Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاجتياح الروسي لأوكرانيا يهدد الأمن الغذائي في تونس

تراكمت العوامل الاقتصادية السلبية لتضغط على ميزانية الدولة وتقزم قدراتها

تستورد تونس نصف حاجياتها تقريباً من الحبوب من روسيا وأوكرانيا (رويترز)

عمقت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أزمة تونس الاقتصادية والمالية والاجتماعية، حيث تواجه البلاد تحديات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، علاوةً على عدم استقرار أسعار الحبوب وغيرها من المواد الأساسية التي تستوردها، وهو ما سيكثف الضغط على ميزانية الدولة.
وتستورد تونس نصف حاجياتها تقريباً من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، بعد أن كانت إلى حدود سبعينيات القرن الماضي قادرةً على تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب، بحيث لم يتجاوز معدل استيراد الحبوب آنذاك الأربعة ملايين قنطار، بينما تستورد اليوم 70 في المئة من حاجياتها من القمح سنوياً، و80 في المئة من حاجياتها من القمح اللين.

استيراد 30 مليون قنطار من الحبوب سنوياً

وأكد عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات، محمد رجايبية، أن "تونس تُعد من بين أكثر البلدان المُوردة للحبوب"، مضيفاً أن "حاجيات تونس من هذه المادة الحيوية، تتراوح بين 30 و32 مليون قنطار سنوياً، منها 12 مليون قنطار قمح صلب، و12 مليون قنطار قمح لين، و9 ملايين قنطار من الشعير، بينما لا تنتج إلا 10 ملايين قنطار، حسب معدلات إنتاج السنوات الأخيرة". وأضاف رجايبية أنه "في ظل المتغيرات العالمية وخضوع أسعار الحبوب في العالم، إلى قانون العرض والطلب، أصبح سعر قنطار القمح المستورد (100 كلغ) أكثر من 110 دنانير (حوالى 40 دولاراً). ويكلّف استيراد القمح حوالى 700 مليون دينار تونسي سنوياً (2،3 مليون دولار) تُسدد بالعملة الصعبة، وهو ما سيرهق كاهل ميزانية الدولة".

السياسات الحالية لن تحقق الاكتفاء الذاتي

ودعا المكلف الزراعات الكبرى في المنظمة الفلاحية، الدولة إلى "تغيير سياساتها في التعاطي مع منظومة الحبوب، من خلال تشجيع الفلاح، وتوفير البذور التونسية الممتازة وتشجيع البحوث العلمية الزراعية". وأضاف رجايبية أن "السياسات الحالية القائمة على الاستيراد، وعدم تشجيع الفلاحين لن تمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وسط تقلص المساحات المزروعة، بسبب انحباس الأمطار، وعزوف الفلاحين على ممارسة هذا النشاط وعدم توفر الأسمدة وندرة البذور، علاوةً على غلاء اليد العاملة الفلاحية"، داعياً إلى "دعم منظومة الإنتاج وتمكين الفلاح من بيع منتوجه بأسعار تقارب الأسعار العالمية".

جهات نافذة أضرت بالفلاحة في تونس

من جهته، أكد عضو الاتحاد الجهوي للفلاحة بمنوبة، فخر الدين ترجمان، أن "الدولة لا تشجع على الفلاحة متهماً مجموعات ضغط (لوبيات) نافذة في مؤسسات الدولة بالتحكم في البذور، والتعويل على  التوريد من أجل تضييق الخناق على الفلاح، وجعل تونس تتبع الدول الغربية في هذا القطاع الحيوي".
وأكد الترجمان أن "الحبوب المروية تمثل حلاً جذرياً لتتجاوز تونس مخاطر عدم توفر الحبوب في الأسواق العالمية، وغلاء أسعارها"، مشيراً إلى أن "ولاية القيروان باتت تنتج كميات كبيرة من الحبوب بالاعتماد على الحبوب المَروية، ما أعطى نقلة نوعية للجهة من حيث تطور المساحات المزروعة من 12 ألف هكتار إلى 27 ألف هكتار، في ظرف خمس سنوات، ومن 35 قنطاراً إلى 65 قنطاراً كمعدل مردودية للهكتار الواحد".
واتهم الترجمان جهات نافذة في الدولة بالعمل على "ضرب الفلاحة التونسية من خلال تلف الصابة المحلية من الحبوب، بينما يتم جمع الحبوب المستوردة في مراكز التجميع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد أن معهد البحوث الزراعية "يقوم بمجهود كبير في تطوير البذور التونسية، إلا أن الدولة اعتمدت على البذور المستوردة التي لا تتماشى ولا تتلاءم مع المناخ التونسي، والتربة التونسية، من خلال إغراق السوق بالبذور المستوردة، عبر شركات خاصة رخصت لها الدولة"، لافتاً إلى "وجود سياسة ممنهجة لضرب البذور التونسية".

تفاقم العجز التجاري

في الأثناء، تفاقم عجز الميزان التجاري في تونس ليبلغ حوالى 14 في المئة، في عام 2021، بقيمة 20 مليون دينار تونسي (7 مليارات دولار) مقابل 9 ملايين دينار (3 مليارات دولار)، في 2020. ومثل عجز الميزان التجاري الغذائي 13 في المئة من مجموع العجز العام.

السِلم الاجتماعي مهدد

تُعد الحبوب من أهم مقومات الأمن الغذائي في تونس، وفي ظل الصعوبات المحيطة بتوفيرها يصبح هذا الأمن مهدداً، ما قد ينعكس سلباً على السلم الاجتماعي، وسط معاناة التونسيين اليومية لتوفير الدقيق وبعض المواد الأساسية الأخرى، وصعوبات في تزود المخابز من مادة الطحين لصنع الخبز.
وسيعمق الوضع الطارئ محنة تونس، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وسط غياب الحلول وصعوبات في تعبئة الموارد المالية للميزانية الحالية وانقسام سياسي داخلي، وهو ما قد يؤجج احتقاناً اجتماعياً بسبب تدهور القدرة الشرائية للتونسيين وندرة المواد الأساسية وارتفاع جنوني للأسعار.
في المقابل، وفي محاولة لطمأنة التونسيين، أكد المدير العام للمرصد الوطني للفلاحة، حامد الدالي، أن "تونس أنهت استيراد حاجياتها الضرورية حتى الصيف المقبل من القمح، قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولن تواجه أي نقص حتى موسم جني المحصول في الصيف المقبل".

وكان الديوان الوطني للحبوب أكد في بلاغ أنه يؤمن حاجيات التونسيين، من خلال توفير 3 ملايين قنطار من حبوب الاستهلاك شهرياً.