Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الابتزاز الإلكتروني يعاني نقص الثقافة والتركيز على الجنس

يشير الواقع إلى أن كثيرين يفضلون عدم إبلاغ الشرطة رغم وجود نص قانوني خاص بمكافحة جرائم الإنترنت

الصفحات النسائية على فيسبوك أغلبها لشباب بحسابات مزيفة (رويترز)

وصلت عائلة الفتاة المنتحرة بسنت (17 سنة) قاعة المحكمة في محافظة الغربية (شمال مصر) وهي في حالة انهيار تام.

قررت المحكمة تأجيل النظر في قضية الانتحار الناجم عن الابتزاز الإلكتروني، وذلك بنشر صور فاضحة، قد تكون مفبركة، للفتاة المنتحرة على منصات التواصل الاجتماعي. الأم أكدت أن ابنتها كانت حافظة للقرآن الكريم، وأنها لم تكن تذهب إلا لدروس العلم وحفظ القرآن والأحاديث، في محاولة لتبرئة ساحة الابنة المتوفاة من شبهة سوء الأخلاق.

في اليوم ذاته، أحالت النيابة في محافظة الشرقية (شمال شرقي مصر) واقعة تعرض الشابة أماني (22 سنة) للابتزاز الإلكتروني إلى المحكمة الجنائية. وكانت شابة تدعى ياسمين قد أنشأت حسابات وهمية باسم أماني ونشرت عليها صوراً وعبارات خادشة للحياء بهدف ابتزازها.

قبلها بأيام، أبلغ أب الشرطة في قرية بمحافظة المنوفية (شمال مصر) أن شقيقته صورت ابنته الشابة في غرفة نومها في أوضاع غير محتشمة ونشرت الصور على صفحات القرية على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك للابتزاز الإلكتروني والضغط على شقيقها للحصول على جانب من البيت الذي تركته والدتهما المتوفاة.

وفي المحافظة نفسها، تعرضت طفلة في الصف الثالث الإعدادي للابتزاز الإلكتروني عبر قيام طالب بنشر صور مفبركة لها على منصات التواصل الاجتماعي، فما كان من الأب إلا أن توجه للشرطة للإبلاغ عن الواقعة.

إقبال على الابتزاز

يشير الواقع إلى إقبال ملحوظ على جرائم الابتزاز الإلكتروني في مصر، لا سيما على ابتزاز الإناث عبر نشر صور حقيقية أو مفبركة لهن على منصات التواصل الاجتماعي، أملاً في الحصول على مكاسب منهن، سواء كانت جنسية أو مادية.

ويبدو أن هذا الهوس بالإناث والإقبال الملحوظ على أداة الصور الفاضحة الضاغطة، جعل البعض يعتقد أن الابتزاز الإلكتروني هو الضغط على امرأة أو فتاة أو طفلة لإقامة علاقة جنسية بالتهديد بمحتوى جنسي منشور عبر الإنترنت، سواء كان المحتوى حقيقياً أو مفبركاً.

لكن الابتزاز الإلكتروني، هذه الجريمة التي شاعت في العصر الرقمي وأخذت تتمدد وتتطور مع زيادة أعداد المستخدمين وتحويل جوانب حياتية عدة من الواقع إلى الافتراض، أنواع وأشكال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دراسة عن الابتزاز الإلكتروني وطرق الوقاية منه أعدتها ونشرتها شركة "سايبر وان" المتخصصة في الحماية الإلكترونية، تشير إلى أن الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعاً في مجال الابتزاز الإلكتروني في المنطقة العربية هي: الابتزاز الإلكتروني المادي، والجنسي، والمنفعي.

الابتزاز المادي

 في الابتزاز المادي يخترق المبتز أو عصابة المبتزين الجهاز الإلكتروني الخاص بالضحية، وتُجمع معلومات وصور من شأنها أن تدين الضحية وتجعله ينصاع لأي مطالب غالباً ما تكون مادية.

ويعتمد على إرسال ما لديهم من معلومات وصور للضحية وأفراد أسرته، والتي عادة تكون موجودة على صفحات الضحية، للضغط عليه وترهيبه. وفي أغلب هذه المحاولات يطلب المبتز من الضحية تحويل مبلغ من المال لحساب بنكي أو وضع المبلغ في مكان محدد من دون أن يتقابل الطرفان خوفاً من أن تنصب الضحية كميناً للمبتز عبر إبلاغ الشرطة.

الابتزاز الجنسي

وإذا كانت الضحية تفكر مرتين قبل إبلاغ الشرطة خوفاً من افتضاح أمرها عبر ما حصل عليه المبتز من صور أو معلومات، فإن ضحية الابتزاز الإلكتروني تفكر عشرات المرات قبل أن تبلغ الشرطة.

هذا النوع من الابتزاز يقتصر عادة على الجوانب الجنسية ويستخدم المبتز صوراً أو مقاطع فيديو ذات طابع جنسي للضحية قد تكون حقيقية أو مفبركة.

ويظل يضغط عليها عبر تهديدها بنشر الصور أو ينشرها فعلاً على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي للحصول على منافع جنسية منها.

 وهناك من يطلب من الضحية صوراً أو مقاطع ذات محتوى جنسي يحدده هو، إضافة لما معه من صور ومقاطع، فتذعن الضحية خوفاً من تنفيذ تهديده بنشر الصور، فتجد نفسها حبيسة حلقة مفرغة من التهديد والإدانة والإذعان.

الابتزاز المنفعي

أما الابتزاز المنفعي، فيؤمن أصحابه بالتخصص. إذ يقتصر المبتزون في اختيار ضحاياهم على متخذي القرار والإعلاميين والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المميزة. ويكون هدف المبتز إنجاز بعض الأعمال أو الحصول على مميزات عبر الضغط على هذه الشخصيات الرفيعة والمعروفة بصور تشي بهفوات جنسية أو ما من شأنه أن يلحق الضرر بسمعة الشخصية العامة، وهو ما يجعل الأخير يذعن للمبتز خوفاً على عمله وسمعته وأسرته.

وفي مصر، وعلى الرغم من وجود نص قانوني خاص بمكافحة جرائم الإنترنت يتضمن فرض عقوبة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه مصري (نحو 6400 دولار)، ولا تتجاوز 300 ألف جنيه (نحو 19 ألف دولار)، فإن الواقع يشير إلى أن كثيرين يفضلون عدم إبلاغ الشرطة من جهة، كما أن المبالغ المالية ليست بالضخامة الرادعة للراغبين في الابتزاز. بمعنى آخر، وبحسبة بسيطة أحياناً تكون الفائدة أو المكاسب التي تعود على المبتز أكبر من سداد غرامة أو حتى قضاء فترة عقوبة.

تغليظ العقوبة

تقدم عضو مجلس الشيوخ المصري ياسر الهضيبي، بمقترح قبل أيام لتعديل نصوص قانون مكافحة الجرائم الإنترنت. هدف الهضيبي تغليظ العقوبة لمواجهة تفشيها في المجتمع المصري، لا سيما مع الانتشار الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي وتنامي عدد المستخدمين.

وعلى الرغم من أن جرائم الابتزاز الإلكتروني تأتي بأشكال وأنواع وأغراض متعددة، فإن الهضيبي والقاعدة العريضة من المصريين، وكذلك المشرعون يصبون جل الاهتمام وكل التركيز على الجرائم ذات الطابع الجنسي.

يقول الهضيبي، إن الجميع تابع ما تتعرض له فتيات من ابتزاز عبر منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، "وهو ما يستوجب معايير جديدة للتعامل مع هذه الحوادث، لا سيما أن الواقعة الأخيرة (انتحار الفتاة بسنت) تسببت في صدمة كبيرة للرأي العام. ورغم العقوبات بالسجن والغرامة المنصوص عليها في القانون، فإن الواقع أثبت أنها غير رادعة، وإلا لما تكررت".

يهدف مقترح الهضيبي إلى تعديل النص لتصل عقوبة الحبس إلى 15 عاماً في حال تسبب الابتزاز في فقدان الشخص لحياته. وأضاف "مطلوب تشديد عقوبات هذه الجرائم حتى لا يتحول الإنترنت إلى قنبلة موقوتة في أيدي البعض".

نقص حاد في الثقافة

المؤكد أن ثقافة الابتزاز الإلكتروني تعاني ضعفاً بين كل الأطراف: المبتزون ومنهم من يجهل معنى الابتزاز الإلكتروني أو يجهل عقوباته أو يعرفها، لكن يظن أنه الأكثر ذكاء، والمعرضون للابتزاز الذين يعتقدون أنه في الإمكان حل الموضوع "حبياً" أي عبر الأهل والأصدقاء والأقارب أو أن التعرض للابتزاز يعني تشويه السمعة وتدمير المستقبل وحمل وصمة مدى الحياة.

حياة البعض، لا سيما الفتيات والسيدات اللاتي تتعرضن لهزات عنيفة بسبب جرائم الابتزاز الإلكتروني، كثيراً ما تصبح في مهب الريح بسبب ثقافة المجتمع التي يغلب عليها الخوف من الفضيحة والسمعة أكثر من حماية الشخص المتعرض للابتزاز وعقاب المبتز.

ويكفي أن عضواً في مجلس النواب المصري هو أحمد مهنى اقترح قبل أسابيع مشروع قانون لتجريم الانتحار والشروع فيه، بمعنى آخر أن الانتحار والشروع فيه جريمة!

الغريب أن الهدف من مشروعه "مكافحة انتشار هذه الظاهرة البشعة، والحفاظ على الروح التي كرمها الله"، وذلك عبر فرض عقوبات علاجية إجبارية وأخرى مالية لإجبار الراغب في الانتحار على عدم الانتحار. والأغرب أن مشروع القانون يفرض عقوبة علاجية صحية إلزامية على الشخص الذي حاول الانتخار في حال نجاته، وذلك بالتنسيق بين وزارات الداخلية، والعدل، والصحة، والتضامن الاجتماعي.

ويتم الإيداع الإجباري لمن حاول الانتحار مصحة نفسية لفترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. وفي حال عودة الشخص لمحاولة تكرار الانتحار بعد انتهاء فترة العلاج يتم الحكم عليه بالعلاج مرة أخرى مع فرض غرامة مالية تتراوح قيمتها بين عشرة و50 ألف جنيه مصري! (بين 640 و3200 دولار) وهذا يعني أن ضرورة أن يفكر المنتحر الفقير مرتين قبل الإقدام على المحاولة. من جهة أخرى، يعكس مقترح القانون نقصاً حاداً في الإلمام بقواعد دخول المصحات النفسية وإرادة "المريض" ناهيك عن فهم دوافع الانتحار.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات