Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيلينسكي بين السلام والاستسلام

المواجهة الراهنة تحمل بين طياتها مقدمات نظام أمني جديد في أوروبا والعالم يراعي المصالح الروسية

بوادر كثيرة تقول بقرب التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين المتحاربين روسيا وأوكرانيا، في وقت تتأوه فيه القارة الأوروبية تحت وطأة تبعات ما وقعته من عقوبات ضد روسيا، انصياعاً لما خضعت له من إملاءات وضغوط أميركية.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخشى الإعلان صراحة عما يتعرض له من ضغوط داخلية من جانب القوى القومية المتطرفة، وخارجية من جانب الولايات المتحدة الأميركية، فإنه يبدو أقرب إلى الموافقة على كثير مما يطرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شروط كان تنفيذها حتى الأمس القريب في عداد المستحيلات.

وفي هذا الصدد، قال ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروس الذي لا يستبعد نهاية قريبة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إن "زيلينسكي إذا لم يوقع اتفاقاً مع موسكو فإنه سيكون مضطراً إلى التوقيع على صك الاستسلام"، وفي مقابلة مع قناة "تي بي أس" التلفزيونية اليابانية أكد لوكاشينكو قناعاته بأن "هذا الصراع سينتهي بالسلام في المستقبل القريب". وأضاف، "سأخبرك وللمرة الأولى بأهم شيء، روسيا تقترح على أوكرانيا، والرئيس بوتين يقترح على نظيره الأوكراني زيلينسكي، وأنا أعلم تماماً هذا، صيغة مقبولة تماماً من الاتفاق، واليوم لا يزال ممكناً أن تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق ويوقع بوتين وزيلينسكي هذا الاتفاق". وتابع، "إذا لم يوافق زيلينسكي على ذلك فصدقوني سيتعين عليه التوقيع على وثيقة استسلام في وقت قصير".

وعن احتمالات انزلاق بلاده إلى التدخل في هذه العملية العسكرية إلى جانب روسبا قال لوكاشينكو، "لا أحد يطلب منا المشاركة مباشرة في عمليات القوات الروسية، ولقد تحدثت عن هذا أخيراً، لن نتمكن من إضافة أي شيء إلى عملية روسيا هذه، لا شيء. لديهم ما يكفي من القوة البشرية والمعدات".

وكانت مصادر الرئاسة في بيلاروس كشفت عن فحوى ما دار من مناقشات خلال لقاء بوتين ولوكاشينكو في موسكو، وقالت إنهما تطرقا إلى "سير المفاوضات الروسية - الأوكرانية التي تستضيفها بيلاروس، إلى جانب الأوضاع في العالم والمنطقة مع التركيز على أوكرانيا". وخلصا إلى قناعة مشتركة تقول إنه "لو كانت لدى الجانب الأوكراني الرغبة لكان من الممكن حل النزاع في أي لحظة"، أما عن بنود الاتفاق المتوقع فأشارت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" إلى ما قاله رئيس الوفد الروسي في المحادثات مع أوكرانيا فلاديمير ميدينسكي من أن "كييف اقترحت إنشاء نسخة سويدية أو نمساوية في أوكرانيا لجعلها دولة محايدة منزوعة السلاح، ولكن مع جيش خاص بها". ونقلت الصحيفة عن مصادر الكرملين تأكيداته أن "هذا الخيار قيد المناقشة ويمكن اعتباره بمثابة حل وسط".

سيناريو أفغانستان

ومن مفردات التسوية المتوقعة، أشار الباحث السياسي المعروف ورئيس مركز الاتصالات الاستراتيجية دميتري أبزالوف إلى احتمال إنهاء النزاع العسكري بإبرام اتفاق سلام يشكل فيه الاعتراف بشبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ضمن حدودهما التاريخية أكثر من 70 في المئة من السيناريو الأساس".

وقال أبزالوف، "نحن الآن عند مفترق طرق بين سيناريو خفيف ممكن وسيناريو معتدل يتم وفقه التوصل إلى اتفاق سلام، لكن في الوقت نفسه ينبغي إدراك أن روسيا لن تكون قادرة على السيطرة على أوكرانيا بأكملها، بما في ذلك منطقة لفيف، ففي غرب أوكرانيا سيظل الوضع متوتراً من الناحية المجازية، وتبقى النار تحت الرماد".

وذلك يعني ضمناً كثيراً من الأخطار التي يمكن أن تعرقل عملية التسوية والتوصل إلى اتفاق، ومنها تعثر العملية العسكرية وعدم تحقيقها للنتائج المأمولة، لا سيما في غرب أوكرانيا معقل القوات المتطرفة.

وعلى النقيض من كثير من التوقعات حول جنوح النظام الأوكراني نحو "حتمية الاتفاق"، تحدث أبزالوف عن احتمالات الفشل في توصل الطرفين إلى الاتفاق المنشود، ومن هنا يصير من المتوقع أن تمضي القوات الروسية إلى مزيد من محاولات السيطرة على مزيد من المدن، وقطع الجزء الشرقي من أوكرانيا ووسطها وجنوبها وفتح ممر إلى ترانسنيستريا، أي ما وراء الدنيبر في مولدوفا، مما لا بد من أن يؤدي إلى ما وصفه بالجحيم الاقتصادي والمواجهة العسكرية.

ومضى المتخصص الروسي الشاب إلى القول بوجود "كثير من الأخطار، فكل شيء الآن من الاقتصاد والعلاقات الدولية إلى المجال الاجتماعي يتوقف على مدى فاعلية وسرعة حسم الوضع مع القوات الأوكرانية في منطقة كراماتورسك وماريوبول، فحسم هذه المسألة في أقصر وقت ممكن سيزيد بشكل كبير فاعلية عملية التفاوض، أما إذا استمرت المواجهة لفترة طويلة فسيكون كل شيء بلا معنى وسنحصل على أفغانستان ثانية".

ولعل مثل هذا الطرح يمكن أن يكون قريباً من آخر مماثل كشفت سفيتلانا ساموديلوفا عن بعض ملامحه على صفحات صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية، وعن الصيغة المفترضة لتسوية الوضع في أوكرانيا بقولها إن "مصير المفاوضات سيتحدد في ماريوبول وكراماتورسك"، ولعل ما يضفي على ذلك مزيداً من الحدة ما جرى تسريبه عن مكتب الرئيس زيلينسكي في شأن احتمال تبني العمليات الإرهابية ضمن الأساليب التي تطرحها كييف ضمن سبل مقاومة توغل القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية.

ونقلت المصادر الروسية عن الرئيس السابق لمكتب الرئيس أليكسي أريستوفيتش دعوته إلى تنظيم أعمال تخريبية في السكك الحديد، وبحسب أريستوفيتش فإن "حرب السكك الحديد" يجب أن تنقذ أوكرانيا أو على الأقل تبطئ وتيرة تقدم القوات الروسية، لأنها ستبطئ توريد الذخيرة وأنواع أخرى من الإمدادات للوحدات المتقدمة، ولم يكتف أريستوفيتش بدعوة جميع الوطنيين إلى تدمير القضبان في شرق أوكرانيا، بل دعا أيضاً إلى تنفيذ تفجيرات للسكك الحديدية في أراضي بيلاروس.

سيناريو واقعي

غير أن هناك ما يشير أيضاً إلى أن التسوية المتوقعة بين الجانبين الروسي والأوكراني يمكن أن تكون مقدماً لعلاقات نوعية جديدة بين روسيا والدول الغربية، وفي هذا الصدد، كشف غيفورغ ميرزايان في "إكسبرت رو" عن احتمالات "سيناريو واقعي" آخر لتطور العلاقات بين روسيا والغرب بعد "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

وسرد ميرزايان مفردات ما يتوقعه من هذا "السيناريو الواقعي" بقوله إن "الأحداث في أوكرانيا دمرت الصيغة السابقة للتفاعل بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، بما يعني ضمناً ضرورة بناء صيغة جديدة".

وأشار المعلق السياسي الروسي إلى ما تناولته وزارة الخارجية الروسية في معرض رؤيتها كيفية إعادة بناء علاقات جديدة انطلاقاً من "حقيقة أن الأحداث الجارية ستقود روسيا إلى مستوى جديد من العلاقات مع كل من الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، بل مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده"، بحسب ما نقلته وكالة "ريا نوفوستي" عن مدير الإدارة الأوروبية الثالثة في وزارة الخارجية أوليغ تيابكين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن الشكل المتوقع لهذه العلاقات فمن الممكن أن يكون في إطار "اعتراف طويل الأمد بالواقع الجديد الذي سينبثق عن الانتصار الروسي في أوكرانيا، ومن واقع أن الأدوات الحالية للحفاظ على النظام العالمي الأميركي، بما يعتمده من عقوبات وسيطرة على المؤسسات المالية لم تعد تعمل كأداة، بفضل الدول ذات السيادة التواقة إلى الحرية التي لم تعد تطيق قواعد اللعبة التي تفرضها واشنطن"، لكن ذلك يظل أمراً بعيد المنال في المنظور القريب على خلفية بقاء كثير من مخلفات عالم القطب الواحد التي تجلت ملامحها في "الخضوع كامل العدد" من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي لسطوة الولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة،

ومع ذلك فإنه من الممكن توقع جنوح الولايات المتحدة ومن معها من حلفاء القارة العجوز إلى قبول الأمر الواقع الذي تكاد روسيا أن تكون قريبة من فرضه، من خلال ما تحققه من انتصارات عسكرية في أوكرانيا.

وفي هذا الصدد قال ميرزويان إن "السيناريو الواقعي يعني أننا أمام فترة طويلة من المواجهة، وبعدها (ربما من خلال تغيير النخب في واشنطن عام 2024) سيتصالح الأميركيون والعالم القديم مع مقتضيات الواقع الجديد، ومن ثم فإن نوعية العلاقات الجديدة ستعني إجراء مفاوضات طبيعية وبناءة في شأن نظام أمني جديد في أوروبا والعالم، مما يعني بالتأكيد مراعاة المصالح الروسية".

الصين وحلف "الناتو"

وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أوجز الأسباب التي تستوجب ظهور مثل هذا النظام الأمني الجديد، إذ قال إن "الأزمة الأوكرانية نجمت عن أسلوب ملاحقة الغرب لموسكو عندما أدرك أنها لن تكون مطيعة"، فضلاً عن أن "الدول الغربية أكدت عدم موثوقيتها بما اتخذته من عقوبات ضد روسيا سواء كجزء من العالم حيث يتم إنشاء العملات الاحتياط الرئيسة، أو كشركاء في الاقتصاد أو كدول حيث يمكنك تخزين الذهب واحتياطات النقد الأجنبي".

وإذ وصف وزير الخارجية الروسية سلوك هذه البلدان بـ "أنهم يسرقون فقط"، توقف في هذا الصدد عند الجهود التي تبذلها موسكو من أجل تعزيز التعاون مع الدول الأخرى، بما في ذلك الصين التي تواصل الولايات المتحدة جهودها من أجل فك ارتباطاتها مع روسيا على الصعد كلها.

وعلى الرغم مما يبدو من إشارات تقول بالحرص الزائد لدى الصين على عدم الانزلاق إلى خطوات في اتجاه مزيد من التعاون والتحالف مع روسيا يمكن أن تضعها تحت "سيف العقوبات"، فإن ما قاله الرئيس الصيني شي جينبينغ يؤكد عقلانية السياسات ومنطقية الخطوات، وذلك ما أشار إليه نائب وزير الخارجية الصينية يوي تشنغ في معرض استشهاده بدعوة الرئيس شي خلال محادثاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأطراف في أوكرانيا إلى إظهار "الإرادة السياسية والحرص على استمرار الحوار والمفاوضات"، لافتاً إلى أنه "يجب على الولايات المتحدة وحلف الناتو إجراء حوار مع روسيا لمعالجة جوهر الأزمة الأوكرانية، وتخفيف المخاوف الأمنية لكل من روسيا وأوكرانيا".

وكان الدبلوماسي الصيني يوي تشنغ انتقد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، مؤكداً أن السبب الجذري للأزمة في أوكرانيا "يكمن في عقلية الحرب الباردة وسياسة القوة" لدى الغرب.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عنه تحذيراته من أن "الناتو في حال توسعه أكثر فإنه سيقترب من ضواحي موسكو، حيث يمكن لصاروخ أن يضرب الكرملين في غضون سبع أو ثماني دقائق"، على حد تعبيره.

ومضى المسؤول الصيني إلى تأكيد أن "محاصرة دولة كبرى، لا سيما قوة نووية مثل روسيا في زاوية، ستترتب عليه تداعيات مروعة للغاية لا يمكن التفكير فيها".

وفي تلميح يكاد يرقي إلى حد التصريح، حذر نائب وزير الخارجية الصينية من مغبة توسع الـ "ناتو" وما تضمره الولايات المتحدة لبلاده في المستقبل القريب من مخططات. وقال إن "حلف الـ (ناتو) كان يجب أن يتفكك ويدرج في التاريخ جنباً إلى جنب مع (حلف وارسو)، لكن بدلاً من التفكك واصل تعزيز قواته وتوسعه وتدخل عسكرياً في دول مثل يوغوسلافيا والعراق وسوريا وأفغانستان، ويمكن للمرء أن يتوقع العواقب الناجمة عن السير على هذا الطريق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير