Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الناس غاضبون جدا"... دعم شعبوي وراء صعود مفاجئ لحزب يميني في رومانيا

يقول قائد حزب "التحالف من أجل اتحاد رومانيا" إنه حصل على تفويض لمواجهة النخبة السياسية ولكن الحزب متهم بالتنمر وكراهية الأجانب والتطرف

جورج سيميون يستطلع المحيط أثناء تظاهرة ضد وزارة الصحة في وسط بوخارست (غيتي)

يثير متعصب كروي سابق انتقل إلى معترك السياسة وحزبه السياسي الجديد نسبياً - الاسم التحالف من أجل اتحاد رومانيا - حالة من الاضطراب قل نظيرها في الدولة الأوروبية الشرقية.

في ديسمبر (كانون الأول)، اقتحمت مجموعة غوغائية من مناصري جورج سيميون ساحة البرلمان الروماني لمنع إقرار التصريح الإلزامي لـ"كوفيد" - إنما خلافاً لما حصل مع المتمردين الذين هاجموا مبنى الكونغرس الأميركي في 6 يناير (كانون الثاني) في محاولة فاشلة لمنع التصديق على فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات - نجح الرومانيون. ولم يمر الإجراء.

في يناير، كان سيميون، زعيم حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا والمؤسس المشارك له، رأس الحربة فيما اقتحم حشد غوغائي مكتب رئيس بلدية تيميسوارا، إحدى المدن الرومانية الكبرى، لا لشيء سوى لأنه أجنبي.

والأسبوع الماضي، في خضم التداول بمسألة خلافية داخل البرلمان، اقترب سيميون من وزير طاقة البلاد في القاعة وجذبه من أسفل عنقه.

"أنت لص"، صاح سيميون في وجه الرجل في مشهد التقطته كاميرات الفيديو، بينما كان الوزير يتهمه بأنه أداة في يد الروس.

غالباً ما يهاجم الرجل البالغ من العمر 35 عاماً، الذي شارك في تأسيس الحزب منذ أقل من ثلاث سنوات، من يسميهم النخبة السياسية التي تعيش خارج الواقع وتستمد جذورها من ماضي رومانيا الشيوعي وجهاز السيكوريتات القديم، وهو جهاز الاستخبارات الذي هدد البلاد إلى حين انهيار النظام القديم في عام 1989.

هذه النخبة هي التي تستفز الجموع بإجراءاتها الصحية غير الشعبية وغير الضرورية، بحسب تعبيره. وهي التي تسمح للرعايا الأجانب بتبوؤ مناصب رسمية رفيعة، كما يقول. وهو يرى كذلك أنها المسؤولة عن رفع أسعار الطاقة من أجل تجميع الثروات فقط لا غير.

وقال خلال مقابلته مع "اندبندنت": "يشعر الناس بالغضب في رومانيا والولايات المتحدة وبروكسل"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي اندلعت في بلجيكا في شهر يناير ضد إجراءات "كوفيد" الصحية وتخللتها أعمال شغب.

"يعبر الناس عن غضبهم بمختلف الطرق. قد يرفعون لافتة ويشاركون في مسيرة ويتظاهرون".

ينتقل سيميون من نجاح إلى آخر هذه الفترة. فالحزب الذي يتزعمه يحتل أكثر من 40 مقعداً نيابياً، أي ما يقارب 10 في المئة من البرلمان، فيما يحافظ على نوع من هالة الدخيل على الحكومة وصورة شعبوية. حققت شعبية حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا نسبة قياسية وصلت إلى 23 في المئة في استطلاعات الآراء.

في مقابلة أجراها خلال عطلة في منتجع ريفي في رومانيا، حيث تجمع مع معاونيه لرسم استراتيجيتهم، حاول سيميون تقديم شرح عن نفسه وحزبه وحركته. وظهر بصورة منمقة وقد تمكن من توظيف مراسل تلفزيوني مخضرم ومحترم ليكون مسؤوله الإعلامي. وتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة.

وأصر أنه من غير المنصف ولا الدقيق إلصاق تسمية "يمين متطرف" أو "متشدد" على حزبه، كما فعل كثيرون في الصحافة العالمية والمحلية، وهو يعتبر فيكتور أوربان من هنغاريا ودونالد ترمب وبوريس جونسون قدوته في السياسة.

وأضاف: "أجل، إنه من اليمين، كما أنه شعبوي، نعم. ولكننا لا نحب المتطرفين لأنهم ألحقوا ضرراً كبيراً برومانيا".

ولكن في أي حال، اعتبرت العديد من وسائل الإعلام الرئيسة كما المثقفين في رومانيا حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا حزباً متطرفاً بسبب مواقفه وتصرفاته. الشهر الماضي، هاجمت مجموعة الدفاع الرومانية آكتيف ووتش (Active Watch) الحزب لخلقه بيئة سياسية سامة عن طريق إدراج بعض وسائل الأنباء على قائمة سوداء.

وقد انتقدته جهات أخرى كذلك لاستخفافه بأحداث الهولوكوست وبدور رومانيا في المحرقة، ومطالبته بإسقاطها كموضوع يدرس بالتفصيل في المدارس. قتل نحو 300 ألف يهودي و11 ألف عضو من أقلية الروما على يد حكومة رومانيا الفاشية التي تعاونت مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

وما يكشف عنه صعود نجم سيميون هو استمرارية نفوذ وفعالية القومية اليمينية في أوروبا الشرقية، وهو ما أطلق أجراس الإنذار.

يقول كريستيان بارفوليسكو، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية للدراسات السياسية والإدارية في بوخارست "إنه خطير للغاية. ليس لدينا سوى خطاب الكراهية، وهو يستخدم خطاب الكراهية. هذه هويته السياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وضع اسم بارفوليسكو العام الماضي في أعلى "قائمة استهداف" نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بعد توقيعه رسالةً مفتوحة تطالب الأحزاب السياسية الأخرى بالتبرؤ من حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا. وفي الحقيقة، شكلت الأحداث العنيفة سمة أساسية في صعود سيميون على الساحة السياسية. وقد اشتهر في البداية باعتباره قائد مجموعة من مشجعي كرة القدم اليمينيين المشاغبين، التي وصفها بارفوليسكو بأنها "قومية ومعادية للأجانب وعنصرية".  

أثناء التظاهرات في البرلمان، قطع مناصرو حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا الطريق أمام السيارات، وخربوا المركبات في وسط بوخارست، وكانوا على وشك اختراق الحواجز. وقال سيميون تعقيباً على الأمر "ناشدنا الناس أن يكونوا سلميين، والتزموا بذلك. كل ما حدث هو أنه سمح لهم بدخول الساحة الخلفية للبرلمان وقام أحدهم بالكتابة على بضع سيارات".

وفي التظاهرة التي اندلعت في مدينة تيميسوارا الغربية، طالب مناصروه بعقد لقاء مع رئيس بلدية المدينة، دومينيك فريتز، وهو مواطن ألماني انتخب بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي التي تسمح للأجانب بتبوؤ مناصب محلية. وتمكنوا من دخول المبنى وهم يصرخون "اخرج أيها الكلب القذر"، و"تذكر أن هذه ليست مدينتك".

في أعقاب هذه الأحداث الصاخبة، قال سيميون إن المتظاهرين في تيميسوارا كانوا أصحاب شكاوى محقة، وإن فريتز "هبط بالمظلة" على رومانيا من دون أوراق مناسبة وكان يحتل منصب عمدة ثالث أكبر مدن البلاد "بطريقة غير شرعية".

بالنسبة لبعض الرومانيين الذين افترضوا أن سيميون حسن النية، فاض الكيل بعد أعمال العنف التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة. وقال البعض إن اختيار شخص أجنبي لترؤس بلدية تيميسوارا أمر يستدعي الفخر بالنسبة للرومانيين، إذ يظهر طابع البلاد العالمي. وأعلن رؤساء بلديات أكثر من عشرين مدينة أخرى دعمهم لفريتز وطالبوا بمحاكمة مثيري الشغب.

وأوضح رادو ماغدين، المحلل الروماني الذي عمل في ما مضى مستشاراً لرئيس وزراء سابق "تردد البعض في البداية قبل تسمية الحزب "يمين متطرف" أو "متشدد"، ولكن أعتقد أن التغيير في النبرة وطريقة تصرفهم غيرت هذا الواقع".

كما يحقق المدعون العامون في قضية مرفوعة على سيميون بسبب حادثة تهديده لوزير الطاقة فيرجيل بوبيكسو، الذي قدم شكوى جنائية بحقه.

وكتب بوبيسكو في منشور على "فيسبوك"، "لا مبرر لتصرف زعيم حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا جورج سيميون بعدوانية معي. نحن نتكلم عن شكل من أشكال العنف ارتكب داخل البرلمان الروماني ضد وزير".

لكن سيميون لا يلين، ويصر من جهته أنه حصل على "تفويض" من الناخبين لمواجهة من يصفهم بأنهم "النخبة السياسية". وأعلن سيميون الذي استوحى فكرته من تظاهرات سائقي الشاحنات في كندا، أنه بصدد تنظيم "تظاهرات ضخمة" ضد الرئيس الروماني كلاوس يوهانس، ودعا الغاضبين من ارتفاع أسعار الوقود والتأمين إلى عرقلة حركة المرور في العاصمة.

وفي هذه الأثناء، لا يبدو أن قاعدته السياسية سوف تصغر حجماً.

أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن مناصري حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا أصغر سناً إجمالاً، وأكثر اعتماداً على وسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على الأنباء.

واعتبر بارفوليسكو أنهم "أشخاص لا يملكون معلومات جيدة ويتقبلون نظريات المؤامرة ويصدقون الأخبار الكاذبة. ويعود السبب إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي وجائحة "كوفيد" وشبكاتهم الاجتماعية".

ويضم الحزب كذلك أصوليين دينيين يسعون منذ سنوات لجعل الإجهاض غير قانوني وتقييد حقوق المثليين. وهم يتجمعون تحت مظلة "تحالف الأسرة"، وهو تحالف روماني للجماعات اليمينية التي تتحرك بدوافع دينية. ويقول النقاد إنها تستمد أصلها من المنظمات اليمينية المتطرفة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.  

وقال بارفوليسكو إنهم "يشعرون بالحنين للحركة الرومانية الفاشية السابقة".

اتهم بعض السياسيين اليساريين الشرطة المحلية بتقديم دعم خفي لحزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا، والسماح له بالاستيلاء على الشوارع والمباني العامة. ووصف النقاد هذا الحزب على أنه مُعادٍ للغرب وللاتحاد الأوروبي والأقليات والمثليين والسامية ومؤيد لبوتين.

ولكن خلال المقابلة، دافع سيميون عن نفسه وعن حزبه. وسخر من اتهامه بأنه لعبة في يد الكرملين، قائلاً إن موقفه من جمهورية مولدوفا التي يرغب في اتحادها مع رومانيا، يضعه في خانة المعارضة لروسيا التي تحتل جيب ترانسنيستريا، وهو أرض مولدوفية.

وأصر أن حزبه مؤيد للاتحاد الأوروبي، مع أنه يستضيف الشهر الجاري مؤتمراً بعنوان "سيادة الدساتير المحلية على البيروقراطية الأوروبية". وأضاف أن حزبه لا يعادي الأقليات، ولديه علاقات مع حزب الليكود الإسرائيلي، وقد تودد علناً إلى أعضاء أقلية الروما التي تعاني الإهمال منذ فترة بعيدة في البلاد. ويقول إنه زار أوشفيتز مرتين والتقى سياسيين إسرائيليين.  

وصرح بقوله: "نحن لا نعادي أي أحد. باستثناء الأشخاص الذين حكموا رومانيا طيلة 30 عاماً".

لكن سيميون لديه تاريخ من ادعاء الروابط غير الموجودة. وحاول أخيراً اقتحام تجمع في مدريد لأحزاب أوروبية يمينية، منها حزب أوربان، فيديز، وحزب فوكس الإسباني، تبرأت منه واختارت حزباً يمينياً آخر من رومانيا.

كما نفى الليكود هو كذلك علاقته بسيميون وبحزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا. وحذر الناطق باسم حزب الليكود إيلي هازان نواب الحزب من اللقاء بهذه الجماعة، قائلاً: "إن هذا الحزب مُعادٍ للسامية".

أما سيميون فيعتبر أنه يستقطب الانتقادات غير المنطقة لأنه من خارج دائرة النخبة السياسية الرئيسة. ويزعم بأنه نشأ في مجمع سكني فقير من الحقبة الشيوعية.

ومع أنه أكمل دراسته العليا وحصل على شهادة الماجستير، غير أنه لا يزال يعتبر دخيلاً. ويقول إنه يرغب بفتح الفرص أمام رجال الأعمال المحليين لكي يجنوا الثروات ويستحدثوا الوظائف ويتحدوا سيطرة الأقلية الحاكمة المتجذرة.

وقال: "نمتلك الغاز، ونمتلك الذهب ونحن أثرياء جداً، ولكن بعض رجال المافيا يضعون أيديهم على مواردنا المحلية، وهذا ليس بعدل".

يقلل النقاد من شأن هذا الخطاب باعتباره هراءً شعبوياً نموذجياً.

واعتبر ماغدين أنه "بارع في رواية القصص، ولكن القصص التي يرويها لا تبرر أفعاله. وأحداث الأسابيع القليلة الماضية سوف تطعن في صحة هذه القصة. يمكنك أن تكون دخيلاً على اللعبة ولكن لا شك في أنك ملزم باحترام بعض قواعدها الأساسية".

يعترف بارفوليسكو بأن فشل الأحزاب الرومانية الرئيسة في حشد واجتذاب المناصرين في انتخابات عام 2020 هو ما سمح لحزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا بدخول البرلمان في ظل تسجيل المشاركة ضعفاً قياسياً. وقال "إنه انتهازي إلى أبعد الحدود".

منذ فترة قصيرة، تبرأت الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية المحافظة المتشددة من حزب التحالف من أجل اتحاد رومانيا، واتهمته في بيان لها بأنه يمارس "المصادرة السياسية والعقائدية للإيمان وتحويره عبر استغلاله كأداة".  

يزعم سيميون أن استعداده لمواجهة القوى الحاكمة هو سبب استهداف الإعلام الروماني له، وضغطه على الأحزاب السياسية الأخرى واللاعبين الدوليين الآخرين لمنعهم من التعامل مع حزبه.

وقال، "من يمسك بالحكم هم النخبة الشيوعية وأبناؤهم وأولاد إخوتهم وأخواتهم. وهم خائفون. رأيتهم منذ عشر سنوات وظنوا بأنهم لا يقهرون. والآن ما عادوا بهذه القوة وهم يخشون خسارة مناصبهم".

أسهمت أدينا فلوريا في إعداد هذا التقرير

© The Independent

المزيد من دوليات