Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هذا ما فعله إخوتنا بنا": الأوكرانيون يبحثون عن ملاجئ أو يتوجهون إلى الجبهة

أكد لي أحد المسؤولين رفيعي المستوى في كييف أنهم أحبطوا عدداً من المؤامرات الروسية بما فيها واحدة خلال تظاهرة سلمية أمام المبنى الرئاسي

"يحرص الأشخاص الذين يتذكرون فترة الحكم السوفياتي على سرد الذكريات المرة" (أ ب)

 قبل أسابيع من الغزو الروسي المتفجر للجارة الأوكرانية، كان إقليم دونباس، الواقع شرق البلاد، لا يزال يعيش في جو هادئ ووادع بشكل غريب. وبينما شوهد الأطفال يلعبون ويقفزون في المتنزهات المغطاة بالثلج، كان الموظفون يتجولون عبر الطرقات الجليدية ويقصدون المقاهي الصغيرة والمكاتب الواقعة في المباني السكنية التي أحدثت فيها وحولها قذائف الهاون شقوقاً، وقد فرغت إلا من بقايا الأرواح التي أهلكت.

ولكن حتى بعد مضي ثماني سنوات على الحرب في منطقة دونيتسك الانفصالية المدعومة من روسيا، أدرك فيتاليتي باراباش، رئيس الإدارة العسكرية المدنية في مدينة أفيديفكا، بأن هنالك أمراً مريباً يحصل... "كان الوضع هادئاً بشكل غريب خلال الأيام القليلة الماضية"، بحسب ما قاله... "وهذا ما يعني بأن شيئاً ما يحصل بالفعل. يشعر الجميع بالخوف عندما يكون الوضع بهذا الهدوء المريب".

غالباً ما يقضي الجندي حياته في الانتظار، انتظار التهديد التالي والانفجار التالي والغزو الرهيب التالي. وقد حمل عشرات الأوكرانيين السلاح في السنوات الأخيرة للدفاع عن سيادة البلاد. فبعد الثورة الأوكرانية المؤيدة للاتحاد الأوروبي عام 2014، والتي شهدت إطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا من الحكم وما استتبع ذلك من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والهجوم الانفصالي في شرق البلاد، ازداد عدد القوات الأوكرانية بشكل مطرد من 6000 جندي إلى أكثر من 200 ألف جندي، نسبة ملحوظة منهم من النساء.

لولا اللباس العسكري البارز وزي الجيش الأوكراني، لكانت تاتيانا فاغريدستسك (39 عاماً)، بدت كأي امرأة عاملة وربة منزل. كانت القائدة العسكرية الحالية معلمة روضة في عام 2014 عندما اندلعت الحرب. واستذكرت قائلةً: "كنت أعمل مع الأطفال، وفي أحد الأيام نظرت في عيونهم وأدركت أنني بحاجة للقتال من أجل أولادنا ومستقبلهم وحريتهم".

حصلت مئات النساء على التقدير بسبب خدماتهن القتالية منذ عام 2014، حتى إن العشرات دفعن أغلى الأثمان، وصولاً إلى الاستشهاد في الدفاع عن سيادة أوكرانيا. وفي هذا السياق، قام وزير الدفاع الأوكراني في أواخر العام الماضي بتوسيع المعايير المرتبطة بالنساء الأوكرانيات المفوضات بموجب القانون بالتسجيل في التجنيد العسكري في حال نشوب نزاع موسع يطال جميع الأراضي الأوكرانية. ويلحظ القانون وجوب تسجيل النساء بين 18 و60 عاماً مهما كانت مهنهن وأعمالهن، سواء كن موسيقيات أو أمينات مكتبة أو صحافيات أو طبيبات بيطريات أو معالجات نفسية للانضمام للتعبئة العسكرية كجزء من الاحتياط الوطني.

ومن شأن النساء وأرباب عملهن أن يواجهوا غرامات ستفرض عليهم في حال عدم التسجل ضمن مقاطعة سكنهن بحلول نهاية عام 2022، فضلاً عن ذلك، سيتوجب على النساء اللاتي يتقدمن لوظائف ضمن مهن ملائمة أن يبرزن شهادات التسجيل العسكرية.

وتتابع فاغريدستسك بالقول: "عندما ترين إخوتك وأخواتك يموتون، فهذا أكثر من قدرة المرء على التحمل. لطالما شكلت الحرب كابوساً. إنها صدمة نفسية كبيرة تستمر آثارها طيلة الحياة، ولكن علينا السعي دائماً إلى تحقيق النصر. أرى الأشخاص الذين يعيشون هنا، وأرى المباني المدمرة. كما أرى اللاجئين والمهجرين الذين يبحثون عن أماكن أخرى يقطنون فيها. أشعر بالألم النفسي عندما أرى ذلك. جل ما نريده هو الحق في العيش في أوكرانيا واحدة غير مقسمة. نريد حريتنا ونرغب بالعيش في مجتمع ديمقراطي".

وفيما غادرت اجتماعي مع الجنود، وأثناء تجولي عبر الشوارع المدمرة المرصوفة بالمباني المنكوبة والمنازل المحطمة، هاجمني عند زاوية الشارع رجل مسن موالٍ للنظام الروسي، ويبدو أنه فقد بعضاً من أسنانه وراح يصرخ متسائلاً عن سبب وجود مواطنة أميركية هنا، ونهرني قائلاً إنه عليّ أن أعود أدراجي مع ديمقراطيتي.

حتى أثناء بدء الغزو بشكل مكثف خلال أولى ساعات يوم الخميس ومع قصف المدن وشل الدفاعات الجوية الأوكرانية في جميع أنحاء البلاد، أخبرني زملاء لي في روسيا بأن هذا كله كان مجرد صورة عابرة مرت مرور الكرام على القنوات الأخبارية الذي تسيطر عليها الدولة، فقد عمد الرئيس الروسي بوتين إلى تلميع المخطط الدعائي منذ بعض الوقت، مروجاً بأن حكومة كييف تضطهد بشدة المتحدثين بالروسية وترتكب نوعاً من "الإبادة الجماعية" ضد شعبها.

وأكد لي أحد المسؤولين رفيعي المستوى في كييف بأنهم أحبطوا عدداً من المؤامرات الروسية بما في ذلك توقيف مجموعة أخيراً، "حاولت إحداث بعض البلبلة" خلال تظاهرة سلمية أمام المبنى الرئاسي. "كان أحد المتظاهرين المزعومين يحمل إناءً مليئاً بالدم، وكان أحدهم يرتدي زي طبيب. يبدو أنهم حاولوا إحداث بلبلة مصورة يظهر فيها شخص ممدد بينما يستميت الطاقم الطبي في محاولات إسعافه". وأضاف قائلاً: "عثرت السلطات على ثلاث مجموعات مختلفة من الأشخاص ضمن الحشد يقومون بتحركات مماثلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت حذر فيه البيت الأبيض من الغزو الروسي المحدق وأرسل طائرات محملة بالسلاح من واشنطن إلى كييف خلال الأسبوعين الماضيين، التقيت مواطنين أوكرانيين حرصوا على التعبير عن امتنانهم الكبير على الدعم، مع التركيز بشكل واضح على منظومة "جافلين" الشهيرة المضادة للدروع. وتمسك عديد بخيوط الأمل الأخيرة راجين أن تتمكن هذه العبارات الصارمة من الولايات المتحدة، مقرونة بتعزيزات عسكرية واضحة من إعادة بوتين مجدداً إلى طاولة المفاوضات.

وأصر يوري بوتوسوف، الخبير في الدفاع ورئيس تحرير موقع "سنسور نت" Censor.Net بأن "هذا الأمر يشكل تغيراً جديداً بالنسبة لنا وللروسيين. لم يتوقع الروسيون هذه التوجه الحازم من الرئيس بايدن، فقد توقعوا بأن بايدن لن يتحرك أو بأن ردة فعله لن تتخطى الكلام، بيد أن شحن الأسلحة باتجاه أوكرانيا غير المعادلة".

ولكن، أكد عديد من المسؤولين رفيعي المستوى مراراً وتكراراً خلال الفترة التحضيرية التي سبقت أنه توجب على الغرب اتخاذ مزيد من الخطوات.

"نحن بحاجة إلى فرض عقوبات على موسكو الآن وليس لاحقاً"، هذا ما أخبرني به أحد المساعدين الواسعي الاطلاع في مكتب الرئيس زيلينسكي أثناء احتسائنا الشاي في العاصمة الأوكرانية التي غرقت في ظلام دامس. وتساءل قائلاً: "ما نفع العقوبات بعد أن يكون الضرر قد وقع بالفعل؟"

تعهد المدنيون الأوكرانيون من جميع المشارب القتال وعدم الاستسلام. ويحرص الأشخاص الذين يتذكرون فترة الحكم السوفياتي على سرد الذكريات المرة، ويستذكرون صعوبات الحياة اليومية ورغبتهم في عدم العودة إلى ذلك الحكم.

ويقول جينادي دروزينكو وهو محامٍ دستوري تحول إلى طبيب متطوع في الخطوط الأمامية: "لا يتعلق الأمر بالدفاع عن الذات وحسب، بل بحماية الحرية والاستقلال. يدرك الأشخاص هذا الأمر جيداً، وسيحملون بنادق الصيد الخاصة بهم وكل ما يستطيعون التسلح به للقتال. سينخرط العلماء والمحامون والمدرسون والأساتذة والجميع".

على الرغم من أنه ليس بوسع المرء الاستعداد فعلاً لإراقة الدماء، يقول عديد من الأوكرانيين بأنهم مستعدون للحرب. ولا شك أن أكبر أزمة للاجئين في أوروبا على وشك أن تبدأ، إذ يهرب الأشخاص خارج البلاد باحثين عن بصيص من الأمان وهم يجهلون متى أو كيف سيعودون.

أما بالنسبة للعائلات التي اختارت إيجاد ملاجئ في مناطقها، فالأمر برمته عبارة عن لعبة انتظار. وفي هذا الإطار، أخبرني مصدر متصل بالحكومة خلال الساعات التي تلت بدء الهجوم: "العائلة هادئة، أخبرنا الأولاد بأنها "لعبة"، ولكن يبقى علينا أن نرى إلى أين ستؤول الأمور. ترزح كييف تحت تهديد كبير من الشمال، لذلك علينا الانتظار لرؤية اتجاه كل تلك الأمور. للأسف، يشعر المسؤولون هناك بالتشاؤم. لا تزال الأمور مبهمة".

عندما تجول بنظرك إلى أحد الجيران، ينتابك نوع من المشاعر الخاصة الثقيلة... "هذا ما فعله إخوتنا بنا"، يقول لي منتحباً أحد القادة السابقين في القوات الخاصة الأوكرانية.

هولي ماكاي هي مراسلة حربية ومؤلفة كتاب "Only Cry for the Living: Memos From Inside the Isis Battlefield" (صرخة للأحياء: مذكرات من داخل ساحات معركة "داعش")

© The Independent

المزيد من آراء