Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثر خطاب زيلينسكي أمام الكونغرس على الأميركيين؟

أسلحة جديدة لدعم أوكرانيا وخلافات مستمرة حول فرض حظر جوي

على مدى 16 دقيقة وفي خطاب مفعم بالمشاعر، انتقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلماته بدقة أمام الكونغرس والشعب الأميركي لإحداث الأثر المطلوب، فاستشهد بالهجومين الوحيدين على الأراضي الأميركية وهما قصف "بيرل هاربور" وهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، كما اقتبس كلمة "لدي حلم" لمارتن لوثر كينغ ليحولها إلى "لدي حاجة"، ثم شغل مقطع فيديو مؤلماً للضحايا والمصابين داخل أوكرانيا نتيجة الهجوم الروسي، ليصل في النهاية إلى مبتغاه، فهل نجح زيلينسكي في تحقيق غايته؟

تحدي بايدن

كان واضحاً خلال خطابه الحماسي عبر الفيديو أمام الكونغرس، حيث أعلى درجات التكريم التي يحظى بها قادة الدول الأجنبية، أن الرئيس زيلينسكي يتحدى سياسات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وضمير الكونغرس، بصور تظهر الدمار والعنف وتعكس معاناة بلاده في مواجهة القصف الروسي، بعدما فشل خلال الأيام الماضية في تأمين الدعم الذي طلبه والأكثر إلحاحاً وهو إنشاء منطقة حظر طيران يفرضها حلف شمال الأطلسي (الناتو) فوق أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن زيلينسكي كرر دعوته لفرض منطقة حظر جوي، والتي رفضها بايدن وقادة غربيون آخرون، باعتبارها ترقى إلى بدء حرب عالمية، فإنه سرعان ما انتقل إلى طلبات محددة أخرى حظيت بدعم أوسع في واشنطن من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وشملت نقل أنظمة الصواريخ أرض- جو إلى أوكرانيا، وزيادة القيود على التجارة الروسية، وفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة وعقوبات أخرى على القادة السياسيين الروس.

لكن كي تكون طلباته أكثر تأثيراً، استخدم زيلينسكي فيديو مؤثراً مدته دقيقتان افتتح بمشاهد هادئة للحياة الأوكرانية قبل الحرب، ثم تلته مشاهد عنيفة للقصف الروسي وعواقبه، وتخللت الفيديو موسيقى وترية حزينة، تزامنت مع عرض صور آباء يبكون وهم يقبلون أطفالهم، والصغار يجهشون في البكاء، والجرحى الأوكرانيين في أسرة المستشفيات، وأغطية ملطخة بالدماء فوق الجثث، فضلاً عن دفن قتلى في مقابر جماعية، لينتهي الفيديو بتعليق من كلمات تقول "هذه جريمة قتل، أغلقوا السماء فوق أوكرانيا" وهو ما يلخص طلب زيلينسكي الأساسي بفرض حظر جوي على أوكرانيا، مؤكداً أن بلاده تقاتل من أجل قيم أوروبا والعالم، في تحد واضح لنهج الرئيس بايدن غير التدخلي ضد قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الكونغرس حليف قوي

بينما لم يخف زيلينسكي طلب المساعدة من زعماء العالم خلال الأسابيع الأخيرة، فإن مسؤولي إدارة بايدن كانوا لا يزالون حذرين قبل هذا الخطاب ويستعدون لذلك؛ لأنهم يدركون أنهم كانوا خجولين جداً بشأن تعزيز الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، "خصوصاً وأن زيلينسكي يعرف أن الكونغرس حليف قوي يمكن أن يساعد في الضغط على إدارة بايدن"، وفقاً لتعبير جون هيربست، سفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا.

ويعتقد باري بافيل، مدير "مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن"، أنه "عندما يقترن خطاب زيلينسكي ببلاغته، واستخدامه الصور القوية لمعاناة أوكرانيا، فإنه يلعب على وتر حساس قوي ويثير عواطف أعضاء الكونغرس بطريقة لا تفعلها أوراق السياسة والخطب المملة، ولهذا فإن ضغط الكونغرس سيتزايد على الأرجح خلال الأيام المقبلة على إدارة بايدن".

عقوبات مستمرة

وعلى الرغم من أن السيناتور الديمقراطي كريس مورفي حذر من محاولة الكونغرس التدخل في التفاصيل الدقيقة للإدارة، توقع أن "خطاب زيلينسكي سيدفع المشرعين إلى البحث عن طرق إضافية لنزع فتيل الهجوم الروسي بما في ذلك معاقبة كل فرد روسي على وجه الكوكب"، متوقعاً المزيد من العقوبات في المستقبل. وهو ما يتفق عليه الجمهوريون والديمقراطيون، فقد حض السيناتور الجمهوري روب بورتمان، الإدارة على توسيع نطاق البنوك المعزولة عن نظام "سويفت"، وهو نظام اتصالات داخلي تستخدمه البنوك لإنهاء المعاملات، وتوعد الروس بالمزيد من معاقبة الأفراد، وتسجيل القادة الروس ضمن قوائم مجرمي الحرب.

ولمزيد من الضغوط، عمل المشرعون في الكونغرس على اتفاق منفصل لإنهاء العلاقات التجارية الطبيعية رسمياً مع روسيا، بعد أن أيد بايدن الفكرة، الجمعة الماضية، إلا أن مشروع القانون توقف بسبب خلافات بين البيت الأبيض والكونغرس حول من سيكون له سلطة استعادة العلاقات الطبيعية بين واشنطن وموسكو في المستقبل، ومع ذلك يتوقع القادة الديمقراطيون حلاً سريعاً لهذا الخلاف.

خلاف الطائرات والحظر الجوي

وقبل أن يعلن بايدن عن مزيد من الدعم لأوكرانيا، دفع الجمهوريون لإيصال الطائرات المقاتلة "ميغ 29" إلى أوكرانيا، حيث اعتبر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي أن بايدن وحده يرفض نقل الطائرات، ويمنع بمفرده الأوكرانيين من إنشاء منطقة حظر طيران خاصة بهم. كما وزع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، مسودة قرار غير ملزم بعد وقت قصير من خطاب زيلينسكي لحث إدارة بايدن على دعم نقل الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي لأوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، يحذر الخبراء العسكريون من أن طائرات "ميغ 29" عفا عليها الزمن، وأن تزويد أوكرانيا بها لن يكون غير فعال في توفير غطاء جوي فحسب، بل سيجبر أيضاً الطيارين الأوكرانيين على القيام بمهمات انتحارية، وهو ما أكده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب آدم سميث الذي قال، إن طائرة "ميغ 29" لن تدوم ثانية واحدة في المجال الجوي الأوكراني في الوقت الحالي، وإنه من الأفضل دعم أوكرانيا بطائرات درون، أو بالمزيد من صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات أو صواريخ أرض- جو التي ثبت أنها أكثر فاعلية بالنسبة للأوكرانيين.

ويؤيد هذا التوجه بعض الخبراء العسكريين مثل تايسون ويتزل، الضابط السابق في سلاح الجو الأميركي والخبير الأمني في المجلس الأطلسي والذي اعتبر أن أنظمة صواريخ أرض- جو أس 300 والأسلحة المحمولة على الكتف والطائرات المسيرة المسلحة هي أكثر فاعلية بكثير من الضغط لإنشاء مناطق حظر طيران أو نقل طائرات مقاتلة "ميغ 29" إلى أوكرانيا.

لكن جون هيربست، يرى أن "الحديث عن مناطق حظر الطيران لأغراض إنسانية والذي اقترحه الرئيس الأوكراني، يعد أكثر احتمالية مما قد يعتقده كثيرون، طالما أنه جسر جوي إنساني معلن بوضوح ولا يتضمن إخراج الدفاعات الجوية للعدو، فضلاً عن أن العبء سيعود على الكرملين إذا بدأ الأعمال العدائية مهدداً العمليات الإنسانية".

وفي حين أن البيت الأبيض والشعب الأميركي قد لا يكونان مستعدين لهذا المستوى من العمل في الوقت الحالي، فإن أسبوعين آخرين من السلوك الروسي السيئ، بحسبما يقول هيربست، قد يغير من هذا الموقف.

تحرك حذر من بايدن

غير أن بايدن الذي استبعد فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا وأوقف مؤقتاً خطط نقل طائرات مقاتلة من الحقبة السوفياتية إليها، استشهد بمخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، ومع ذلك وصف خطاب زيلينسكي بأنه "مقنع ومهم"، من دون أن يقدم أي إشارة إلى أنه غير وجهات نظره بشأن هاتين القضيتين.

ومع ذلك، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيواصلون المسار، ويفعلون كل ما في وسعهم لإنهاء هذه الحرب المأساوية غير الضرورية، ولهذا وقع أمراً رئاسياً يقضي بنقل 800 مليون دولار إضافية من العتاد من الترسانات الأميركية إلى أوكرانيا، بما يسمح بتوفير 800 صاروخ مضاد للطائرات الروسية، و9 آلاف صاروخ مضاد للدروع للمساعدة في تدمير الدبابات والعربات المدرعة الروسية، و7 آلاف قطعة سلاح صغيرة مثل الرشاشات والبنادق، وما مجموعه 20 مليون طلقة ذخيرة من بينها قذائف مدفعية وهاون.

أسلحة جيدة

غير أن ما ترسله الولايات المتحدة هذه المرة يشكل تطوراً جديداً يختلف عن شحنات السابقة كونها تشمل 100 طائرة درون من طراز "سويتش بليد" وهي عبارة عن طائرة صغيرة وخفيفة من دون طيار يمكنها التحليق في الهواء لمدة تصل إلى 30 دقيقة قبل أن يتم توجيهها إلى هدفها من قبل قائد على الأرض على بعد عشرات الأميال، وتُطلق الطائرة من أنبوب، مثل قذيفة هاون، ويسمح نظام تحديد المواقع "جي بي أس" بتوجيه الطائرة في نفس التوقيت حتى لحظة تحطمها وانفجارها في الهدف.

وأُرسل هذا السلاح لأول مرة في أفغانستان من قبل قوات العمليات الخاصة الأميركية، وسرعان ما أدركت قوات الجيش ومشاة البحرية، ميزاتها القيمة في ضوء دقة استهدافها بما يساعد على إحباط الكمائن أو تدمير المركبات.

وأشار خبراء أميركيون إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها لإرسال أنظمة صواريخ أرض- جو من نوع "أس 300" روسية الصنع إلى أوكرانيا، ما يتطلب تدريباً ضئيلاً أو معدوماً على كيفية تشغيل هذه المعدات المضادة للطائرات من الحقبة السوفياتية والتي يعلم الأوكرانيون كيفية تشغيلها، فضلاً عن إمكانية تأمين أسلحة طلبتها أوكرانيا مثل الصواريخ المضادة للسفن، وقدرات الحرب الإلكترونية، ومعدات تشويش الاتصالات والملاحة عبر الأقمار الصناعية.

تفكير أشمل

ويأمل باحثون سياسيون أن يؤدي الجدل الدائر حول كيفية مساعدة أوكرانيا إلى دفع صناع القرار في الولايات المتحدة إلى التفكير بشكل أكثر شمولاً واتساعاً حول الطرق التعاونية للاستجابة للتحديات الجيوسياسية العالمية بما في ذلك احتمال إنشاء تحالف من الدول التي تعمل على صنع السلام تماماً مثلما أنتج صانعو السياسة أفكارهم اللامعة حول إنشاء الأمم المتحدة، خلال المراحل المضطربة من الحرب العالمية الثانية، لكن الشيء الأكثر إلحاحاً بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هو ضمان ألا تخسر أوكرانيا هذه المعركة.

المزيد من متابعات