Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تزال "الحرب الاميركية على المخدرات" ترهق كاهل اميركا اللاتينية بعد 50 عاما على بدايتها

تمكّنت عصابات الاتجار بالمخدرات من التغلغل في مؤسسات الدول الى درجة أن الرتب العليا في الشرطة والجيش متهمة بالتورط معها

نموذج مما تصل إليه يد القانون في سياق الحرب على المخدرات في أميركا اللاتينية (أ.ب)

إذا أردت نظرة أعمق إلى المستويات الخطيرة للعنف الاجتماعي والسياسي ومدى تفسّخ الديمقراطيات الهشّة أصلاً، في أميركا اللاتينيّة في العقود المنصرمة، فعليك أن تنظر إلى الزيادة المطّردة في تجارة الكوكايين والماريجوانا.

منذ شروع الولايات المتحدة في الترويج لما يسمّى "الحرب على المُخدّرات" في سبعينيات القرن العشرين، ارتفعت نسبة الجرائم المتعلقة بتجارة المُخدّرات، حتى أصبحت إحدى المشاكل الرئيسة التي تعانيها المنطقة. وبعد مرور 50 سنة تقريباً، يجدر بنا أن نفهم كيف أثّرت هذه الحرب على الدول التي يجري فيها إنتاج المُخدّرات والاتجار بها.     

من الجليّ أن الحرب على المُخدّرات فشلت في التصدي لتدفق العقاقير غير المشروعة إلى المستهلكين. وبالكاد تمكّنت السياسات الحكومية من تقليل مساحات الأراضي المستخدمة لزراعة نبتة الكوكا، بل أن التقدّم التكنولوجي قد أسهم في زيادة عدد النباتات المزروعة في الهكتار الواحد.

في المقابل، لم تنخفض نسب تعاطي المُخدّرات؛ بل ازدادت في عدد من الدول التي يجري فيها إنتاج المُخدّرات والاتجار بها. 

بعد بضع سنين على بدء الحرب على المُخدّرات، كانت عصابات تجارة المُخدّرات قد اخترقت الصفوف العليا للسلطة في عدد من دول تلك المنطقة.

وأثناء تلك المدة، ذاع صيت بابلو إسكوبار في كولومبيا بوصفه عملاق تجارة المُخدّرات، وكان يهيئ نفسه للانتقال إلى الحياة السياسية، لكنه استبدل تلك الاستراتيجيّة لاحقاً باخرى مستندة إلى العنف والإجرام.

وعبر عقود متعاقبة، موّلت أموال المُخدّرات نشاطات عدد من المجموعات المسلّحة، وانبثق عن ذلك ظاهرة القوات شبه المسلحة في كولومبيا أثناء فترة عُرفت بأنها حقبة "تدهور الصراع الداخلي المسلّح" الذي خلّف آلاف القتلى وملايين من النازحين.

في سبعينيات القرن العشرين، أثناء وقوع أميركا الوسطى تحت وطأة الحصار الذي سببه النزاع المسلح في عدد من دولها، تصاعد نفوذ السلطات العسكرية فيها.

وغذّى انتصار الثورة الساندينية في نيكاراغوا عام 1979 ضغوط الولايات المتحدة على المنطقة، فيما يمكن اعتباره إحدى اخر مواجهات "الحرب الباردة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفاوض عملاء الولايات المتحدة مع تاجر المُخدّرات الهندوراسي خوان رامون ماتا، بهدف استخدام أموال مشبوهة في تمويل قوات "كونترا" في نيكارغوا ومكافحة التمرّد في غواتيمالا والسلفادور. لاحقاً، شكّلت هندوراس (وغواتيمالا) جزءاً أساسياً من طريق التهريب، وكانتا بمثابة جسر بين المكسيك والدول المُنتجة للمُخدّرات في أميركا الجنوبية.

وفي مطلع القرن 21، فرضت كارتلات مُخدّرات مكسيكية كبرى نفسها على أميركا الوسطى كنتيجة للحرب المكسيكية على المُخدّرات التي قادها الرئيس المكسيكي فيليبه كالديرون (2006 – 2016). وبعد وصول تلك العصابات هناك، تفاقمت نسب العنف في المنطقة، بل صار ما يسمّى دول المثلث الشمالي (هندوراس، وغواتيمالا، والسلفادور) من الدول الأكثر عنفاً في الكرة الأرضية.

لعل المثل الأبرز على ذلك هو كولومبيا. إذ أعطت اتفاقية سلام وقّعتها الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك" عام 2016، آمالاً إلى الكولومبيين عامة، ونشطاء حقوق الإنسان خصوصاً، إلا أنها فشلت في الحفاظ على الوعود التي قطعتها.

وفقاً لنظام المعلومات الخاص بتسجيل الاعتداءات على نشطاء حقوق الإنسان، شهدت الفترة بين2016 و2018 اغتيال 263 ناشط، ورافق ذلك زيادة كبيرة في عدد الهجمات المُسجلة عام 2018.

وأدّت فضيحة "بارابوليتيكا" المشهورة إلى تسليط الضوء على مدى تأثير عصابات الجريمة المنظمة في هرم السلطة الكولومبي. وقد سُجن على إثر تلك الفضيحة أكثر من 60 سيناتور لتورّطهم مع عصابات مسلحة مشبوهة.

ومن نواحٍ عدّة، تشبه حالة أميركا الوسطى ما يحصل في كولومبيا. وفي ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، اتّخذت سلسلة من الحروب الأهلية الدموية من هذه المنطقة مسرحاً لها، وانتهت بتوقيع اتفاقيات سلام، اخرها اتفاقية السلام الموقعة في غوتيمالا عام 1996. لكن منذ ذلك الحين، لم تنخفض مستويات العنف في المنطقة.

عقب انتهاء نزاع خلّف أكثر من 200 ألف قتيل و45 ألف مختفٍ قسرياً، أُعيدتْ هيكلة سلطات معينة في غواتيمالا، لكن إذا بها أيضاً تشارك بنفسها في النماذج الجديدة للجريمة المنظمة والقمع وبسط النفوذ.

توطّدت العلاقة بين مجموعات سياسية وعسكرية مهمة وتجار مُخدّرات بقوة أكبر منذ ثمانينيات القرن العشرين.

بعد انقلاب عام 2009، مرّت الهندوراس بمرحلة تدهور سياسي أدى إلى عسكرة هائلة للأمن العام وزيادة العنف ونشاط الجريمة المنظمة. لقد تمكنت عصابات تجارة المُخدّرات من التغلغل في مؤسسات الدول إلى درجة أن الرتب العليا للشرطة والجيش اتّهمت بتورطها مع كارتلات المُخدّرات.

أدّت المستويات الخطيرة للعنف وسياسنة عدم المساءلة دوراً مهمّاً في إشعال فتيل الهجرة القسرية في الهندوراس، وهي ما تناولته وكالات الأنباء في الآونة الأخيرة مع رصدها ظاهرة كرفانات المهاجرين التي تشق طريقها إلى الولايات المتحدة.

إلّا أن ردة فعل الدول في سياق الحرب على المُخدّرات لم تؤد لسوى صبّ الزيت على النار. ومثلاً، لم تتمخّض نتائج إيجابيّة عن حملة اجتثاث نبتة الكوكا في كولومبيا.

إذ تحدث تقرير عن اغتيال 38 قائد وعضو من "الرابطة الوطنية لمنتجي الكوكا وبذور الخشخاش والماريغوانا" بين 2017 ويونيو (حزيران) 2018. إضافة لذلك، ازدادت نسب الاستبداد وتطبيق القانون العرفي، في ظل زعم السلطات أنها تهدف إلى مكافحة النشاط الإجرامي من خلالهما.

إن عسكرة الأمن العام في هندوراس قابلته زيادة في انتهاكات حقوق الانسان، خصوصاً في زمن الأزمات السياسية الحرجة. ليس غريباً أن تكون نسب الجرائم في الدول الرئيسة الواقعة على طريق تجارة المُخدّرات هي الأعلى عالميّاً، بل تفوق عنفاً تلك الدول التي صنّفتها الأمم المتحدة بأنها دول وصل فيها العنف إلى مستوى وبائي.

لقد أمسى عمل نشطاء حقوق الإنسان خطير، إلى درجة أن يعتبر البعض عملهم بطولياً. ويخاطر أولئك الأشخاص بحياتهم، ويجبرون على تقاسم أجواء الخوف والترهيب التي تمارسها عصابات الجريمة المنظمة مستعينة بنموذج الحرب على المُخدّرات. ووفقاً لتقرير من منظمة "غلوبال ويتنيس" عام 2016، قُتِل في هندوراس وحدها 123 ناشط بيئي بين عامي 2009 و2016.   

وبالطبع، يتطلّب التصدي لاقتصاد غير شرعي وصل إلى تلك المستويات العالية، تعاوناً دولياً كبيراً، بما في ذلك ملاحقة دؤوبة تهدف إلى إيقاف جميع النشاطات المتعلقة بغسيل الأموال في النظام المصرفي العالمي.

لكننا لن نحقق ذلك في ظل انعدام الشفافية في القطاع المالي واستمرار وجود ملاذات ضريبية. إنّ معضلة المُخدّرات هي معضلة العالمية ويجب أن يكون حلّها مبيناً على حقائق إنسانيّة.

© The Independent

المزيد من آراء