Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكتفي بوتين بـ"تحرير الدونباس" لإنهاء الحرب؟

يعتبر قادة روس أن بلادهم تحدد مصيرها الآن ولا مجال للتراجع عن مطالبها الأمنية

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تصريحات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وما كشف فيه عن مخططات بلاده، كان وراء تحديد موعد بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وأكد الرئيس الروسي ما سبق وأشرنا إليه في مستهل تغطية "اندبندنت عربية" من موسكو لمفردات "العملية العسكرية الروسية" حول أن ما قاله زيلينسكي في خطابه في مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ حول نيات أوكرانيا الخروج من "معاهدة بودابست" واستعادة وضعيتها النووية، كان المبرر الرئيس لاتخاذ بوتين "قرار الحرب"، وهو الذي لطالما أكد نيته عدم الدخول إلى الأراضي الأوكرانية.
ذلك هو ما أسهب بوتين في الكشف عن تفاصيله خلال اجتماعه الأخير مع حكومته، مؤكداً أنه "لو اقتصرت العملية الروسية في أوكرانيا على تحرير دونباس لما خدمت إحلال السلام". وقال بوتين "إن تصريحات الحكومة الأوكرانية عن نيتها خلق ترسانة نووية كانت تشكل خطراً حقيقياً وجودياً على روسيا"، ومضى بوتين ليشير إلى أن ما وصفه بالنظام النازي في كييف "كان بوسعه وبدعم تقني من الخارج الحصول في المستقبل المنظور على أسلحة دمار شامل، وكانت روسيا هدفاً له بطبيعة الحال"، فضلاً عن إشارته إلى "عشرات الاختبارات التي أجريت في أوكرانيا برعاية وتمويل الـ (بنتاغون) لتطوير برامج بيولوجية عسكرية، بما يشمل تجارب باستخدام عينات فيروسية فتاكة، منها كورونا والجمرة الخبيثة والكوليرا وغيرها".
وذلك ما يبدو أنه كان وراء قرار بوتين حول عدم اقتصار حملته العسكرية على مناطق الدونباس، نظراً إلى وجود معلومات مفادها أن خطة كييف لم تكن لتقتصر على مناطق الدونباس وحدها، وبل وتتعداها إلى محاولات استعادة شبه جزيرة القرم، وكان بوتين أشار خلال أكثر من مناسبة إلى خطورة ما تتضمنه الوثائق الرسمية الأوكرانية، وما لوح به الرئيس زيلينسكي حول أن أوكرانيا في طريقها إلى استعادة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين باستخدام كل السبل، بما فيها القوة العسكرية.
ولمزيد من الإيضاح قال بوتين "إن القوات الروسية لو اقتصرت في عملياتها على أراضي الجمهوريتين الشعبيتين فقط لمساعدتهما في تحرير أراضيهما، لما كان ذلك سيؤدي إلى حل نهائي وإحلال سلام واستئصال التهديدات لبلادنا، بل على العكس كان سيسفر عن ظهور خط جبهة جديد حول دونباس وعلى طول حدودها مع تواصل القصف والاستفزازات".
وجاء خطاب بوتين بكل ما تضمنه من تفاصيل بمثابة إضاءات كاشفة عن مواقف موسكو تجاه ما جرى ويجري من محادثات سلام مع الجانب الأوكراني، وأقرب ما يكون إلى الرد على ما قاله زيلينسكي في حديثه إلى قناة "أي بي سي" (ABC)، حول أن أوكرانيا "غير مستعدة للإنذارات"، لكن لديها حلاً ممكناً في شأن القضايا الخلافية المحورية مع روسيا، بما في ذلك صفة القرم ودونيتسك ولوغانسك.
فكرة الحياد
وكان الوفد الأوكراني في محادثاته مع نظيره الروسي كشف عن فكرة تحويل أوكرانيا إلى دولة منزوعة السلاح لها جيشها الخاص، على غرار السويد أو النمسا، وهو ما أعلنه فلاديمير ميدينسكي رئيس الوفد الروسي في المحادثات تأكيداً لحقيقة أن كييف قدمت مثل هذا الاقتراح، بل ونقلت وكالة نوفوستي الروسية ما اعترف به زيلينسكي حول أن بلاده لن تنضم إلى الـ "ناتو"، وسارع الكرملين إلى الإعراب عن تقديره لفكرة إنشاء دولة منزوعة السلاح في أوكرانيا، التي قال دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسمه إن موسكو مستعدة للنظر في اقتراح حل وسط لنزع السلاح من أوكرانيا على غرار السويد.

وأضاف تعليقاً على اعتراف زيلينسكي بأن أوكرانيا لن تنضم إلى الـ "ناتو" أن "هذا خيار تتم مناقشته بالفعل الآن، ويمكن اعتباره بمثابة حل وسط حقيقي".
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" نشرت الأربعاء الماضي مسودة اتفاق بين روسيا وأوكرانيا تقول إنهما بصدد وضع "خطة حياد" لإنهاء الحرب، تتكون من 15 نقطة تشمل تخلي كييف عن طموحات عضوية الـ "ناتو" مقابل ضمانات أمنية، ووقف إطلاق النار وانسحاب روسيا إذا أعلنت كييف الحياد وقبلت فرض قيود على قواتها المسلحة. غير أن مصادر الرئاسة الأوكرانية سارعت إلى تأكيد أن ما نشرته الصحيفة البريطانية حول وضع خطة حياد خلال المفاوضات الروسية - الأوكرانية لإنهاء الحرب في أوكرانيا لا تمثل موقف كييف، وقال مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك في تغريدة عبر "تويتر"، إن "فايننشال تايمز نشرت مسودة لخطة تسوية تمثل موقف الجانب الروسي فقط، بينما الجانب الأوكراني له مواقف أخرى". وأضاف، "الأمر الوحيد الذي يمكننا تأكيده حالياً هو المطالبة بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية وتقديم ضمانات أمنية من بعض الدول".

وفي هذا الصدد نقلت وكالة "نوفوستي" عن مكتب الرئيس الأوكراني تصريحات تقول إن كييف طلبت من المستشار الألماني أولاف شولتز المساعدة في تنظيم لقاء مباشر بين زيلينسكي وبوتين، مشيرة إلى ما قاله نائب رئيس مكتب الرئيس الأوكراني إيغور جوفكفا من أن "المفاوضات الجادة الوحيدة التي يمكن إجراؤها مع الروس ستكون ممكنة على المستوى الرئاسي"، وأن رئيسه مستعد لذلك. وأضاف جوفكفا أن "كييف مستعدة لمناقشة الوضع المحايد لأوكرانيا بشرط أن تقدم لها ضمانات أمنية، وأن تكون هذه الضمانات مقدمة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولا تقتصر على روسيا".

وفي هذا الصدد رأى زيلينسكي أن الطريق الوحيد لحل النزاع الحالي بين بلاده وروسيا يكمن في إجرائه حواراً مباشراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتوصل إلى "حلول وسط"، وفي حديثه إلى صحيفة "بيلد" الألمانية قال زيلينسكي تعليقاً حول إمكان اعترافه باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وانضمام القرم إلى روسيا، إن "المسألة لا تكمن في ما يمكن أن أقدم عليه، وفي أي حوار هدفي يتمثل في إنهاء الحرب مع روسيا"، ومضى ليقول محاولاً تجاوز النص الصريح بالاعتراف، "من أجل ذلك أنا مستعد لخطوات معينة، مستعد لخوض مفاوضات ومستعد لحلول وسط، لكن لا يمكن أن تكون خيانة لشعبي، والطرف الآخر يجب أن يكون أيضاً جاهزاً لحلول وسط"، لكنه وعوضاً عن ذلك فقد اعترف بأن ذلك المسار "هو الطريق الوحيد للخروج من الوضع الراهن، ومن الصعب جداً ومن السابق لأوانه الحديث عن تفاصيل. لم يكن هناك حتى الآن أي اتصال بين الرئيسين، وهذه الحرب لا يمكن إنهاؤها إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الرئيسين".
اللقاء الرئاسي
أما عن حقيقة مواقف الجانب الروسي من احتمالات المفاوضات بين بوتين وزيلينسكي، فقد أوجزها المتحدث القومي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بقوله "إن المفاوضات بحد ذاتها عملية تحضيرية، ويمكن للرئيسين، بل من واجبهما، أن يلتقيا لتثبيت الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها، وليس من أجل المناقشات".
وكان الجانبان الروسي والأوكراني وفي محاولة للارتقاء بالمحادثات إلى مستوى أعلى، قد خلصا إلى اتفاق حول لقاء وزيري خارجية البلدين، سيرغي لافروف ودميتري كوليبا، جرى في أنطاليا بوساطة تركية بطلب من الجانب الأوكراني، لكنه لم يسفر عن نتيجة تذكر. أما عن الأسباب فقد عزاها لافروف إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً حاسماً في تحديد مواقف السلطات الأوكرانية في كييف، وقال إن "روسيا لا ترى الآن أي مصلحة للولايات المتحدة في تسوية هذا الصراع في أسرع وقت ممكن"، مؤكداً أن الغرب "لا يريد حل الوضع الأمني سلمياً".

وذلك يؤكد ما سبق وأشرنا إليه في أكثر من تقرير، بأن الدوائر الغربية تزج بأوكرانيا قرباناً لخدمة مصالحها في الصراع المتصاعد مع موسكو، وفي هذا الصدد نتوقف لنشير إلى ما دأب الرئيس الأميركي جو بايدن على ترديده بحق الرئيس بوتين من أوصاف "يعاقب عليها القانون"، أينما كان، سواء الأميركي أو غيره، فوصفه بـ "القاتل" من دون تقديم الدليل الدامغ، ثم عاد إلى وصفه بـ "مجرم حرب"، متناسياً أنه جلس معه في جنيف مستمعاً ومناقشاً لساعات طوال إلى جانب عشرات الساعات الأخرى التي استغرقتها مكالماتهما الهاتفية، وهي وحدها تدينه بموجب القوانين الأميركية التي تحرم التعامل مع "الخارجين على القانون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإيجازاً في هذا الصدد، نشير إلى ما ارتكبه أسلاف الرئيس الأميركي وكان بايدن نائباً لأحدهم لفترتين متواليتين، من "تجاوزات" حتى لا نقول "جرائم" في بلدان عدة، منها العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان.
أما عن رد الفعل الروسي تجاه تصريحات بايدن، فأوجزها المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بالقول، "نحن نعتبر أن مثل هذا الخطاب غير المقبول والذي لا يغتفر لرئيس دولة قتلت قنابله مئات الآلاف من الناس في كل أنحاء العالم." ونعيد إلى الأذهان ما سبق وقاله بوتين تعليقاً على اتهامه بـ "القاتل"، أنه سمع العشرات من هذه الاتهامات وأصبح معتاداً على الهجمات من جهات مختلفة خلال عمله.

وفيما اكتفى بالإعراب لرئيس الولايات المتحدة عن تمنياته بالصحة الجيدة، وكأنما أراد أن يقول له "ربنا يشفيك"، أعاد بوتين إلى الأذهان ما يقوله الأطفال رداً على ما ينالهم من سباب وشتائم، "إن ما تقوله يلف ويلف ويلف ويعود إليك". وكانت المصادر الروسية عادت أيضاً بهذا الصدد لتستشهد بما قاله الرئيس الروسي لاحقاً حول "أن بايدن اتصل به بعد تصريحه الحاد لتفسير ما قال، وأن ذلك التفسير يناسبه".

"شرك الأحلام"
كما أشارت إلى ما أورده الصحافي بوب وودوارد في كتابه حول أن بايدن أخبر بوتين خلال محادثة هاتفية بينهما في الـ 13 من أبريل (نيسان) 2021، أن اتهامه بـ "القاتل" لم يكن متعمداً، ويعيد كثير من المراقبين في موسكو إلى الأذهان دعوة عضو الكونغرس الأميركي السيناتور ليندسي غراهام إلى اغتيال الرئيس الروسي من دون أن تتحرك الأجهزة الرسمية الأميركية، وهو ما يضعها في موضع "المساءلة القانونية"، وهو ما أثار كثيراً من الإدانة والاحتجاجات داخل الأوساط الرسمية الروسية.
وبالعودة لأن أوكرانيا باتت ضحية صراعات القطبين العظميين وأنها سقطت في شرك "أحلام" اللحاق بقطار الـ "ناتو"، نشير إلى الرفض المتكرر لطلبات كييف فرض الحظر الجوي في سماء أوكرانيا، وامتناع  الرئيس الأميركي من الموافقة على ذلك خشية الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة. وتكراراً لمثل هذا الموقف أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن الولايات المتحدة "تود تجنب الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى توسع الصراع في أوكرانيا، بما في ذلك نشر وحدة حفظ سلام تابعة لحلف شمال الأطلسي في ذلك البلد بناء على اقتراح بولندا". وأضاف أن "حلف الـ (ناتو) يركز بشكل كامل على إنهاء هذه الحرب، ونحن تماماً مثل الـ (ناتو) نركز على ذات الشيء، وبذات الطريقة نريد تجنب أي إجراء إطالة أو توسيع هذه الحرب".

وأضاف أن "وجود القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي على أراضي أوكرانيا قد لا ينهي الحرب بل يوسعها إلى شيء أكبر وأكثر خطورة في عواقبها"، وفي ذلك كله إيجاز للخطوط الرئيسة التي يمكن أن تحدد أهم ملامح العمل على كل المسارات، العسكرية منها والتفاوضية، للتوصل إلى الحلول المنشودة من جانب كل الأطراف المعنية، على ضوء ما سبق وقاله رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين من أن "مصير روسيا ومستقبلها يتم تحديده حالياً"، مؤكداً أن "موسكو لن تتقاعس أبداً في ضمان سيادتها".

المزيد من تقارير