Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا دانت مصر الغزو الروسي في الأمم المتحدة؟

القاهرة أصدرت بياناً يحمل بعض التحفظات رغم تصويتها لصالح القرار الأممي ودعت إلى عدم غضّ الطرف عن جذور الأزمة

يرى مراقبون أن القاهرة حاولت تطوير موقفها بما يتسق مع مصالحها المتنوعة من طرفي الأزمة (أ ف ب)

أيّدت مصر قراراً للجمعية العامة للأمم المتحدة "يستنكر بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا"، وذلك بعد أيام من مطالبة كييف للقاهرة رسمياً بالتخلي عن موقفها "المحايد" ودعمها لمواجهة الغزو الروسي.

وجاء التطور في موقف مصر أيضاً عقب اتصالات واجتماعات عقدها سفراء غربيون مع مسؤولين مصريين على مدار الأيام الماضية، وإصدار سفراء مجموعة السبع وبعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة بياناً مشتركاً قبل يوم من طرح القرار الأممي للتصويت، دعا مصر إلى الانضمام إلى كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "بإدانة الهجوم الروسي، وتأكيد التزامها بميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي، ومبادئ السلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة"، محذرين من محاولة روسيا "زعزعة استقرار النظام الدولي"، وتداعياته على الشرق الأوسط ومصر بوجه خاص.

وصوتت مصر لصالح القرار الأممي، الذي يؤكد "التمسك بسيادة واستقلال ووحدة أراضي أوكرانيا ومياهها الإقليمية"، ويطالب "بأن تسحب على نحو فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية" من أوكرانيا، و"يدين قرار روسيا زيادة حالة تأهب قواتها النووية"، لكنها أصدرت بياناً شارحاً لموقفها "المتحفظ"، إذ أكدت "أنه لا ينبغي أن يجري غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار".

ويرى مراقبون أن القاهرة حاولت تطوير موقفها بما يتسق مع مصالحها المتنوعة من طرفي الأزمة، من خلال عدم مخالفة الإجماع الدولي على إدانة ورفض الغزو، مع محاولة تأكيد عدم وقوفها مع طرف على حساب آخر، أو استجابتها لضغوط غربية لتعديل موقفها بشكل كامل.

مصر تدين الغزو وترفض العقوبات

وانضمت مصر إلى 141 دولة صوتت لصالح القرار، وعارضت القرار الذي قوبل تبنيه بالتصفيق 5 دول، وامتناع 35 دولة عن التصويت من بينها الصين. وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة روسيا بوقف القتال فوراً في أوكرانيا، وسحب قواتها العسكرية، ووصف سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، أولوف سكوغ، ما حدث بالجمعية العامة بأنه "تصويت تاريخي"، معتبراً أن "روسيا اختارت العدوان. العالم اختار السلام".

وقدم أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، بياناً شارحاً حول التصويت المصري لصالح القرار "انطلاقاً من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة"، مؤكداً أن بلاده "ترفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، التي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية"، داعياً كل الأطراف إلى التحلي بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج دون أي تمييز مع كفالة مرور.

كما دعا مندوب مصر في نيويورك إلى البحث عن حل سريع، لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة. وقال إن الحل السياسي "يجب أن يظل نصب أعيننا جميعاً، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي".

وبينما قالت أوكرانيا، إن مصالح مصر التجارية معها ومع موسكو، بخاصة فيما يتعلق بواردات القمح والحبوب الغذائية والسياحة، ستتأثر بشدة بسبب الحرب، جدد عبد الخالق تحذير القاهرة "من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، الذي لا يزال يعاني تداعيات الجائحة"، معتبراً الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي "أبلغ دليل على ذلك".

ورحبت أوكرانيا بتصويت مصر لصالح قرار إدانة الغزو الروسي، وقالت سفارة كييف في القاهرة، في بيان عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، إن بلادها "تقدر هذا الموقف النبيل لمصر"، معتبرة أن مصر "وقفت وكعهدها دائماً مع الحق، لذلك لم يكن غريباً أن تدين بكل ثقلها وحضارتها وقيادتها ذلك العدوان الروسي الغاشم غير المبرر ضد أوكرانيا. إن هذا الموقف يثبت من جديد أن مصر عظيمة بمواقفها وحضارتها وثقافتها".

وفي هذا السياق، يرى كريم مصطفى، الباحث المصري المختص في العلاقات الدولية، أن الموقف المصري جاء متوازناً، إذ وضع نصب عينيه الواقع وتشابكاته والمستقبل وسيناريوهاته المحتملة، "لذا أيدت مصر إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت، لأن ذلك في صالحها لما سترتب على إطالة أمد الحرب أو توسعها من آثار سلبية جسيمة على اقتصادها وعلى الاقتصاد العالمي، نظراً إلى الاعتمادية السياسية الاقتصادية التي تعيشها في عصر العولمة، وفي هذه النقطة هي متفقة مع الموقف الأوروبي ومجموعة السبع، في حين ترفض توظيف العقوبات الاقتصادية دون التقيد بالنظام الدولي تخوفاً من أن تعاني مستقبلاً في حال ما إذا اضطرت للدفاع عن نفسها وأمنها من عقوبات مشابهة، وهي في ذلك تتفق مع الموقف الروسي".

وفي أول رد فعل لها على التحرك الروسي، كانت مصر قد أكدت، في بيان مقتضب صادر عن وزارة الخارجية عقب الغزو الذي شنته القوات الروسية الخميس الماضي، أنها "تتابع بقلق بالغ التطورات المتلاحقة اتصالاً بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفادياً لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها في المنطقة والصعيد العالمي".

حراك دبلوماسي أوروبي في القاهرة

اجتمع سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مصر فيما بينهم، وعقدوا اجتماعاً مع وزارة الخارجية المصرية عشية إصدار بيان مشترك يوم الثلاثاء طالب مصر "بالوقوف معهم إلى جوار أوكرانيا".

وذكر البيان، الذي تلقت "اندبندنت عربية" نسخة منه، ووزعته جميع سفارات دول مجموعة السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، إضافة إلى بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر، "إن مصر تعاني بالفعل من جراء الاعتداء الروسي، فالقاهرة هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وأوكرانيا هي من أكبر مصدري القمح، الآن أصبحت هذه التجارة الحيوية مهددة بفعل حرب عبثية، تشنها روسيا على أوكرانيا. إن العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وأفريقيا".

وشدد البيان المشترك على أن قادة الدول السبع الصناعية مجمعون على ضرورة القيام بعمل قوي وحاسم ضد نظام بوتين، و"سوف يزداد ذلك بمواصلتنا تطبيق العقوبات الأشد صرامة على بلد كبير لم يسبق لها مثيل".

وتابع البيان، "سوف يتعذر كذلك على الملايين من السائحين الأوكرانيين القدوم إلى مصر، الأمر الذي سوف يتسبب في ضرر مباشر لقطاع صناعة السياحة. كان يجب ألا يحدث هذا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الباحث في العلاقات الدولية، إن مصر لها مصالح متشابكة مع طرفي النزاع، وكذلك لها مصالح قد تتأثر بالحرب، سواء كانت اقتصادية كواردات القمح من روسيا والسياحة، أو سياسية، مثل قضية سد النهضة على وجه الخصوص، التي اقتربت من موعد الحسم مع اقتراب الملء الثالث ووجود تصريحات من جانب الاتحاد الأوروبي بأنه سيهتم بالقضية بعد انتهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ومصالح أخرى تتعلق بالمواقف المصرية الثابتة والمستندة إلى ضرورة احترام القانون الدولي وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وكذلك ضرورة عدم توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار النظام الدولي".

وفيما يتعلق بالتحفظات المصرية الخاصة بفرض العقوبات، قال مصطفى إن البيان المصري حاول مراعاة التوازن "في ظل أزمة مشتعلة لا ترغب مصر في أن تطاولها نيرانها، بخاصة أنها على أعتاب مرحلة حاسمة ومفصلية تتعلق بقضية سد النهضة، التي لا ترغب مصر أن يكون موضوعاً للتنافس، أو أن يتم إقحامه كأحد ملفات الاستقطاب والصراع الدائر بين القوى الكبرى، ولا ننسى الموقف الروسي في مجلس الأمن الذي اتسم بالتشدد أثناء طرح القاهرة قضية سد النهضة على المجلس، لذا فإننا نرغب في عدم خسارة تأييد الجانب الأوروبي والغربي، وفي الوقت نفسه عدم إثارة حفيظة روسيا المتأثرة بالعقوبات والراغبة في الانتقام، نظراً إلى العقوبات الاقتصادية القاسية التي تعرضت لها ولخسائرها الكبيرة في أوكرانيا حتى الآن".

ودعا سفراء مجموعة السبع مصر إلى الوقوف بجوار أوكرانيا، و"التأكيد على التزامنا الثابت بسيادة أوكرانيا على أراضيها واستقلالها داخل حدودها المعترف بها، والتزامنا بميثاق الأمم المتحدة. ونحن على يقين من أن الحكومة المصرية تتمسك بنفس المبادئ المتعلقة بالسلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة على القواعد الدولية".

ورفعت سفارات الدول الأوروبية والغربية في القاهرة علم أوكرانيا إلى جانب علم بلادها على مقار البعثات الدبلوماسية لها في مصر، وعقد ميهاو وابيندا، سفير بولندا بالقاهرة لقاء يوم الأربعاء مع عدد من الصحافيين حضرته "اندبندنت عربية"، إذ أوضح دور بلاده والدول الغربية في تقديم المساعدات للجانب الأوكراني، بما في ذلك السلاح واستقبال اللاجئين القادمين من أوكرانيا.

وقال وابيندا، "أعربنا عن خطر الأزمة الكبيرة والهجوم البربري الذي قام به الكرملين، ونحن مستعدون من خلال تواصلنا المستمر مع وسائل الإعلام العاملة في القاهرة للرد على الأكاذيب والدعاية الروسية"، على حد وصفه.

مصالح مصر مع القوى الغربية

ودعت مصر، التي تشغلها أكثر من قضية عرضتها على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبي، إلى تأكيد فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة، مؤكدة، في بيانها عقب التصويت، أن ذلك يعتمد على "تناول كل الأزمات الدولية وفقاً لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود جرى خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية".

وقالت داليا زيادة، مدير مركز "دراسات الشرق الأوسط وشرق المتوسط"، إن تصويت مصر بتأييد قرار الأمم المتحدة ضد موقف روسيا وتدخلها العسكري في أوكرانيا جاء متسقاً مع مبادئها التي تنادي بها دائماً، وكانت مبادئ حاكمة في سياستها الإقليمية والخارجية بشكل عام، من حيث احترام حق الجوار والحفاظ على الدولة الوطنية، وعدم التدخل في شؤون الدول والحفاظ على سيادة كل دولة على أراضيها.

وتابعت، "من ناحية أخرى، موقف مصر جاء متسقاً أيضاً مع غالبية الدول العربية، خصوصاً دول الخليج الست التي صوتت جميعها على تأييد القرار، وهذا يعكس توافقاً عربياً مهماً تجاه الأزمة في أوكرانيا الآن، وتجاه الصراع الأكبر بين الغرب وروسيا، الذي من المتوقع أن يزداد حدة وشراسة مع مرور الوقت".

وترى زيادة أن أوكرانيا دولة صديقة دبلوماسياً لمصر، ومهمة اقتصادياً لها أيضاً، "بالتالي لم يكن هناك أي منطق يدعو القاهرة لتأييد شن حرب غير مبررة عليها. أما بالنسبة لمصالح مصر، فهي كلها الآن مع الغرب متمثلاً تحديداً في الولايات المتحدة ودول جنوب ووسط أوروبا، وليست مع روسيا كما يظن البعض. في الماضي القريب جداً، رفضت موسكو الوقوف إلى جانب مصر من أجل حل نزاعها مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، وقالت لمصر هذه مشكلتكم، حلوها بنفسكم، بينما كان بإمكانها على الأقل تحريك مجلس الأمن لإدانة تعنت أديس أبابا لكنها لم تفعل، في المقابل كانت إدارة ترمب في الولايات المتحدة تتدخل بشكل قوي لصالح مصر، ووضعت ضغوطاً حقيقية على إثيوبيا وقتها".

وفي يناير (كانون الثاني) 2021، دخلت اتفاقية "الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي" الموقعة بين روسيا ومصر في عام 2018، حيز التنفيذ، كما تنامت العلاقات العسكرية والاقتصادية بين القاهرة وموسكو خلال السنوات الأخيرة منذ زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مصر عام 2017، وتفعيل الحوار الاستراتيجي بين مصر وروسيا بصيغة 2+2، التي تشمل وزيري الخارجية والدفاع منذ عام 2013، إذ كانت القاهرة بين 6 دول فقط في العالم تحظى بهذه الصيغة الرفيعة المستوى من المباحثات السنوية مع موسكو.

لكن زيادة تذهب إلى أنه على الرغم من اعتماد مصر سياسة تنويع مصادر التسليح والصفقات التجارية بشكل عام مع دول الشرق المهمة، مثل روسيا والصين وكوريا واليابان، "فإن مصالحها أكبر وأقوى مع الغرب، فمثلاً لو أن روسيا تبيع بعض الأسلحة لمصر، فإن القاهرة تحصل على مساعدات عسكرية سنوية تتجاوز المليار دولار من الولايات المتحدة. ولو أن لمصر دوراً في مشروع الحزام والطريق الصيني، ما زالت مصالحها الاقتصادية مع دول أوروبا أقوى وأهم، خصوصاً في ظل بزوغ نجمها في السنة الأخيرة كمحور إقليمي في شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى دول أوروبا التي تتعطش له بقوة حالياً، فضلاً عن أن الأزمة الحالية في أوكرانيا والعزل الدبلوماسي والاقتصادي المتنامي على روسيا، وإصرار دول أوروبا على مقاطعة الغاز والنفط الروسي، سيزيد من فرص ازدهار قطاع الطاقة المصري، خصوصاً لو كثفت تعاونها مع دول جارة في شمال أفريقيا، مثل ليبيا والجزائر، والتي أبدت كل منهما الرغبة في زيادة إنتاجها من النفط والغاز التي تمتلك منه احتياطيات كبيرة، من أجل تعويض أوروبا عن الغاز الروسي. وكل هذه العوامل تقول إن موقف مصر من إدانة اعتداء روسيا على أوكرانيا جاء متسقاً تماماً مع كل من مبادئها وقيمها، وأيضاً مصالحها وعلاقاتها، سواء الإقليمية أو الدولية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير