كشف تقرير حديث، أنه بينما تتأرجح روسيا وأوكرانيا على حافة الصراع، أصبحت الأسواق المالية والاقتصاديون في حالة ترقب لأي تحركات جديدة، بخاصة أن أي تحرك من شأنه أن يعيد تشكيل أسواق الغاز والطاقة والأسهم والمعادن عالمياً، حيث تسيطر روسيا على إمدادات الغاز الأوروبي، ما يشير إلى إمكانية أن تستخدم موسكو الغاز كسلاح في الحرب التي تعتزم دخولها مع أوكرانيا والدول الأوروبية.
في الوقت نفسه، حذر باحثون بارزون في الأسواق العالمية من أن مخاطر الحرب، وحتى تكاليف السلام غير المستقر، قد تم التقليل من قيمتها. وقال الباحث الاستراتيجي العالمي في "رابوبنك"، مايكل إيفري، "نحن في وضع غير معتاد لعناوين الصحف العالمية والسياسيين الذين يحذرون من خطر اندلاع حرب كبرى... ومع ذلك، فإن الأسواق - حتى وقت قريب جداً - لا تزال غير مبالية في الغالب... وحين تنخفض، فذلك خوف من ارتفاع الأسعار وليس انفجار القنابل".
وإلى جانب الأسهم والأسواق المالية الأخرى، أدت الأزمة بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، فضلاً عن المعادن الرئيسة المستخدَمة في كل شيء من صناعة السيارات والإلكترونيات إلى أدوات المطبخ والبناء.
أزمة كبيرة بأسواق الغاز والطاقة
أما في ما يتعلق بسوق الغاز والطاقة، فتوقع الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، أن يكون للأزمة بين روسيا وأوكرانيا تأثير في سوق الطاقة، بخاصة أن روسيا تُعد من أكبر منتجي الغاز عالمياً، وأي تعطل في إنتاجها يؤثر بشكل مباشر في الأسعار. وأوضح الرفاعي أن "روسيا تُعد من أكبر مصدري الغاز والطاقة إلى ألمانيا، وفي حال انشغالها بالحرب مع أوكرانيا، يُتوقع أن تتأثر الإمدادات الروسية إلى ألمانيا التي تُعد أكبر اقتصاديات منطقة اليورو، بالتالي سيتأثر أكبر اقتصاد في أوروبا في حال انقطاع الإمدادات الروسية".
وعلى المدى القصير، فمن المعترف به على نطاق واسع أن حرباً بين روسيا وأوكرانيا، حتى لو كانت محدودة، من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط والغاز، بخاصة في أوروبا، حيث تستحوذ روسيا على نحو 30 في المئة من نفط أوروبا و35 في المئة من غازها الطبيعي، والتي سيتم قطعها في حالة الصراع.
يعتقد الباحثون في مجال الطاقة في "رابو بنك"، أن "ذلك قد يدفع أسعار النفط إلى الأعلى من المستويات المرتفعة بالفعل عند حوالى 90 دولاراً للبرميل إلى 125 دولاراً، مع ارتفاع أسعار الغاز".
وترى هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في "أر بي سي"، أن الأسعار ستتجه صعوداً في حالة تعطل الإمدادات الروسية، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الأميركية للحصول على بدائل. وأوضحت كروفت في مذكرة بحثية حديثة، أنه "في حين أن هناك مجالاً لواردات الغاز الطبيعي المسال بشكل رئيس من قطر، للمساعدة في التخفيف من تأثير التعطيل الروسي على المستهلكين الأوروبيين، فإن السعة المتاحة ليست كلها مرتبطة بالذين قد يتعرضون للاضطراب".
ومع ذلك، إذا تطلب الأمر عقوبات شديدة ضد روسيا لتجنّب الصراع، حذر "رابو بنك" في تقرير له من أن "تأثير السعر قد يكون أكثر حدة". وتوقع أنه "بافتراض أن كل الدول أوقفت مشترياتها من الطاقة الروسية، فإن التأثير المحتمل للأسعار سيكون هائلاً، حيث سيرتفع سعر النفط إلى 175 دولاراً والغاز الأوروبي إلى 250 دولاراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار التقرير إلى أنه "من غير المرجح أن تمتثل كل الدول، كما يُرجَّح أن تدعم الصين روسيا من خلال عمليات شراء كبيرة، وحتى من غير المرجح أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن الطاقة الروسية بالكامل. وقد يعني ذلك ارتفاع الأسعار في البلدان التي تطبق العقوبات وانخفاض الأسعار لأولئك الذين ما زالوا على استعداد لشراء النفط والغاز الروسي".
كيف تتحرك أسعار الغذاء والأسمدة؟
يُتوقع أيضاً أن تتأثر السلع الرئيسة الأخرى إما بالحرب أو العقوبات، مع وجود روسيا أكبر منتج للقمح في العالم وأوكرانيا في المراكز الخمسة الأولى. ويتأثر أيضاً الإنتاج الكبير من الشعير والذرة وعباد الشمس وبذور اللفت. في حين أن دولاً أخرى، بما في ذلك أستراليا، قد تكون قادرة على تعويض بعض الخسارة في العرض لكنها قد تواجه عائقاً في توفير الأسمدة. حيث يقدّر "رابو بنك"، أن 23 في المئة من الأمونيا و17 في المئة من البوتاس و14 في المئة من اليوريا و10 في المئة من الفوسفات يتم شحنها من روسيا.
وفي وقت احتفظت الصين بالفعل بالكثير من إنتاجها من اليوريا والفوسفات للاستخدام المحلي، فإن فقدان المنتجات الروسية سيؤدي إلى مزيد من النقص وارتفاع أسعار مكونات الأسمدة الرئيسة.
في الوقت ذاته، فإن سلاسل التوريد التصنيعية لن تكون محصَّنة ضد أي صراع أو عقوبات ضد روسيا. وتُقدَّر حصة روسيا من صادرات النيكل العالمية بحوالي 49 في المئة، والبلاديوم بنحو 42 في المئة، والألمنيوم بنسبة 26 في المئة، والبلاتين بنسبة 13 في المئة، والصَلب بنحو 7 في المئة، والنحاس بنسبة 4 في المئة.
وذكر "رابو بنك"، أنه "يمكن أن يكون السلام العدائي مع عقوبات طويلة الأمد، احتمالاً أكثر تهديداً لتوريد العديد من السلع وكلفتها بسبب التعطيل الناجم عن حرب قصيرة وحادة". وأشار إلى إمكانية أن تحدث الحرب والعقوبات أيضاً.
هروب كبير إلى أسواق المال
وأشار التقرير إلى أن الحرب أو العقوبات الشديدة قد تشهد هروباً إلى منطقة الأمان في الأسواق المالية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السندات وانخفاض أسعار الفائدة. وقد يكون هذا ثقلاً موازناً مقنّعاً للاتجاه الحالي نحو ارتفاع أسعار الفائدة عبر العديد من الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، فإن الصورة ستكون معقّدة بسبب ارتفاع معدلات التضخم إثر النقص المحتمل في السلع الموضح أعلاه. إذ لم يتم اختبار مدى استعداد البنوك المركزية للنظر في التضخم الناجم عن مصادر أجنبية خارجة عن سيطرتها بشكل حقيقي في الفترة الحالية، حيث يستعد الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لرفع أسعار الفائدة الأميركية في مارس (آذار) المقبل.
ومن المفارقات، أن تمديد فترة أسعار الفائدة المنخفضة، قد يساعد في وقف عمليات البيع المكثفة في السوق الأخيرة، على الرغم من موازنة الصراع الساخن أو البارد الذي يشمل روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وربما حتى الصين، واضطرابات الإمدادات العالمية.
على صعيد العملة، يتوقع "رابو بنك" أن الدولار الأميركي والين الياباني والفرنك السويسري والذهب، ستكون العناصر الواضحة في حالة حدوث صراع. وقد ينخفض الروبل الروسي في حالة الحرب أو العقوبات. ويُرجح أيضاً أن يكون اليورو غير صالح للاستخدام كسلاح في هذه الحرب الوشيكة.