Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاكمات شعبية على "فيسبوك" تؤثر في القرار الرسمي بتونس

يرى البعض أنها تشكل ضغطاً يؤثر سلباً في الدولة ويذهب آخرون إلى أنها تلعب دوراً رقابياً يفضح التجاوزات

الرئيس التونسي قيس سعيد (أ ف ب)

على إثر بعض القضايا التي أثارت الرأي العام في تونس، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاء يمارس فيه الضغط على المسؤولين وحتى على رئيس الجمهورية ذاته، فغيرت قرارات ووضعت أخرى وحكم على البعض قبل حتى حكم القضاء بسبب ضغط رواد هذه الشبكات، هذا الضغط الذي وصفه البعض بـ"محاكمات فيسبوك"، ويرونه خطراً على الدولة التي أصبحت تأخذ قراراتها حسب رضا أو رفض "شعب وسائل التواصل الاجتماعي"، لكن في المقابل يرى آخرون أنه يلعب دوراً رقابياً يفضح كل التجاوزات، وفرصة تواصل بين الحاكم والمحكوم.

قبل يومين أذنت وزيرة العدل في تونس بإجراء تفقد قضائي بخصوص سير الأبحاث ومآلها في المحكمة الابتدائية، التي صدر منها حكم الإفراج عن فنان شعبي معروف، قبض عليه في قضية مخدرات، بعد موجة غضب اجتاحت شبكات التواصل، معتبرين "أن في قضايا مشابهة يكون المتهمون من أبناء الشعب البسطاء، لا يتم التسريع في النطق بالحكم على غرار ما جرى في هذه القضية".

وفي حادثة أخرى، خلال أغسطس (آب) الماضي أثار تعيين أمني "متورط" في قتل الثوار على رأس وحدات التدخل استياء وغضباً واسعين على وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب أفراد من عائلات الشهداء وحقوقيون رسائل مباشرة إلى رئيس الدولة، إلى أن تم التراجع على هذا التعيين في وقت سريع جداً.

رأي عام انفعالي

عديدة هي الأمثلة التي تبين سلطة شبكات التواصل على القرارات الرسمية أحياناً، وفي هذا الإطار يقول الباحث في الميديا الرقمية الصادق الحمامي، "ظاهرة ما تسمى المحاكمات الشعبية الفيسبوكية ليست تونسية، كما أنها غير مرتبطة بطبائع التونسيين، بل بطبيعة شبكات التواصل الاجتماعي خصوصاً فيسبوك؛ أي عندما تتكرر مثل هذه الظواهر، فإن منشأها ليس المجتمع بل هذه الشبكات"، معللاً ذلك بـ"أن هذه الشبكات يتعامل روادها بطريقة غير عقلانية، يحكمها المشاعر والعواطف، فالناس عادة هنا تعبر بطريقة انفعالية وانطباعية من دون تعمق أو تحليل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف الحمامي، أن "الصحافة في تونس لا تقوم بدورها في تزويد الرأي العام بالمعلومات الصحيحة ويكتفون بالرواية الرسمية، والنتيجة أننا نجد كثيراً ما يعلق الناس على إشاعات أو معلومات غير مؤكدة أو قضايا ما زالت قيد التحقيق، فالرأي العام عندما لا يتغذى بمعلومات صحيحة وموثوقة يصبح انفعالياً". كما يرى أن "وجود قوى سياسية داخلية وخارجية تشتغل في صنع رأي عام عبر هذه الشبكات الاجتماعية في توتس لاستغلالها في الصراع السياسي".

والأخطر حسب الأستاذ الجامعي الصادق الحمامي أن "نتيجة لذلك تؤخذ قرارات على أساس هذه الانطباعات الانفعالية لرواد شبكات التواصل"، ويفيد، "أن هذه الظاهرة وجدت قبل صعود قيس سعيد إلى الحكم"، موضحاً، "عندما صرح الراحل الباجي قائد السبسي سنة 2017 بأن على تونس قبول عودة أبنائها من الإرهابيين الذين حاربوا في بؤر التوتر طبقاً لاتفاقيات دولية، أثار هذا القرار غضب الرأي العام في شبكات التواصل، ونتيجة لذلك خرج رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد، وقال إنهم لن يقبلوا بهؤلاء الإرهابيين، إرضاء لشعب فيسبوك، رغم استحالة تنفيذ ما وعد به لأن الاتفاقيات الدولية تفرض عليه إرجاع هؤلاء المقاتلين".

فرضوخ الحكام في تونس لمزاج شبكات التواصل بحسب رأي الحمامي "أمر خطير"، مفسراً ذلك بأن "تونس تعيش في ما يسمى في العلوم السياسية ديمقراطية الرأي؛ أي عندما يسعى السياسي إلى إرضاء الجمهور وتصبح السياسات نابعة من خوف السياسيين من الجمهور، وتتحول إلى سياسة ديماغوغية لإرضاء ومجاملة الرأي العام". كما يرى أن" المحاكمات الشعبية التي تقع على فيسبوك خطيرة، بخاصة أن من يتحكم في هذه الشبكات الاجتماعية حسابات مجندة لتغيير الرأي العام وصنعه من أجل مصالح ضيقة".

حلبة صراع

من جانبه يقول الباحث في الأنثروبولوجي كريم بوزويتة، إن "المحكمة الشعبية وجدت حتى في عهد قرطاج القديمة، فعندما تكون قضايا رأي عام من حق الكل الإدلاء برأيه في اجتماعات كبرى وساحات عامة"، وشبه هذه الصورة بما نعيشه اليوم من محاكمات افتراضية بشبكات التواصل.

ويفيد بزويتة في تصريح خاص، أن "خوارزميات شبكات التواصل تسهل مثل هذه المحاكمات الشعبية على فيسبوك"، موضحاً، "عادة ما يلقى المضمون الذي يثير عواطف المجموعة رواجاً كبيرا وأهم العواطف التي يرتكز عليها فيسبوك، الغضب والخوف والاحتقار، ومثل هذه المحاكمات تدخل في هذا الإطار".

يضيف، "عادة ما يحاول الحاكم حتى في أعتى الديكتاتوريات مراعاة توجه الرأي العام أو السائد" وشبه بوزويتة الوضع بـ"حلبة الصراع في روما القديمة عندما يعبر الجماهير عن رضاهم أو رفضهم المقاتل، وعلى ضوء ذلك يقرر الإمبراطور قتل المحارب أو إبقاءه حياً".

من جهة مغايرة ولفهم بعض مستخدمي "فيسبوك" يقول فرج، واحد من الحسابات التي تشارك في حملات مساندة للرئيس قيس سعيد، رفض الكشف عن هويته الحقيقية، "إن سياسة الرئيس التي ترتكز على البناء القاعدي وتشريك كل الفئات الاجتماعية في الشأن العام تجعله ينصت لنبض الشعب من خلال تفاعلاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي"، كما يرى فرج "أن دورهم رقابي بالأساس في ظل عدم مصداقية وسائل الإعلام، وعدم استقلالية القضاء وفساده"، بحسب رأيه، وذكر كمثال قضية الفنان الذي تم الإفراج عنه في قضية المخدرات قائلاً، "للأسف لدينا قضاء للفقراء وآخر للأغنياء، بينما لعبت شبكات التواصل دوراً مهماً لإرجاع بوصلة العدالة إلى الاتجاه الصحيح"، وفق ما يرى.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي