Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتوحد الدول المطلة على البحر الأحمر ضد التجاذبات الدولية؟

هناك قلق آخر من أن تتحول هذه المنطقة إلى ساحة صراع واقعي أو وهمي لاقتسام النفوذ على حساب مصالح بلدان المنطقة

أبرز اهداف "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" "حماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية، وتحقيق الاستقرار لدول الكيان ودعم مصالحها المشتركة" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

دعا اتحاد جملة من التفاعلات إلى استشعار الخطر الذي يمكن أن يحيط بأمن البحر الأحمر، وهو، وما له من أهمية استراتيجية مرتبطة بأمن الممرات المائية وأمن الطاقة، يقع في بؤر توتر عدة ومناطق مضطربة وأخرى يتوقع أن يمتد إليها هذا الاضطراب، وهذا ما سوّغ للدول المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمها السعودية، قيادة وتأسيس "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" بعد إعلان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أهمية إنشاء كيان للأمن والتنمية للدول المشاطئة للبحر الأحمر، ووقِّع على ميثاقه في الرياض في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2018، من قِبل وزراء خارجية ثماني دول عربية وأفريقية مشاطئة للبحر الأحمر هي، السعودية والسودان ومصر واليمن والأردن وجيبوتي والصومال وإريتريا. كما أُعلن عن أبرز أهداف المجلس التي تتمثل في "حماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية، وتعزيز جوانب الأمن والاستثمار والتنمية، وتحقيق الاستقرار لدول الكيان ودعم مصالحها المشتركة، وردع القوى الخارجية التي تحاول ممارسة أدوار سلبية في المنطقة".

وجاءت ضرورة إنشاء المجلس استباقاً لتحركات بعض القوى الدولية بغض النظر عن أهدافها في تأمين وجودها ورعاية مصالحها، من استغلال النقاط التي أقامت عليها قواعد عسكرية، أو تلك التي تعتزم إنشاء قواعد حتى بدت وكأنها تجمع سياسي ذو صبغة عسكرية في مواجهة كيانات أخرى بدأت في الزحف نحو المنطقة، لأهداف لا يمكن القطع بحسن نيتها في آخر المطاف.

الوجود الدولي

ويأتي في مقدم محركات الصراع على منطقة البحر الأحمر تنافس قوى إقليمية ودولية بدوافع اقتصادية مستفيدة من الهشاشة السياسية لبعض الدول، والحاجة إلى بنية تحتية أمنية راسخة، واختارت الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية في جيبوتي لشنّ عمليات مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، نسبة لموقع جيبوتي الاستراتيجي وتوجهها المؤيد للغرب. ومن قبل، أطلق معهد السلام الأميركي "مبادرة البحر الأحمر" بغرض سد الفجوة في تحليل الديناميات عبر الإقليمية التي تربط بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي.

وتحكم هذه الفجوة انقسامات سياسية ومجتمعية وإثنية، ما لم يتم التوافق بين دول المنطقة على ردمها، فإنها تصبح عصية على الحد من الصراع المحتمل في منطقة البحر الأحمر، ويلفت الاهتمام الأميركي إلى التغير السريع للمشهد الجيوسياسي في هذه المنطقة، إذ بدأت واشنطن تستشعر الخطر نتيجة انسحابها خلال السنوات الماضية، ثم الرجوع ببطء عبر الدبلوماسية الإقليمية بالتركيز على مبعوثيها في القرن الأفريقي والبحر الأحمر بغرض التنسيق حول القضايا العابرة للأقاليم، بمهام محددة وإطار زمني محدد أيضاً.

أما بالنسبة للصين، فيعدّ البحر الأحمر جزءاً أساسياً من طريق الحرير البحري، وهو أحد ضلعي المشروع الصيني (مبادرة الحزام والطريق). ولهذا السبب، وضعت الصين قاعدتها العسكرية في جيبوتي بالقرب من مضيق باب المندب، مع توقعات بأن تلحقها قواعد عسكرية أخرى، وبينما تعمل على تثبيت مشاركتها العسكرية في عدد من عمليات السلام في المنطقة، ومشاركتها الاقتصادية في الاستثمار والتجارة، فإنها تعمد إلى الابتعاد عن أي مواجهات بينها وبين القوى الدولية الأخرى خصوصاً الولايات المتحدة، ولكن من ناحية أخرى، تتوسع الصين في علاقاتها مع إيران من جهة، ومع إسرائيل من جهة أخرى، وهناك قواعد عسكرية في جيبوتي لفرنسا واليابان وإسبانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى الوجود الروسي والتركي ودول أخرى تعتزم إنشاء قواعدها العسكرية.

وفي مقابل ذلك، أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال، وكانت تسعى إلى إنشاء أخرى في مدينة سواكن السودانية قبل سقوط الرئيس السوداني السابق عمر البشير، كما يشهد ميناء "مصوع" الإريتري أيضاً وجوداً عسكرياً، ولكنه محدود.

أثر الانشقاقات

هذا الوجود الكثيف ذو شقين، الأول هو حال الاستنفار شبه العسكري لهذه القواعد ما قد يجهض العمليات الإرهابية المحتملة مثلما حدث في بعض الهجمات الحوثية من قبل بتهديدها لحركة الشحن البحري واستهداف السفن الأجنبية، أما الشق الثاني، فهو قرب هذه المنطقة من مناطق حروب ونزاعات في منطقة القرن الأفريقي، مثل النزاع في الصومال وحرب "تيغراي" التي يحتمل امتدادها عبر إريتريا، وحال عدم الاستقرار السياسي في السودان، وفي الضفة الأخرى حرب اليمن. ومن اللافت أن الاختراق الدولي لحوض البحر الأحمر ارتبط بالحالة الناجمة عن تهديد وشيك لاختراق المنظومة الأمنية للبحر الأحمر، والذي ينعكس على الدول المطلة عليه، وانطلاقاً من المفهوم الجيوسياسي للبحر الأحمر باعتباره ممراً مائياً مهماً يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، فإن أي بوادر عدم استقرار حوله ستنعكس عليه مباشرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى هذه العوامل التي تخص كل دولة منفردة، فإن هناك بوادر انشقاقات بين هذه الدول بسبب المخاوف الأمنية لدى كل دولة من تأثير أوضاع جيرانها السياسية والأمنية والاقتصادية عليها، وقد ركزت السياسة الغربية على هذا الحراك منذ أحداث "الربيع العربي" بالتركيز على مناطق النفوذ مثل مصر، وإحاطة المنطقة امتداداً إلى القرن الأفريقي في محاولة لمواجهة مد تيارات الإسلام السياسي المتصاعدة، وأنشطة الحركات الإرهابية في الدول الهشة مثل الصومال.

ولا تخلو أجواء الانشقاقات من اتهامات الدول لبعضها بخلق بؤر توتر داخلها، ومحاولات تفجير أطرافها ونشوء بذور عداء وفق دعاوى سياسية وإثنية أحياناً واقتصادية أحياناً أخرى، وليست هذه الخلافات هي الوحيدة، وإنما يكمن الخطر في احتمالية تفتت المنطقة والدول المطلة على البحر الأحمر من جهة الغرب إلى دويلات وأقاليم منفصلة، خصوصاً أنها منطقة تتنازعها الانقسامات الإثنية والسياسية والدينية، وبالإمكان أن تتحالف هذه الأقاليم المنقسمة مع دول وكيانات من خارج المنطقة، تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، لكل هذه الأسباب تطمح القوى الدولية لأن تقدم نماذجها، فالولايات المتحدة، حجتها الديمقراطية وحقوق الإنسان، والصين حجتها التنمية والاستثمار، وتتوزع القوى الأخرى مثل روسيا وتركيا بين النموذجين الاقتصادي والعسكري الأمني.

تحويل مسرح الصراع

يرسى هذا النهج الدولي في التسابق للوجود الفعلي بالقرب من البحر الأحمر وممراته المائية، لإنعاش طموح إيران بأن يكون البحر الأحمر أحد أضلع حلمها الإمبراطوري الخمسة بالإضافة إلى الخليج العربي ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى ومنطقة غرب آسيا. وتنظر إيران إلى البحر الأحمر باعتباره فضاء حيوياً يمكنها من نقل التوترات من مضيق هرمز في الخليج العربي إلى مضيق باب المندب القريب من اليمن في البحر الأحمر، وإن حدث ذلك، فإنها ستتمكن من إبراز وجودها وتهدد أمن الممر الحيوي الذي يعبر من خلاله ما نسبته 30 في المئة من نفط العالم، بالإضافة إلى صرف الأنظار عن المشكلة القائمة في مضيق هرمز ومضايقة إيران لعبور النفط من خلاله خصوصاً إلى الولايات المتحدة.

كما سيشكل هذا الطموح امتداد القوس البحري من السواحل الإيرانية المتاخمة لبحر عمان والخليج العربي ثم بحر العرب مروراً بالبحر الأحمر حتى قناة السويس عند مشارف ميناء إيلات، وهذا ما تفسره التدخلات الإيرانية الأخيرة في القارة الأفريقية التي تنطلق من منطقة القرن الأفريقي والسودان وحتى غرب أفريقيا.

وهناك قلق آخر من أن تتحول هذه المنطقة إلى ساحة صراع واقعي أو وهمي لاقتسام النفوذ ورعاية المصالح الدولية على حساب مصالح دول المنطقة، ويظل عدم وجود ضامن لأمن البحر الأحمر والممرات المائية من أبرز المخاوف لدى دول المجلس، يزيد منها التزاحم على المنطقة راسمة خطوطاً قائمة على وقائع جغرافية تفرض عدداً من العوائق، ولا يمكن مجابهتها إلا برسم استراتيجية ضمن مسار متكامل سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً للتصدي لأي تهديدات محتملة.

استشراف استراتيجي

إن استشراف الوضع الاستراتيجي في البحر الأحمر يتحدد من خلال واقع ومستقبل الطلب العالمي على النفط ومعضلة أمن الطاقة، والحركة التجارية العالمية وقياس مستويات الأمن، وهذه كلها معطيات متداخلة لدرجة تعطينا مؤشراً إلى أنه من الصعب الإخلال الكامل بأمن الممرات المائية الحيوية واستحالة تعرضها لإغلاق من أي نوع حتى ولو كان نتيجة حادث عرضي مثلما حدث لناقلة الحاويات "إيفر غيفن" وإغلاقها قناة السويس لفترة خلفت خسائر فادحة وإرباكاً لحركة السفن الأخرى وحركة الصادرات، ويمكن أن تواجه حركة الملاحة البحرية حركات تمرد مثل القرصنة والهجوم بفعل ميليشيات مسلحة، ولكن يُستبعد أن تكون ساحة يمكن أن تنطلق منها العمليات العسكرية الكاملة، لعدم توحد أهداف القوى الدولية في المنطقة.

ولأسباب منطقية وملحة، تسعى الدول المطلة على البحر الأحمر إلى الدفاع عن أقاليمها وتدعيم قوتها الاقتصادية في مزج بين الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية، لتصبح قوة واحدة تتوافق في المصالح، حتى لا تُستغل ثغرات الحاجة الاقتصادية في بعضها التي قد تتحول إلى سلاح فتحدث تصادماً في التحالف التقليدي لهذه الدول، ومن غير تدعيم تعاون إقليمي للقوة الاقتصادية يمكن للقوى الدولية أن تستخدم عن طريق المنظمات الأممية وسائل عدة مثل الرقابة على التبادلات التجارية والإفقار عن طريق إشعال الحرب أو الصمت إزاء جهود إنهائها وإحلال السلام مثلما يحدث في بعض الدول مثل إثيوبيا والصومال، أو التأييد الضمني لأعمال العنف السياسي مثلما يحدث في السودان الآن، وهو ما يعرف بسياسة شد الأطراف، وهناك أيضاً فرض العقوبات الدولية والتطويق والهيمنة بأنواعها المختلفة خصوصاً الاقتصادية.

المزيد من تحلیل