Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وليد إخلاصي انطلق وجوديا في القصة ثم مال إلى رواية الحرية

رحل عن 87 عاماً وكتب في مجال المسرح واستوحى مدينة حلب وذكرياتها

الروائي والقاص والمسرحي السوري وليد إخلاصي (صفحة الكاتب - فيسبوك)

رحل الروائي والقاص والمسرحي السوري الرائد وليد إخلاصي عن سبعة وثمانين عاماً في الموسم السوري "المزدهر" للموت والهجرات. رحل أبو خالد الصديق الذي تزدهي به ألقاب النبيل والوفيّ والمتواضع والمهندس الزراعي حامل شهادة الدراسات العليا القطنية من جامعة الإسكندرية عام 1960.

في مسرحية وليد إخلاصي "الليلة نلعب" ( 1970) يخاطب الرجل المرأة: "أريد أن أكتب للجنس البشري وأن أغني له. أيتها المرأة أريد أن أساهم في بناء الحضارة". ويمثل هذا الخطاب، وليد إخلاصي أصدق تمثيل. ولنترك له ان يحدثنا عن نشأته وخياراته الكبرى، كما جاءت في شهادته التي كتبها لي ولبوعلي ياسين (1942 - 2000) وأثبتناها في كتاب (الأدب والأيديولوجيا في سورية - 1974:): "والدي أزهري وفقير ذو ميول اشتراكية، ولكنه محافظ على القيم الأساسية للدين، في الوقت الذي ينقم فيه على الخرافات الدينية والنزعة السلطوية لبعض رجال الدين، وتلك النقمة أدت بالطرف الآخر إلى اضطهاده في أكثر الأحايين. لم أجد الجرأة يوماً في الانتساب إلى تنظيم سياسي، كنت أخاف السيطرة الفكرية على عقلي من خلال التعاليم الحزبية. لم أكن ضد التنظيم بالنسبة للآخرين، بل كنت أشجعهم على ذلك، أما بالنسبة لنفسي فأنا ضده، وهكذا لم أستطع أن أشارك جماعياً في أي صراع، ولكن هذا لم يمنع في أي يوم من الأيام من أن أتفهم طبيعة الصراع الطبقي الذي يشكل قاعدة الصراع السياسي في حياتنا العربية، وأن يصبح ذلك الصراع واضحاً في الكثير من أعمالي الأدبية. إن الحرية هي المناخ الأساسي لنمو الصراع، وهذا ما أكرس نفسي من أجله، وكذلك يأخذ النضال من أجل الحرية شكل الصراع ضد السلطة التي لا تزال في أشكالها الإدارية الموجودة رمزاً  للتعسف في أسوأ مظاهره".

الفردانية والإستقلالية

حافظ وليد إخلاصي غالباً على ما تؤكده هذه الشهادة من الفردانية والاستقلالية، فيما عدا ما دفعت الحياة السورية التي تواترت ضغوطها وتردياتها السياسية بالكاتب إلى رئاسة فرع اتحاد الكتاب العرب في حلب، أو إلى عضوية "مجلس الشعب".

حمل الرجل في مسرحية "الليلة نلعب" هذا الاسم "أنا"، وحملت المرأة الاسم نفسه. وإذا كنت أقرأ  في هذه التسمية تجذيراً للفردانية، فالكاتب نفسه يقول في مقابلة صحافية تعود إلى عام 1972: "بقناعتي أن الفرد العربي أرقى من الجموع العربية، وذلك من تجارب بعض الفنانين". وقد كانت الوجودية حاملة الفردانية في بداية حياة وليد إخلاصي الإبداعية. ففي روايته القصيرة "أحضان السيدة الجميلة" - 1969 تتواتر على لسان الأستاذ إسماعيل الأفكار والمفردات الوجودية. وتنبض بالوجودية باكورة الكاتب المسرحية "العالم من قبل ومن بعد" - 1964. وإذا كان نبض الوجودية قد أخذ يخفت في إبداعات الكاتب التالية، فقد عاد أقوى في رواية "أحزان الرماد" - 1975.

مؤثرات أربعة

بالقصة القصيرة كانت بداية وليد إخلاصي، وذلك في مجموعة "قصص" - 1963 التي أصدرتها مجلة "شعر" في بيروت. وقد جاءت هذه المجموعة التجريبية التي نأت عن القصة التقليدية، وأقبلت على الحداثة مع المجموعات القصصية التي جاءت عام 1960 لزكريا تامر (صهيل الجواد الأبيض)، ومظفر سلطان (ضمير الذئب)، وياسين رفاعية (الحزن في كل مكان). وقد عبّر وليد إخلاصي عن وعيه العميق بالمؤثرات الثقافية الأجنبية في نهجه الحداثي الذي أعلن عن نفسه بقوة في رواية "شتاء البحر اليابس" - 1965، وكنت قد سألته عن ذلك مع عدد من الكتّاب أثناء إعدادي لكتاب "الرواية السورية" - 1982، فكتب لي أن أمر المؤثرات الأجنبية ينسحب على تكوينه الأدبي وإنتاجه المتعدد، أما بالنسبة للرواية فقد حصر المؤثرات في:

1- الرواية الغربية المصنوعة بإتقان حضاري يذكرني بإتقان الفنان العربي القديم في صنع الأرابيسك. من الأمثلة الكلاسيكية: أعمال دوستويفسكي. من الأمثلة الحديثة: أعمال لورانس داريل.

2- التكوين الهندسي الأساسي للموسيقى الكلاسيكية (قالب السوناتا).

3- الفن التشكيلي العالمي: والأمثلة لا تعد.

4- الثقافة الإنسانية الشاملة، والتي لها علاقة بكفاح الإنسان الرائع ضد الموت والخواء والتعسف والظلم الاجتماعي و...".

لقد بكّر وليد إخلاصي إلى العناية بما بين الفنون والرواية، وما يعنيه ذلك في الحداثة الروائية، مثلما بكّر جبرا إبراهيم جبرا وإدوار الخراط ومطاع صفدي. فللموسيقى فعلها في رواية وليد إخلاصي "شتاء البحر اليابس" وفي مجموعته القصصية الأولى كما في قصة "لوحة زيتية على الرف" التي يعزف بطلها الفنان المهندس على التشيلو، ويحاول في السياسة سنوات قبل أن ينسحب إلى وحدته قرفاً ومتسائلاً: أتراني لا أشبه الآخرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يحار المرء من أين يبدأ مع وليد إخلاصي الذي أبدع عشرات المسرحيات والروايات والمجموعات القصصية، كما كتب شطراً من سيرته الذاتية والثقافية في كتابيه "المتعة الأخيرة: اعترافات شخصية في الأدب"، و "من الأسكندرونة إلى الإسكندرية: محطات من السيرة الذاتية". في ما يمكن تسميته بالسيرة القصصية لوليد إخلاصي، يبدو التجريب علامة أولى فارقة، وهو ما يتفجر في مجموعات "الطين" – 1971، و"الدهشة في العيون القاسية" – 1972، و"التقرير" - 1973 وسواها، حيث يحضر صدى كافكا حيناً، ويحضر المسرح حيناً، والسيناريو أيضاً. وتتميز تقنية الكابوس في قصص إخلاصي كما في قصص زكريا تامر، ولا ننسَ ريادة الراحل للقصة القصيرة جداً في قصة "المتعة" من مجموعة "التقرير". وقد مضت قصص إخلاصي إلى الوشاح الصوفي منذ مجموعة "يا شجرة يا" وبخاصة في قصة "يا رائحة القرفة". وفي هذا المآل تخلت القصص عن الكوبسة، ومالت إلى التأمل كما في مجموعة "حكايا الهدهد". وفي هذه المجموعة يطور الكاتب تقنية "المتوالية" التي وسمت الرواية الأولى "شتاء البحر اليابس"، وهي التي قدم لها نجم القصة والرواية التقليدية عبد السلام العجيلي، لكأنما اجتمع النقيضان الكلاسيكي والحداثي في لحظة نادرة من ذلك الزمن البعيد.

وكانت لعبة المتوالية القصصية قد وسمت مجموعة "موت الحلزون" - 1978 التي تضمّ فقط قصتين طويلتين من قبيل النوفيللا، فالأولى "هل رأيتهم يحلمون" بلغت خمسين صفحة، والثانية التي عَنْونَتْ المجموعة بلغت ستين صفحة.

على الرغم من الخصوبة والغواية والتعقيد في السيرة القصصية لوليد إخلاصي، فسيرته المسرحية (أربعون نصاً) وسيرته الروائية أكثر خصوبة وغواية وتعقيداً منذ البداية. وإذا كنت قد أشرت إلى ما للثقافة الغربية في التكوين الروائي للكاتب، فالإشارة بالقدر نفسه تذهب إلى التراث السردي العربي، وبخاصة "ألف ليلة وليلة"، مما تجلى في رواية "ملحمة القتل الصغرى" – 1994، عبر شخصيتي جواد وأسمهان، وعبر الموت المؤجل هنا مثله في الليالي الشهرزادية الشهريارية. ومن وسوم روائية الراحل، بل وكل إبداعاته، يتصدر فضاء مدينته حلب، مرموزاً لها بخاصة بقلعتها السيدة الجميلة (رواية أحضان السيدة الجميلة) أو الجدة وهوّب في رواية "زهرة الصندل". ويتواصل الحديث من رواية "باب الجمر" ووشاحها الصوفي إلى رواية "سمعت صوتاً هاتفاً" السيرية التي أوقفها على ما كان له من جراحة القلب.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة