Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حرب أوكرانيا وشيكة؟

تحشيد روسيا إلى 190 ألف جندي ليس للنزهة أم للتباهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر مراسم وضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول على جدار الكرملين (أ ف ب)

تتجه أنظار العالم نحو أوكرانيا، بعد التحشيد العسكري الروسي الهائل منعاً من وصول "الناتو" إلى الحدود المباشرة لروسيا، فهل ستندلع الحرب مع الغرب ضد روسيا المؤيدة من طرف الصين أم ستسحب أوكرانيا طلب الانضمام لعضوية حلف "الناتو" وتنتهي الأزمة؟ وهل الأمر بهذه البساطة وللأزمة أبعاد سياسية واقتصادية وتاريخية؟

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتمد بالدرجة الأساس على الأفكار التقليدية في أهمية المحيط الروسي والمجال الحيوي من العهد القيصري إلى السوفياتي وما يضم من جغرافية تبدأ من أواسط آسيا وبلدان القوقاز والبلطيق وصولاً إلى أوكرانيا ودول شرق أوروبا، إضافة إلى الجانب الديني من منظور أرثوذكسي تجاه العالم والعلاقات الدولية، وعلى هذين الخطين الرئيسين يبني بوتين الاستراتيجية الروسية.

وهذا يعني أن العقلية القيادية لدى بوتين تمنح الجانب السياسي دعماً دينياً، فعلى سبيل المثال، هو يأخذ من الدولة السوفياتية مجالها الحيوي وحسب، لكنه ينبذ محاربتها للدين، ويعيد للكنيسة ورجال الدين المكانة من التبجيل الروحي في جمهورية روسيا الاتحادية الحالية. وهذا المدخل مهم في فهم السبب على إقبال بوتين باستخدام القوة العسكرية تجاه أوكرانيا، خصوصاً أن حلف "الناتو" يضم أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية وتركيا المسلمة، وهذا الحلف يحيط على نحو فعّال في المجال الحيوي الروسي، فما قولك إذا تمدد إلى حدود روسيا؟

يرجع البعض إلى أن التوتر الأخير بين روسيا من جانب، وأوكرانيا وحلف "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر، ليست سوى نتيجة لمقدمات سقبتها تعود إلى 10 فبراير (شباط) 2007، عندما ألقى بوتين خطابه الشهير في مؤتمر ميونيخ للأمن، إذ وجه فيه انتقادات شديدة اللهجة إلى الغرب، وأكد أن نموذجاً أحادي القطب لم يعد ممكناً في العالم المعاصر، وحمّل في خطابه الدول الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة المسؤولية عن محاولة فرض معايير خاصة بها على دول أخرى، مشدداً على ضرورة أن يكون ميثاق الأمم المتحدة الآلية الوحيدة لتبني قرارات بشأن تفويض استخدام القوة العسكرية، وحينها شهدت العلاقات تدهوراً ملحوظاً بين موسكو والغرب، حتى كادت أن تصل إلى شفا حرب باردة جديدة.

وعندما عقد "الناتو" قمته في بوخارست، أبريل (نيسان) 2008، تعهد رسمياً بمنح كل من جورجيا وأوكرانيا العضوية فيه، عندما تتوافقان مع معايير الحلف، ولقد دفع هذا الإعلان بموسكو أن توجه انتقادات وتحذيرات شديدة، وحذر رئيس هيئة الأركان الروسي وقتذاك يوري بالويفسكي من أن موسكو في حال تطبيق هذه الوعود ستضطر إلى اتخاذ "إجراءات عسكرية أخرى لضمان مصالحها قرب حدودها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا تفاقم الوضع مع أوكرانيا تدريجاً حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وبحسب افتتاحية صحيفة "ديلي تلغراف" "The Daily Telegraph" البريطانية بتاريخ 16 فبراير الحالي، إلى وجود انقسام كبير في موقف القادة الأوروبيين بشأن الأزمة الأوكرانية الروسية، إذ فضل بعضهم انتهاج سياسة ترقى إلى تهدئة موسكو، بينما سعى آخرون إلى دعم حق أوكرانيا في تقرير مصيرها. ووفق تحليل الصحيفة، فإن الولايات المتحدة يتسم موقفها بالقوة من الناحية الخطابية ولكنها ليست مستعدة لفعل الكثير ما عدا التحذير من عقوبات مدمرة ستفرضها على روسيا في حال إقدامها على غزو أوكرانيا، وبالمقابل، يظهر الكرملين أنه لا يخشى هذه الاجراءات.

كما تشير صحيفة "تلغراف" أيضاً، إلى أن بوتين لا يملك القوة التي يدعيها، فروسيا تعيش حال تدهور اقتصادي وتراجعاً في تطور البنية الاجتماعية مقارنة مع بقية العالم، إضافة إلى تجاوزاته التي دفعت العديد من جيرانه للاقتراب من الغرب، إلا أنها تقرّ بأن هناك عاملين أساسيين يجبران الدول الديمقراطية على التعامل مع الرئيس بوتين بجدية، هما قوة الجيش الروسي وتجاهل الكرملين المتهور المعايير الدولية وفق رأي الصحيفة.

والنقطة الأهم التي تطرحها صحيفة "تلغراف"، بأن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" غير وراد في الزمن المنظور، ولا توجد مؤشرات تذكر على استعداد أي من الدول الغربية لمعالجة نقاط الضعف التي مكّنت بوتين من تخويف الغرب، إذ لا يزال استثمار الدول الأعضاء في "الناتو" ضئيلاً في مجال الدفاع، ولا تزال الشعوب الغربية تفتقر للجرأة اللازمة لمواجهة قوى الاستبداد.

صفوة القول، إن ما يجري في الإعلام من احتمال اندلاع حرب، لا تبقي ولا تذر، أمر تستبعده حقائق الواقع الميداني، لا سيما أن التسوية ممكنة إلى حد ما وذلك بتراجع أوكرانيا عن عضوية حلف شمال الأطلسي، ولكيلا تعيد روسيا عرض جبروتها العسكري على حدود أوكرانيا، يجب أن تكون هناك تسوية نهائية مقبولة بين روسيا والغرب، وهذا الأمر حصل في سنوات الحرب الباردة، فلمَ لا يحصل الآن؟

وفي 20 فبراير الحالي، أشارت تسريبات إعلامية روسية، "روسيا اليوم عربي" "RT Arabic" إلى أن جو بايدن اقترح تقسيم أوكرانيا إلى منطقتين محتلتين: روسية وأميركية، ومع غرابة هذا المقترح، لكن يمكن أن يكون ضمن التسويات الجارية، وما خفي ربما أعظم. وفي كل الأحوال، فإن تحشيد روسيا إلى 190 ألف جندي على الحدود الأوكرانية ليس للنزهة أم للتباهي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء