Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقحم حرب أوكرانيا القرن الأفريقي في لعبة التنافس الدولي؟

تمثل القارة السمراء "بؤرة صراع" في ظل تطورات الحرب واستهداف المصالح

النيران مشتعلة في مبنى الإذاعة والتلفزيون في كييف بعد استهدافه بصاروخ (رويترز)

تمثل أفريقيا أهمية بالنسبة إلى روسيا، لا سيما في ظل تطورات حربها على أوكرانيا وضمن التنافس الدولي مع الولايات المتحدة والدول الغربية، فما تمليه تداعيات الحرب من تسابق على مختلف المحاور لا تقل فيه أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص، أهمية من غيرها من المناطق في العالم، سواء في ما تمثله من بُعد جيو-استراتيجي أو أهمية اقتصادية، فهل تشهد منطقة القرن الأفريقي آثاراً مترتبة جراء الحرب الروسية في أوكرانيا؟

تطورات وملابسات

تتوالى التطورات الدراماتيكية يوماً بعد يوم في الحرب بأوكرانيا، لا سيما في ظل التسابق الأوروبي الداعم لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمختلف أنواع الأسلحة للدفاع عن العاصمة كييف والمدن الأوكرانية الأخرى، والمواقف المتشددة من قبيل عزل روسيا وحرمانها من النظام الاقتصادي العالمي، لا سيما نظام "سويفت" المصرفي، كبداية فعلية لحرب اقتصادية شاملة تقودها الولايات المتحدة والدول الغربية.
وتلقي تأثيرات الحرب بثقلها على الأوضاع العالمية سواء عبر انعكاسات سياسية في مجريات الاستقطاب وما يشكله ذلك من ضغوط على بعض الدول، وخلافات ظهرت بوادرها في مجلس الأمن بعد فشله في إظهار موقف موحد إزاء الأزمة التي تدخل أسبوعها الثاني.
وعلى مستويات أخرى هناك آثار مترتبة على الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها العالم وبخاصة الدول والشعوب الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، جراء الأزمات المتوقعة في توفر سلع أساس وخدمات تتأثر بالأحداث.
ويشكل التهديد الروسي بوضع أسلحة الدمار الشامل (السلاح النووي) في حال تأهب حدثاً متسقاً مع التطورات، مما يبث مخاوف حقيقية حول توسع ميدان الحرب، فإذا شكلت أوكرانيا في حيثيات الخلاف السياسي الاستراتيجي الحالي بؤرة الصراع الرئيسة، فليس مستبعداً الانتقال بالحرب إلى ميادين أخرى.

وتمثل القارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي بخاصة بؤرة محتملة للصراع، في ظل تبادل استهداف المصالح الاقتصادية والطرق الحيوية، ولما تشكله أفريقيا من بعد حيوي في ظل التنافس الروسي والأميركي والأوروبي.
وقال مندوب السودان السابق بالأمم المتحدة السفير الخضر هارون أحمد في شأن ملابسات الأزمة الأوكرانية وتطوراتها، إن "الحديث عن هذه الأزمة لا بد أن يصطحب التداخل السكاني والثقافي والديني بين شعوب هذه المنطقة، بخاصة بين روسيا أوكرانيا وبيلاروس". وأضاف، "آخر رئيس للاتحاد السوفياتي هو ميخائيل غورباتشوف من أب روسي وأم أوكرانية، والمعارض الأشهر الفيلسوف الحائز على جائزة نوبل ألكسندر سولجنستن هو الآخر من أب روسي وأم أوكرانية". وأشار الخضر إلى "أن الأمر كان واضحاً أيام الشيوعية، فرئيس وزراء السوفيات نيكيتا خروشيف كان أوكرانياً وكذلك ليونيد بريجنيف وليون تروتسكي وغيرهم، ولا غرابة في ذلك في ظل العقيدة الشيوعية يومئذ".

وزاد، "صحيح أن غرب أوكرانيا كان جزءاً من بولندا وهواه أقرب إلى الغرب، لكن ما ذكرناه آنفاً يجب وضعه في الاعتبار عند الحديث عن الأبعاد الحقيقية وراء الأزمة".

ولفت السفير السوداني إلى أن "عالم السياسة الأميركي وأستاذ العلوم  السياسية في جامعة شيكاغو جون جي ميرشايمر أكد في محاضرة حديثة له أن أميركا وحلفاءها الغربيين هم المسؤولون عن الأزمة وليس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بسبب نياتهم توسيع حلف الـ (ناتو) شرقاً ومحاولة ضم أوكرانيا إليه، وضمها كذلك إلى الاتحاد الأوروبي لتصبح حليفاً للولايات المتحدة".
الآثار المباشرة وغير المباشرة
وعما يمكن أن تحدثه الأزمة في تطوراتها، قال السفير السوداني إن "الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، تعهد شفهياً للرئيس الروسي آنذاك بوريس يلسن بأن الـ (ناتو) لن يتمدد شرقاً، لكن الذي حدث أنه قد تمدد بالفعل مستغلاً غياب الخصم اللدود الاتحاد السوفياتي، وكان أول تمدد عام 1999 عندما ضم الحلف إليه بولندا ورومانيا وجمهورية التشيك، ثم توالى التوسع واطرد عبر السنوات (2004 و2008) ليشمل  دول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وابتلعت روسيا كل ذلك على مضض، لكن عندما انعقد العزم وتم الإعلان رسمياً في أبريل (نيسان) 2008 خلال قمة للـ (ناتو) في عاصمة رومانيا بوخارست بأن الحلف سيتمدد ليضم جورجيا وأوكرانيا، أبدت روسيا موقفاً رافضاً وأعلنت أنها لن تسمح بذلك، وكانت ألمانيا وفرنسا اعترضتا على ذلك المسعى باعتبار أنه سيخلق مشكلات مع روسيا، لكن الضغط الأميركي كان أقوى، وبالفعل غضبت روسيا ورفضت هذا التوجه وأكدت أنها لن تسمح بأي تمدد يشمل جورجيا وأوكرانيا وكان ذلك سبب الحرب الروسية - الجورجية عام 2013". وأضاف أن "الرئيس الروسي لا يرغب في ضم أوكرانيا ويريدها فقط أرضاً محايدة تفصل بينه وبين الـ "ناتو"، لأن ثمن احتلالها باهظ مادياً ومرهق أمنياً وفق آراء بعض المحللين".
ولفت مندوب السودان السابق في الأمم المتحدة إلى أنه لا يتوقع "أن تتخطى الحرب النطاق الأوروبي، وبالتالي أستبعد أن تصل آثارها المباشرة إلى أفريقيا والقرن الأفريقي. وبحال توسعت وطال أمدها ستحدث استقطاباً في أفريقيا والعالم الثالث كالذي كان إبان الحرب الباردة في القرن الماضي، بمعنى أن ينقسم ولاء الدول الأفريقية بين روسيا والغرب بمستوى أقل حدة، فروسيا ليست في قوة وتأثير الاتحاد السوفياتي السابق، كما أن الصين أصبحت لاعباً رئيساً على الساحة الدولية ولها قدرها ونصيبها المتنامي في التنافس الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أفريقيا والاهتمام الروسي

في المقابل، رأى الباحث السياسي في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد أن "الحرب الروسية - الأوكرانية تشكل بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية على مستوى العالم، لما تتركه من آثار ضخمة وتداعيات كبيرة على مستوى العالم". وفي ما تمثله أفريقيا بخاصة ضمن دائرة الاهتمام الروسي، قال عبدالعزيز إن "أفريقيا شكلت في الماضي مسرح تنافس استطاعت روسيا في الآونة الأخيرة إحداث تغيرات حقيقية فيه حدّت من النفوذ التقليدي لدول مثل فرنسا وبريطانيا اللتين قادتا النفوذ الأوروبي في القارة الأفريقية طوال القرنين الماضيين". وأضاف، "عملت روسيا على بناء نفوذها الحديث في شرق وغرب ووسط أفريقيا موظفة مكاسب سابقة لها في علاقات الاتحاد السوفياتي التاريخية مع الدول الأفريقية، ومستفيدة كذلك من التمرد الأفريقي المتصاعد ضد دول أوروبية مثل فرنسا في معاقلها التاريخية التقليدية، في مالي وبوركينا فاسو وتشاد وغينيا، وبعض دول الساحل الأفريقي".

التنسيق الروسي - الصيني

وضمن حيثيات الحرب الحالية في أوكرانيا واحتمالاتها، صرح عبدالعزيز، "ربما تقود التطورات إلى تسابق لا تستثنى منه القارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص، إذ إن اهتمام روسيا بتلك المنطقة التي تتسع في بعدها الأمني لتشمل دولاً مثل السودان وكينيا إلى جانب إثيوبيا وأريتريا والصومال وغيرها، ناجم عن حرصها الحقيقي على توطيد وجودها على البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب، وخلق نفوذ لها في المياه الدافئة في الشرق الأوسط، ووفق بعض الاستراتيجيين لضمان عدم محاصرتها بواسطة التحالف الأميركي - الغربي في مناطق نفوذها في سوريا وإيران".

وزاد أن "ما تشكله منطقة القرن الأفريقي من أهمية سواء في  البحر الأحمر أو خليج عدن والمحيط الهندي، وإشرافها على مضيق باب المندب وأهم الممرات المائية في العالم تجارياً وعسكرياً، كلها عوامل تضع المنطقة بأكملها في دوائر الاهتمام والتأثر بأي تطورات مستقبلية طالما اتخذ الصراع بعده التنافسي".
وأشار عبدالعزيز إلى أن "روسيا في تمدد نفوذها بالقارة الأفريقية تعمل بتنسيق متبادل مع الصين، وتتفق آراء بعض الباحثين على تعاون الدولتين بهدف خلق تحالف مواز للمحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، ولمواجهة أي احتمالات مستقبلية سواء في تطور الأزمة أو حلها سلمياً".

المزيد من تقارير