Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برناردين إيفاريستو كتبت حكايات السود البريطانيين في "مانيفستو"

قررت الحصول على البوكر وفازت بها وباراك أوباما من قرائها

الروائية البريطانية برناردين إيفاريستو (جائزة بوكر)

قبل فوزها بجائزة بوكر عام 2019، لم تخلُ مسيرة برناردين إيفاريستو من بعض الإنجازات، لكنها لم تستطِع تحقيق الشهرة التي لطالما طمحت إليها. كانت البوكر بالنسبة إلى إيفاريستو حدثا تاريخياً وثورياً، إذ أصبحت بين عشية وضحاها أول امرأة سوداء وأول كاتبة بريطانية سمراء تفوز بالجائزة.

عام 1997، عندما نشرت "لارا"، روايتها الشعرية التي تصور تاريخ عائلتها، كتبت تقول إنها ستحصل يوماً ما على الجائزة المرموقة. "خيال جامح لأنني كنت بعيدة كل البعد من فوز كهذا. ومع ذلك، كنت أدرك أن الفوز بهذه الجائزة بوسعه أن يحسّن من حياة الكاتب، ويلفت الانتباه إلى أعماله". وهذا ما حدث بالفعل، إذ حظيت روايتها المتعددة الأصوات "فتاة، امرأة، أخرى" باهتمام نقدي لا نظير له، وتُرجمت إلى 35 لغة، وأصبحت الكتاب المفضل لعدد كبير من الشخصيات، منهم باراك أوباما وروكسان غاي.

تحدثت إيفاريستو، في عدد لا بأس به من الحوارات، عن الطريق الوعر الذي كان عليها أن تمهده ببطء ومثابرة للوصول إلى هذه المرحلة من التحقق والنجاح. وهو ما يجعلها تعتقد أن إبداعها يعود إلى سنواتها الأولى وخلفيتها الثقافية والتأثيرات التي شكلت حياتها، ومن بينها والدها، المهاجر النيجيري: "لقد ورثت عنه لوناً حدد نظرة الناس إليّ في البلد الذي ولدت فيه، أي بصفتي أجنبية، غريبة".

عن هذا الطريق الطويل المليء بالفخاخ، يدور كتاب إيفاريستو "مانيفستو: عن عدم الاستسلام مطلقاً" الصادر حديثاً عن دار غروف للنشر.

لا تراجع ولا استسلام

في سرد حميمي وملهم، يستعرض الكتاب جانباً من السيرة الذاتية لمؤلفته، طفولتها وسنوات مراهقتها كممثلة وكاتبة مسرحية شابة في لندن، وتفاصيل عن وعيها السياسي المبكر ونشاطها، ومسيرتها المهنية حين تمردت على التيار السائد وقاتلت بمنتهى الضراوة للدفاع عن القصص الغائبة في العالم الأدبي من حولها.

على مدى أكثر من ثلاثة عقود من التركيز على تاريخ البريطانيين السود، رفضت إيفاريستو السماح لأي نوع من الحواجز بالوقوف في طريقها. فهي ببساطة من تلك الشخصيات التي لا تمتلك رفاهية القدرة على التوقف. من تلك الزاوية، يمكن النظر إلى كتابها الجديد كمصدر للإلهام لكل من لم يحالفهم الحظ على طول الطريق بسبب سيل من العوائق لا قبل لهم به. إنها تفتح بمثابرتها الهائلة كوّة من النور بوسعها أن تمدهم بالطاقة اللازمة لمواصلة العمل الذي يؤمنون به، حتى عندما يشعرون بالتجاهل أو بالانتقاص، لا سيما أن إيفاريستو انتصرت في نهاية المطاف، وأصبحت أول كاتبة صاحبة بشرة ملونة تتولّى منصب رئيسة الجمعية الملكية للأدب.

من خلال بعض تجاربها العاطفية، توضح كيف تتشابك حياة المبدع مع علاقاته الخاصة بشكل يتعذر فصله. في أحد الفصول، نكاد أن ننكمش تحت وطأة السطوة حين تحدثنا عن علاقة حميمة طويلة مع امرأة هولندية تبلغ ضعف عمرها: "ذات مرة، صدرت أنطولوجيا تضمنت بعض قصائدي. لكن تلك المرأة المستبدة أقنعتني بأنها أفضل مني في قراءة شعري. وفي مناسبة أخرى، حاولت إقناعي بعدم تقديم قصائدي للناشرين، واقترحت بدلاً من ذلك أن أطبعها وأوزعها في عرض الشارع". على النقيض، تسترد إحساسها بالذات وقوة إرادتها حين تجرّب العلاقة مع رجل يحبها. "لو بقيت مع تلك المرأة، لكنت بلا شك توقفت عن الكتابة نهائياً".

تفصل إيفاريستو كثيراً من الحواجز التي يضعها العالم في طريق الفن على الرغم من أنه وسيلتنا الوحيدة للنجاة. شيء كالسكن نادراً ما يُلتفت إليه في رحلة الفنان على أهميته القصوى. فهي تستعين ببوابة الدخول إلى واحة الفن من منظور فيرجينيا وولف "غرفة تخص المرء وحده"، في الحديث عن رحلتها مع السكن في غرفة مطلية من الأرضية إلى السقف بـ"طلاء أحمر لامع مبهر" في عقار رخيص تابع لجمعية الإسكان، مخصص للهدم إلى شقة مستأجرة في نوتينغ هيل، غرب لندن، التي اقتحمها ابن المالك عنوة حين كانت بعيدة في معتكف الكتّاب. "لقد ربح. كان عمري 42 سنة، بينما كان هو في الـ19".

الضحايا الجلادون

عام 1973، نشرت "نيويورك تايمز" تلك الملاحظة عن توني موريسون: "إن توني موريسون موهوبة للغاية بحيث لا يمكنها أن تظل مجرد مؤرخة للجانب الأسود من الحياة الأميركية الإقليمية. إذا كانت تريد الحفاظ على جمهور كبير وجاد تستحقه، فعليها التعامل مع واقع معاصر أكثر خطورة". ردت موريسون على تلك الملاحظة بعد أكثر من عقد من الزمان، حين سُئلت عما إذا كانت ستتغير وتدرج الحياة البيضاء في عملها بشكل جوهري: "لا يمكنك أن تسألي كاتباً أبيض، متى ستكتب عن السود؟".

الموقف ذاته تدرجه إيفاريستو في مذكراتها الجديدة: "لقد سُئلت، بكل جدية، متى أتقدم إلى ما بعد الكتابة عن الملونين، كما لو أنها مرحلة يعبرها المرء ليصل إلى المستوى التالي من التنوير البشري". ومع ذلك، كما لاحظت موريسون، فإن مسألة التمثيل العرقي للشخصيات ليست موضوعاً يُسأل عنه الكتّاب البيض الذين لا يدرجون الأشخاص الملونين في كتاباتهم، حتى ولو كتبوا عن المجتمعات المعاصرة متعددة الأعراق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكتب إيفاريستو في بيانها: "بصفتي امرأة، ومن الطبقة العاملة، وداكنة البشرة، فإن القيود قد أحكمت لي حتى قبل أن أفتح فمي لأبكي صدمة طردي من رحم أمي الدافئ المحيط بالجنين". لم يسلم بيت عائلة إيفاريستو من قذف الطوب على نوافذه، انحدار الأم البريطانية البيضاء بإقدامها على الزواج من رجل أسود لم يكُن ليسوغ لها بحسب تحذيرات عائلة والدتها: "إنجاب حيوانات أقل شأناً". هذه العائلة التي هرب بعض أفرادها من الاضطهاد النازي كانت بمثابة الدرس الأول للطفلة التي كانتها إيفاريستو آنذاك، إذ رأت بعينيها كيف يمكن للأشخاص الذين يقعون ضحايا للقمع أن يتحوّلوا بدورهم إلى مضطهِدين".

المثير للفزع أن إيفاريستو نفسها، فشلت في الانتصار لوالدها النيجيري: "كنت أشعر بالحرج من بشرته الداكنة للغاية وأتذكر عبوري الطريق عندما أراه يسير نحوي. لقد كنت أحمل داخلي عنصريتي الخاصة، البريئة والبسيطة".

إيفاريستو واحدة من ثمانية أطفال، نشأت في منزل مكون من 12 غرفة في وولويتش، جنوب شرقي لندن، وهو منزل يمكن أن يكون مقدمة لمسلسل هزلي، إحدى حلقاته تدور حول البانيو الذي اشتراه والدها ولكن لم يتم تركيبه أبداً، مما أجبر الأسرة بأكملها على الاستحمام في الأحواض. أخرى تركز على المرآب الذي بناه بلا سقف، والعوارض الخشبية العارية التي سقطت من خلالها في العلية، تاركة "جرحاً على شكل أب في السقف". لقد استقبل هذا البيت مستأجرين على مر السنين، من بينهم عائلة من الهند. تكتب: "لا بد أن المنزل قد تأوّه تحت وطأة عدد كبير من السكان... غادر الأطفال الأكبر سناً بعد فترة ولكن سبعة منهم بقوا معنا لمدة عامين، إضافة إلى عائلتنا المكونة من 10 أفراد".

يمتد الكتاب ليشمل كواليس تجربتها الإبداعية، كتاباً بعد كتاب، بما في ذلك "طفلة الإمبراطور" و"روح السياح" و"الجذور الشقراء"، بكل المشكلات التي واجهتها قبل الكتابة وأثناءها، كيف بدأ البعض كقصائد أو قصص قصيرة وتطور إلى كتب طويلة. كيف تدفقت بعضها بسهولة، بينما ألقي البعض الآخر في سلة المهملات وأُعيدت كتابته بالكامل. لتتشكل لنا في النهاية صورة للفنان المنخرط في فعل الخلق.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة