Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل من علاقة تربط فالنتين و كيوبيد بالحب أم أن الأمر مجرد خيال؟

تعددت القصص والروايات عبر التاريخ التي تحيط بالشخصيتين الشهيرتين

المعروف عن عيد الحب أنه نشأ كطقس إحياءً لذكرى قطع رأس قديس مسيحي في القرن الثالث الميلادي (أ ب)

في 14 فبراير (شباط) من كل عام، يتبادل الأحبة من كل الأعمار الزهور والحلوى والهدايا بمناسبة عيد الحب أو "فالنتين" في الولايات المتحدة والغرب، فهل كان القديس فالنتين الحقيقي محباً ورومانسياً أم أن ذلك مجرد خيال جميل، وهل كان "كيوبيد" إله الحب عند الرومان والذي تظهر صوره وهو يصوب قوسه نحو ضحاياه المطمئنين، رمزاً حقيقياً للحب؟
يقول الباحثون والمؤرخون في العقيدة والتاريخ والديانات أن أصل عيد الحب مجرد خيال جميل، إذ لم يكن القديس فالنتين عاشقاً أو راعياً للحب، كما لم يكن "كيوبيد" رمزاً خالصاً للحب عند الرومان، وإنما رمزاً للصراع بين الجمال والحرب كونه ابن "فينوس" إلهة الجمال، و"مارس" إله الحرب عند الرومان، وهو ما يطرح أسئلة حول كيف نشأت رمزية الحب مع كل منهما وما علاقة الحب بتاريخ 14 فبراير الذي أصبح عيداً للعشاق في ثقافات عدة حول العالم الآن؟

أصل فالنتين

المعروف عن عيد الحب أنه نشأ كطقس إحياءً لذكرى قطع رأس قديس مسيحي في القرن الثالث الميلادي، لكن مصادر قديمة تشير إلى وفاة العديد من القديسين المسيحيين الذين حملوا اسم فالنتين في 14 فبراير، إذ تم إعدام اثنين منهم خلال حكم الإمبراطور الروماني كلوديوس غوثيكوس بين 269-270 ميلادية، في وقت كان فيه اضطهاد المسيحيين أمراً شائعاً.
وتعود هذه المصادر إلى جماعة من الرهبان البلجيكيين الذين استمروا على مدى ثلاثة قرون في جمع أدلة عن حياة القديسين من أرشيفات المخطوطات حول العالم، وأطلق عليهم اسم "البولانديون" نسبة إلى "جان بولاند" وهو عالم يسوعي بدأ عام 1643 في نشر 68 من المجلدات الضخمة تحت عنوان "حياة القديسين"، واستمرت الأجيال المتعاقبة من الرهبان في العمل حتى نُشر المجلد الأخير عام 1940، وتم طبع هذه المجلدات لتضم كل قصاصة من المعلومات عن كل قديس وفقاً لتقويم رتبوه بحسب يوم عيد كل قديس.

14 فبراير

يحتوي المجلد الذي يشمل تاريخ 14 فبراير، على قصص مجموعة من القديسين الذي حملوا اسم "فالنتيني"، بما في ذلك ثلاثة ماتوا في القرن الثالث الميلادي، توفي أولهم في أفريقيا، مع 24 جندياً، ولم يتمكن "البولانديون" من العثور على أي معلومات أخرى عنه سوى اسمه وتاريخ وفاته، ولا يوجد سوى القليل جداً من المعلومات عن القديسَين الآخرَين. لكن وفقاً لأسطورة تعود إلى أواخر العصور الوسطى، تمت إضافتها وطباعتها في مجلد "حياة القديسين" مصحوبةً بنقد من البولانديين أنفسهم حول قيمتها التاريخية، فقد ألقى الرومان القبض على فالنتينوس الثاني في عهد الإمبراطور كلوديوس غوثيكوس ووضِع في عهدة أرستقراطي يُدعى أستيريوس، وكما تقول القصة، إن أستيريوس عقد صفقة مع فالنتينوس بأنه إذا تمكن من علاج ابنته الكفيفة، وإعادة البصر إليها، فسيتحول إلى المسيحية، وهو ما حدث بالفعل، وتم تعميد أستيريوس وعائلته بحسب أسطورة القرون الوسطى.
وعندما سمع الإمبراطور غوثيكوس بهذه الأخبار، أمر بإعدامهم جميعاً، لكن فالنتينوس كان الوحيد الذي قُطعت رأسه، ودفنت أرملة متديّنة جسده في موقع إعدامه، على طريق "فيا فلامينيا"، وهو الطريق السريع القديم الممتد من روما إلى بلدة ريميني الحالية على البحر الأدرياتيكي، وشُيّدت كنيسة صغيرة فوق مكان رفات القديس فالنتينوس.

هل كان فالنتين رومانسياً

أما فالنتينوس الثالث فكان أسقفاً لبلدة تيرني في مقاطعة أومبريا بإيطاليا، حيث تشير قصته أنه مر بموقف مشابه لفالنتينوس الثاني من خلال إقناع أحد النبلاء بترك الوثنية وعلاج ابنه بعد ذلك، وانتهى به الحال بقطع رأسه أيضاً بأمر من الإمبراطور غوثيكوس ودُفن جسده على طريق "فيا فلامينيا"، ولهذا يعتقد الرهبان البولانديون، أنه لم يكن هناك قديسان في ذات المكان، وإنما نسختان مختلفتان من أسطورة أحد القديسين ظهرتا في كل من روما وتيرني مع قليل من التفاصيل المختلفة.
ولا يبدو وفقاً لما تناوله الرهبان البولانديون في وثائقهم التاريخية أن أياً من القديسين الثلاثة الذين حملوا اسم "فالنتين" في القرن الثالث الميلادي كان رومانسياً، أو انغمس بشكل أو بآخر بقصة لها علاقة بالحب، لكن الواقع بحسب ما تقول "ليزا بيتل" أستاذة التاريخ والعقيدة في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن أساطير العصور الوسطى، التي تكررت في وسائل الإعلام الحديثة، جعلت القديس فالنتين يؤدي طقوس الزواج المسيحية أو يمرر رسائل حب بين عشاق مسيحيين سجنهم الإمبراطور غوثيكوس، كما لا تزال هناك قصص أخرى غير موثقة تربطه عاطفياً بالفتاة الكفيفة التي تردد أنها أبصرت بسبب تضرعه إلى الله، لكن أياً من هذه القصص لم يكن لها أي أساس تاريخي في القرن الثالث وفقاً لما دونه البولانديون.

جمجمة فالنتينوس

وفي كل الأحوال، لم تكن المصداقية التاريخية ذات أهمية كبيرة مع مسيحيي العصور الوسطى، فما كانوا يهتمون به هو قصص المعجزات، ورفات القديس فالنتين، وهو ما يعكسه ادعاء العديد من الكنائس والأديرة المختلفة حول أوروبا خلال العصور الوسطى، أنها تحتوي على أجزاء من جمجمة القديس فالنتينوس في خزائنها، فعلى سبيل المثال لا تزال كنيسة سانتا ماريا في روما تعرض جمجمة كاملة للقديس فالنتينوس، بينما تدعي الكنائس الأخرى في جميع أنحاء أوروبا أنها تضم أجزاء من جسد القديس فالنتينوس كما يؤكد البولانديون، مثل كنيسة سان أنطون في مدريد، وكنيسة شارع وايتفرير في دبلن، وكنيسة القديسين بطرس وبولس في براغ، وكنيسة القديسة ماري في بولندا، وكنائس أخرى في مالطا وبرمنغهام وغلاسكو وجزيرة ليسبوس اليونانية، فضلاً عن كنائس أخرى.
وكانت بقايا القديسين، تعني بالنسبة إلى المتديّنين استمرار حضورهم غير المرئي داخل مجتمعاتهم، ففي إقليم بريتاني الفرنسي، استخدم أحد الأساقفه خلال القرن الحادي عشر ما زعم أنه رأس القديس فالنتين، لوقف الحرائق ومنع الأوبئة وعلاج كل أنواع الأمراض، بما في ذلك المس الشيطاني، لكن عظام القديس لم تفعل شيئاً مميزاً للعشاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قصص أخرى

وفي العقود الأخيرة قام باحثون وأساتذة جامعيون بتحليل نصوص ومفاهيم تتعلق بعيد فالنتين أو عيد الحب في كثير من الكتب والمقالات والمدونات، حيث يزعم البعض أن عيد فالنتين كان في الأصل احتفالاً رومانياً قديماً عُرف باسم احتفال "لوبركاليا" الذي كان يحل في منتصف فبراير، ونشأ كطقس ريفي ذكوري يتضمن التضحية بالماعز والكلاب وتطور لاحقاً إلى كرنفال انتقل إلى المدينة، حيث كان الشبان يركضون نصف عراة في شوارع روما، ويلقون بقطع من جلود الماعز التي قُتلت حديثاً على النساء الحوامل اللاتي كانت تعتقدن أن ذلك يجلب لهن أطفالاً أصحاء، لكن في عام 496 بعد الميلاد، شجب البابا غيلاسيوس هذا المهرجان الصاخب.
ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن البابا استبدل "لوبركاليا" عمداً بعيد أكثر رصانة للقديس فالنتين أو أي احتفال مسيحي آخر.

تشوسر وطيور الحب

غير أن علاقة الحب وارتباطها بفالنتين ظهرت بعد مرور أكثر من ألف عام، حيث يعتقد البعض أن فكرة عيد فالنتين أو عيد الحب كيوم للعشاق، نشأت مع صدور قصيدة "برلمان الطيور" للشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، في أواخر القرن الرابع عشر، ويصف فيها مجموعة من الطيور تتجمع في أوائل الربيع لاختيار شركائهم. وسرعان ما بدأ النبلاء الأوروبيون المهتمون بالطبيعة بإرسال رسائل حب خلال موسم تزاوج الطيور، فعلى سبيل المثال كتب دوق أورليان الفرنسي، الذي أمضى بضع سنوات سجيناً في برج لندن، رسالة إلى زوجته في شهر فبراير من عام 1415 عبر فيها عن اشتياقه لها ووصفها بفالنتين اللطيفة جداً.
كما تبنى عموم الشعب الإنجليزي فكرة التزاوج في فبراير، وهو ما تحدث به وليام شكسبير على لسان أوفيليا بطلة رواية هاملت، حينما تحدثت عن نفسها على أنها تمثل فالنتين بالنسبة لهاملت.
وفي القرون التالية، بدأ الرجال والنساء الإنجليز في استخدام 14 فبراير كذريعة لكتابة أبيات شعرية على الأشياء التي يرغبون في إهدائها لأحبائهم قبل أن تجعل الثورة الصناعية الأمر أسهل من خلال الإنتاج الضخم للبطاقات المصوّرة والمزينة، ثم انضمت شركات الشوكولاتة لتسويق الحلويات في عيد فالنتين، وأصبحت المتاجر في إنجلترا والولايات المتحدة ومعظم دول العالم، تزين نوافذها بقلوب ولافتات تعلن عن يوم الحب، ويملأ التجار رفوفهم بالحلوى والمجوهرات والحلي ذات الصلة بكيوبيد، إله الحب عند الرومان.

 كيوبيد والحب

غير أن كيوبيد نفسه، يثير تساؤلات عن مدى صحة رمزيته للحب، ففي الثقافة الرومانية، كان كيوبيد ابناً لكل من "فينوس" المعروفة اليوم باسم إلهة الجمال والحب، و"مارس" إله الحرب، لكن بالنسبة إلى هذا العصر، كانت "فينوس" تتعلق بالإنجاب كما تُظهر الأساطير والنصوص القديمة، بينما اشتُق اسم "كيوبيد" من الفعل اللاتيني "كوبير"، ويعني الرغبة أو الحب، لكن في التركيبة الغريبة لصورة جسد الطفل مع الأسلحة الفتاكة من القوس والسهام، جنباً إلى جنب مع الآباء المرتبطين بالجمال والحرب، فإن كيوبيد يمثل شخصية متناقضة تقترب أكثر من كونها رمزاً للصراع والرغبة، بدلاً من كونه رمزاً للحب والرومانسية التي ارتبطت به في العصور الوسطى وعصر النهضة.
كان كيوبيد لدى الرومان يعادل الإله اليوناني "إيروس"، الذي يعني الرغبة في اليونان القديمة، حيث يُنظر إليه على أنه ابن "آريس" إله الحرب، و"أفروديت" إلهة الجمال، وغالباً ما يظهر إيروس في الأيقونات اليونانية المبكرة مع مجموعة من الآلهة المجنحة المرتبطة بالحب والإنجاب والتكاثر، ولكن بحلول وقت الإمبراطورية الرومانية، أصبحت صورة كيوبيد الصغير السمين أكثر شيوعاً.

هدف التناقض

ويقول جويل كريستنشتين، أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة برانديس، إن أكثر ما يميز كيوبيد هي فكرة التناقض، فقد كتب الشاعر الروماني أوفيد عن نوعين من سهام كيوبيد، أحدهما يلبي رغبة لا يمكن السيطرة عليها، والآخر يملأ هدفه بالاشمئزاز، ولم يكن هذا التصوير للآلهة اليونانية والرومانية غريباً، إذ كانت قدرتها على فعل الخير والشر أمراً شائعاً، إذ يمكن للإله أبولو، على سبيل المثال، أن يشفي الناس من الأمراض أو يتسبب في تدمير مدينة بالطاعون.
وبالنسبة للفلاسفة فإن إيروس وكذلك كيوبيد جسّدا رمزاً للرغبة والصراع معاً باعتبارهما القوتين الأكثر تأثيراً في الكون، على أساس أن الانجذاب والانقسام قوة أولية وطبيعية، تجعل المادة تعيد الحياة إلى الوجود ثم تمزقها مرة أخرى. وتتحدث قصص كيوبيد ورمزية صوره حول العلاقة بين الروح البشرية والرغبة، وخطر سقوط الروح بسبب الإغراء، لأن الأمر في النهاية يتعلق بالتوازن.
ولهذا لم يكن كيوبيد في الواقع رمزاً للحب فقط في العصور القديمة، كما لم تكن علاقة فالنتين بالحب موجودة في عصره، لكن كما جادل القديس والفيلسوف أوغسطينوس في القرن الخامس حين تحدث عن "الإيمان بالأشياء غير المرئية"، قائلاً إنه "لا يجب أن يقف شخص ما أمام أعيننا لكي نحبه"، فإن القديس فالنتين وكيوبيد وسمعتهما كرمز للحب ليست مسألة تاريخ يمكن التحقق منه، بل مسألة إيمان بأهمية الحب في حياة البشر.

المزيد من منوعات