Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوق للمنتجات التقليدية في تونس تقاوم الحداثة

تعاني من غزو البضائع الصينية وتنشط في رمضان ومواسم الأعراس

اللباس التقليدي التونسي لا يكتمل إلا بالبلغة التي تُكمّل لبس الجبة التقليدية والشاشية (اندبندنت عربية)

وسط  دروب صغيرة متعرجة على يمين جامع الزيتونة في مدينة تونس العتيقة وداخل أسوارها، تقع سوق البلاغجية (نوع من النعال العتيقة). لم تتغيّر مع مرور الزمن وبقيت صامدة من حيث العمران، والمهنة التي توارثتها العائلات جيلاً بعد جيل لتروي حكاية نعال تقليدية تحدّت الحداثة.

عبق التاريخ

تُعتبر السوق إحدى أقدم أسواق المدينة العتيقة، ويعود بناؤها إلى حكم الدولة الحفصية بين القرن الثالث عشر والخامس عشر، وفيها اشتهرت صناعة البلغة التقليدية التي كانت حذاء الحاكم والمحكوم، الغني والفقير، النساء والرجال لمئات السنين. ويقول التاجر نور الدين الغانمي إن اللباس التقليدي التونسي لا يكتمل إلا بالبلغة التي تُكمّل لبس الجبة التقليدية والشاشية، والبلغة مخصصة للرجال والنساء على حد سواء كما تُستعمل لحضور المناسبات الدينية، والأعراس والأفراح، وما زالت النساء تشتري بلغة العروس المزينة ذات الألوان الجميلة.

وعلى امتداد الزمن، تطوّر شكل البلغة وألوانها وتصميمها لتناسب العصر وأذواق الأجيال الجديدة. أما البلغة الرجالية، فألوانها تتناسب مع ألوان الجبة التونسية التي بحسب العادات تكون غالبيتها بين الأبيض والرمادي الفاتح.

لباس المواسم

بعدما كانت السوق مقصد كثيرين لشراء البلغة التقليدية، تراجع اليوم الطلب عليها بسبب منافسة الأحذية الحديثة وتحوّلها إلى قطعة تستعمل في المناسبات والأفراح ومواسم الأعياد في تونس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول محمد الباجي، المتخصص في صناعة البلغة أن عدد العاملين في السوق تناقص بشكل كبير والمهنة تتوارثها الأجيال، في ما يعرف بتقاليد عائلات تملك المحال منذ مئات السنين، واليوم تحوّلت السوق إلى العمل في المناسبات كشهر رمضان وطهور الأولاد أو موسم الأعراس في الصيف.

وما زالت عائلات تونسية كثيرة تفاخر بأن تكون ملابس الأفراح للرجال والنساء والعروسين من نبع الأصالة التونسية العريقة كتعبير عن انتماء ثقافي متجذر.

حنة العروسة

من التقاليد التي تصرّ العائلات التونسية عليها في أفراح بناتها، سهرة الحنة التي تُدعى إليها نساء العائلة وصديقات العروس، والمتعارف عليه أنه يجب إحضار لباس العروس وحنتها من مدينة قابس، حيث أفخر أنواع شجرة الحنة في البلاد.

توضح روضة النجاحي وهي تبحث عن بلغة ذهبية اللون مزينة في أحد محال السوق، أن فرحة الأم بزفاف ابنتها جزء منها سهرة حنة العروس التي تلبس فيها اللباس التقليدي وتُغنّى الأغاني التراثية، وهي سهرة مقتصرة على النساء فقط، وهي إحدى ليالي الفرح السبع في تونس.

ويقول الباجي، صاحب ورشة لتصنيع وتطوير الصناعات التقليدية إن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه انفتاح السوق على المحيط، والوصول إلى المستهلك بطريقة ذكية، يتمثل في معادلة تجمع بين الابتكار والحفاظ على أسعار معقولة، تمكّن الناس من شراء المنتجات التقليدية والعودة إلى استعمالها بشكل يومي وليس في المناسبات فقط.

الجبة والشاشية والبلغة

من العادات التي ما زال كثرٌ من أبناء المدينة العتيقة يحافظون عليها في كل صلاة جمعة في جامع الزيتونة المعمور، لبس الجبة والشاشية (غطاء الرأس) والبلغة التقليدية. وبحسب الحاج جمعة بن سدرين، فإن هذه العادات يحبّذها المصلون لأنها ترتبط بتاريخ عريق كان فيه الجامع مدرسة أبنائهم، وفي محيطه ذكريات حياتهم وكثير من تفاصيلها، كما أن انتعال البلغة في الأقدام يسهّل على المصلين دخول المسجد والخروج منه بيُسر.

ويضيف الحاج بن سدرين "ما زالت عادة أداء صلاة الجمعة بالملابس التقليدية منتشرة بين كثيرين كباراً وصغاراً، ويجتمع في وسط الجامع من يلبسون الجبة والشاشية والبلغة وفي الشتاء البرنوس في ارتباط أصيل للمدينة بالجامع". 

الغزو الصيني

في غالبية الأسواق والمحال التجارية في تونس، تتكدس البضائع الصينية التي تنافس من حيث السعر وليس الجودة المنتجات المحلية، وهذه المنافسة لم تقف فقط عند حدود صناعة الملابس والأحذية الحديثة، بل تخطّتها لتصل إلى الصناعات التقليدية التونسية من ملابس وأحذية وتهدد أرزاق الآلاف من العاملين في هذا المجال.

ويقول شريف الحجري الذي يعمل في السوق منذ نصف قرن تقريباً إن مستقبل السوق بات مهدداً بسبب البضائع الصينية التي اختصت بتقليد المنتجات التقليدية وبنوعيات رديئة وأسعار تنافسية، داعياً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لحماية المنتجات التقليدية ومنع اندثارها.

ويدعو الحجري إلى ضرورة العودة للاحتفال باليوم الوطني للصناعات التقليدية وإعادة الاعتبار للّباس التقليدي التونسي،

نظراً إلى جماليته وقيمته الفنية أولاً، ومساهمته في خلق عشرات آلاف فرص العمل ودعم الاقتصاد الوطني، بخاصة أن جزءاً كبيراً من المنتجات موجهة للتصدير أو للسياح الأجانب الذين تعجبهم حرفية هذه الصناعات. 

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات