (سمير صبري) صاحب العمارة، فهي أصداء لبيير سيوفي، وهو ممثل وفنان تشكيلي وناشط سياسي مصري، كانت شقته في ميدان التحرير نقطة تجمع استراتيجية لثوار الميدان أثناء ثورة 25 يناير. وتم تقسيم الفيلم لأربعة تواريخ بعناوين مختلفة، القمر، الشمس، الدخان، التراب، ويقوم المخرج هنا بمغازلة صريحة لفن الرواية تيمناً بالكاتب يحي الطاهر عبدالله. وفي اختياره للتواريخ نجد أن تحديدها يفيد المعنى الضمني لحالة الرصد، القمر 1968 الحدث عقب النكسة، الشمس 1977 ذروة النصر في أكتوبر (تشرين الأول) 73، ونمو عصر "السداح مداح" كما أطلق عليه أحمد بهاء الدين.

في جانب آخر، استعان المخرج بعدد كبير من اللقطات الأرشيفية تنوعت بين خطابات رئاسية شهيرة وبعض البرامج والأغاني والأفلام، كما العديد من التوثيق لمشاهد تسجيلية لشوارع القاهرة وناسها القدامى. في كثير من الأحيان زادت الجرعة التسجيلية أكثر من اللازم مما ترتب عليها انقسام بصري، تسبب في صنع هوة بين مشاهد الفيلم ومقاطعه الأرشيفية. وهو ما يظهر بوضوح في جزء الـ"أبيض أسود" في مستهل الفيلم، الذي لم تخرج درجاته عن الرصاصي الشبحي والرمادي. و ساعد الديكور الضيق المساحة والملبس والأكسسوار في تعزيز تلك الصورة، بالاستعانة ببعض المنسوخات لأفيشات أفلام قديمة كمحاولة لاستحضار ملامح العصر.

في أحد المشاهد يتغير الأفيش بجوار باب العمارة لفيلم "بحب السيما 2004" للمخرج المتميز أسامة فوزي، وهو تاريخ القسم الثالث المعنون بـ "الدخان" نفسه. تعد إشارة أفيش فوزي من أجمل الإشارات الواردة في الفيلم، ففي حين يحتفي المخرج بأحد أسماء جيله من جهة، يتغزل في الفن السينمائي من جهة أخرى.

ثرثرة وسط البلد  

شهدت فترة التسعينيات ظهور ما يمكن أن نسميه سينما المثقف، لأسماء مثل رضوان الكاشف، أسامة فوزي، وبعض الأفلام لخيري بشارة وداود عبد السيد ورأفت الميهي أيضاً. قدمت هذه الموجة موضوعات ليست بعيدة عن المشاهد العادي تماماً، لكنها خاطبت فئة المثقفين على نحو خاص، من حيث طرح موضوعات فلسفية وإنسانية. واتخذت معظم هذه التجارب من وسط البلد مسرحاً لتصاعد المشاهد الدرامي، وبالطبع ثيمات شخصيات المكان من مثقفين وفنانين أو عاملين دائمين كنُدل الكافتريات أو ماسحي الأحذية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مدار العقود الثلاثة السابقة قدم مجدي أحمد علي مجموعة قليلة من الأفلام لم تتجاوز العشرة، حاولت المراوحة بين الخطاب الجماهيري وخطاب النخبة. استهلها ببداية قوية في فيلم "يا دنيا يا غرامي" 1996، والسيناريو المرهف للسيناريست المتميز محمد حلمي هلال. حول المخرج أفكار هلال لشخصيات من لحم ودم تسبح برهافة في عالم الأحلام والأمنيات، مازجاً بين الواقعي والسحري على مستوى الأحداث وتحريك الشخصيات المطحونة من دون أن يقع في فخ الميلودراما.

في "أسرار البنات" 2001 ولج مجدي أحمد علي، بمنتهى النعومة، عالم المراهقات الخفي، وتمكن في "عصافير النيل" 2010 من الإمساك بروح الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، ونقلها من عالم الورق إلى عالم الصورة، وهي من المرات القليلة في تاريخ السينما التي تنحاز الصورة للكتابة وليس للكاميرا. فقراء أصلان يمكنهم بسهولة سماع صوته أثناء سرد المشاهد حتى في استخدام صوت الراوي معلقاً على الأحداث.

في" 2 طلعت حرب"، تسيطر النوستالجيا على منظور الفيلم، كشكل آخر من النميمة المحلقة ب"هسهستها" في أجواء وسط البلد. لكن الواشي هنا هو التاريخ نفسه، بحيث يتكفل بنقل كل ما حدث للأجيال المقبلة. كما أن الوعي الشعبي بمفاهيمه (المغلوطة أحياناً) يدير دفة المسار الفكري للفيلم، صانعاً من تيمة جماعة الإخوان رفيقاً دائماً في الأحداث، بداية من عبد الناصر حين اجتمع بمرشد الجماعة وطلب منه تقنين ارتداء الحجاب على المرأة المصرية، ثم زيارة السادات التاريخية للقدس وصدامه الجديد معهم "أنا طلعت غلطان.. كان لازم أخليهم في مكانهم"، الأمر الذي اختلف تماماً في عهد مبارك سواء مع الإخوان أو مع غيرهم؛ فقد كان يعتنق مبدأً أكثر لا مبالاة "خليهم يتسلوا".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما