Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحركات برلمانية لتغليظ عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر

وقائع انتحار فتيات هزت الرأي العام ودفعت مجلس النواب إلى مراجعة القانون

لم يتطرق قانون مكافحة جرائم المعلومات إلى التهديد والابتزاز الإلكتروني في مصر (أ ف ب)

هايدي وبسنت، وقبلهما فتيات مصريات كثيرات لجأن إلى الانتحار، بعدما أظلمت الحياة في وجوههن، نتيجة تعرضهن للابتزاز الإلكتروني، الذي أصبح حديث الرأي العام المصري، أخيراً، وسط دعوات لتدخل تشريعي يحد من تداعيات تلك الظاهرة.

آخر وقائع الابتزاز الإلكتروني كانت ضحيته "هايدي"، التي لم تتخط الخامسة عشرة من العمر، وبعد نشر صور فاضحة لها على "فيسبوك" قررت تناول "حبة حفظ الغلال"، (مادة سامة شائع استخدامها في الانتحار)، لتنهي حياتها هرباً من جحيم الشعور بـ"العار" أمام أهل قريتها في محافظة الشرقية شمال القاهرة، على الرغم من أن الصور مفبركة مثلما تؤكد أسرتها، وكذلك وفق أقوال جارتها، المتهمة بفبركة ونشر الصور، أمام النيابة العامة، وفق ما ذكرته مواقع إخبارية محلية.

وجاءت تلك الواقعة بعد نحو شهر من انتحار "بسنت خالد"، وهي أيضاً فتاة عمرها 16 عاماً، انتشرت لها صور فاضحة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعها إلى إنهاء حياتها، وكتبت رسالة مؤثرة لوالدتها تؤكد أنها لم ترتكب أي جرم، وأن تلك الصور مفبركة، ما أثار تعاطف كثيرين، وكانت حديث الرأي العام المصري حينها.

العقوبة القانونية

وعلى الرغم من تحرك الشرطة في الواقعتين، وغيرهما من الأحداث المشابهة، وإلقاء القبض على المتهمين، فإن العقوبات المنتظرة لا تتناسب مع فعل الابتزاز الذي أفضى إلى دفع فتيات في مقتبل العمر إلى الانتحار، إذ ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الذي صدق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2018، في مادته 25 على معاقبة من يعتدي على "المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه (3181 إلى 6363 دولاراً أميركياً)، أو بإحدى العقوبتين، وتشمل العقوبة كل من نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أخباراً أو صوراً، وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص من دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".

كما ينص القانون على معاقبة كل من "تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه بالحبس لمدة لا تقل عن عامين، ولا تجاوز 5 أعوام، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تجاوز 300 ألف جنيه (من 6353 إلى 19059 دولاراً) أو بإحدى العقوبتين".

ولم يتطرق قانون مكافحة جرائم المعلومات إلى جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني، لكن قانون العقوبات ينص على معاقبة من يهدد شخصاً بجريمة ضد النفس بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب أموال، أما إذا كان مصحوباً بطلب مال فقد تصل العقوبة للحبس 7 سنوات.

تغليظ العقوبة

وبدأت التحركات داخل البرلمان المصري للمطالبة بتغليظ عقوبة جرائم الابتزاز الإلكتروني، إذ تقدمت مرثا محروس، وكيلة لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، باقتراح تعديل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. مشيرة إلى أن تزايد وقائع الابتزاز الإلكتروني، أخيراً، دعاها إلى تقديم مشروع القانون الجديد.

وأكدت محروس، في تصريحات صحافية، وجود ضرورة ملحة تستدعي تغليظ العقوبة. موضحة أن اقتراحها ينص على زيادة مدة الحبس إلى عامين بدلاً من 6 أشهر، إضافة إلى تغليظ الغرامة المالية في جرائم الابتزاز العادية، وتعديل نص العقوبة في حال أدى الابتزاز إلى انتحار الضحية، لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سبع سنوات، وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه (6353 دولاراً أميركياً)، ولا تزيد على مئتي ألف جنيه (12706 دولارات أميركية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لمشروع القانون المقترح، ستستبدل نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالنص الآتي: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن خمسمئة ألف جنيه (31766 دولاراً أميركياً) ولا تزيد على مليون جنيه (63539 دولاراً أميركياً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل برنامجاً معلوماتياً أو تقنية معلوماتية في انتهاك حرمة الحياة الخاصة والاعتداء على الخصوصية الشخصية أو العائلية للغير من خلال التصوير أو التسجيل أو التنصت عليه من دون علمه وموافقته أو في غير الحالات المصرح بها قانوناً، أو القيام بنشر معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية الغير من دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة".

واقترحت منى عبد الله، عضو مجلس النواب، تغيير المسمى القانوني لجريمة الابتزاز الإلكتروني من جنحة إلى جناية، باعتبارها "لا تقل خطورة عن القتل الخطأ، وبالفعل أدت لوقائع انتحار كثيرة"، وفق بيان صحافي أصدرته النائبة. مشددة على تغليظ العقوبات لتكون السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه (15884 دولاراً أميركياً).

ومن المنتظر أن يناقش مجلس النواب المصري، خلال الأيام القليلة المقبلة، طلباً من عضوة المجلس آيات الحداد موجهاً إلى رئيس الحكومة ووزارات الاتصالات والثقافة والعدل، بشأن الابتزاز الإلكتروني، طالبت خلاله بمواجهة الظاهرة من خلال التوعية والفكر ونشر المعرفة بجريمة الابتزاز وتعريف الفتيات بحقوقهن، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

"التشريع ليس الحل"

في المقابل، يرى محمد اليماني، صاحب مبادرة "قاوم" لمناهضة الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت، أن "الفترة الماضية شهدت تشديد العقوبات، وهي كافية، وتعتبر انتصاراً للمرأة المصرية"، لكنه اعتبر في تصريحات سابقة لـ"اندبندنت عربية" أن "الحلقة المفقودة هي الدور المجتمعي في اتخاذ خطوات جريئة ضد المبتز، سواء بمحاولة الحل الودي، أو اللجوء إلى القانون".

وقال اليماني، "أغلب أفراد المجتمع يستسهلون لوم الضحية، التي تكون بدورها غير واعية بحقوقها، بينما هي ليست كذلك في نظر القانون ولا تخضع للمساءلة، وعدم وجود أي احتمالية لفضيحة لمجرد تقدمها ببلاغ للشرطة، بل إن السلطات تكون حريصة على السرية في كافة الخطوات". ودعا المجتمع إلى "التعاون لصنع مساحة آمنة للجميع من خلال التوعية والتعليم لمحاربة السلوكيات السلبية".

وكشف صاحب مبادرة "قاوم"، أن تكرار تعرض الفتيات في سن المراهقة، داخل المجتمع المصري، لجرائم الابتزاز الجنسي، هو نتيجة لما سماه "انبطاح الأغلبية لجرائم الشرف"، ولوم الضحية حتى وإن كانت الصور المنتشرة لها مفبركة.

وطالب اليماني، أولياء الأمور بضرورة أن يتفهم الأب والأم مع الأبناء، لنزع الخوف منهم، خصوصاً لدى الفتيات، مع التخلي عن دور الأب الغليظ، واستحداث دور المرشد والصديق، ليكون أقرب لأطفالها، ليحميهم من الوقوع فريسة للابتزاز الإلكتروني، مع وجود رقابة على أنشطة المراهقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

"الأزهر" يدعم الضحايا

من جهته، أصدر الأزهر الشريف فتوى رسمية طالب فيها المجتمع بالوقوف إلى جانب الضحايا وتجنب الخوض في الأعراض. وقال مركز الفتوى العالمي، التابع للأزهر، في بيان رسمي، الأسبوع الماضي، إن ابتزاز الناس والطعن في أعراضهم بالفيديوهات والصور المفبركة "أمر محرم وجريمة منكرة". مؤكداً أن الانتحار "لن يكون حلاً ولا مهرباً، بل وهماً كبيراً، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا راحة في الموت لصاحب كبيرة".

وأكد الأزهر أن ما يجري تداوله على منصات التواصل الاجتماعي من مواقع وتطبيقات لتزييف وفبركة الصور ومقاطع الفيديوهات، التي يوظفها بعض المستخدمين في الابتزاز الإلكتروني بغرض جني المال، أو دفع عدد من الناس قسراً إلى أفعال منافية للآداب أو إلى جرائم جنسية، هي أفعال تحرمها الأديان، وتجرمها القوانين، وتأباها التقاليد والأعراف.

ودعا الأزهر المجتمع والأسرة إلى ضرورة الوقوف إلى جانب من يتعرض لخسة هؤلاء المجرمين، وعدم تضييع حقوق ذويهم بتوجيه اللوم والتسرع في إصدار الأحكام على الأبرياء، كما طالب الفتيات اللائي يتعرضن للابتزاز بسرعة توجههن إلى رب الأسرة، أو من يقوم مقامه وإعلامه بما يمارس ضدهن، لينال المجرم جزاءه، ويتخلص المجتمع من شر هذه الشرذمة الفاسدة.

ولا توجد إحصاءات رسمية عن معدل جرائم الابتزاز الإلكتروني في مصر، لكن دراسة سابقة أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، كشفت عن أن سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018 شهدا تقديم 1038 بلاغاً بجريمة إلكترونية، منها "ابتزاز إلكتروني"، ونجحت وزارة الداخلية في ضبط غالبية المتهمين فيها، ونشرت تلك الدراسة بمناسبة إصدار قانون مكافحة جرائم المعلومات في العام نفسه.

وبسبب طبيعة الوقائع التي تتصل بالشرف والسمعة، لا يصل كثير من وقائع الابتزاز إلى السلطات، وتخشى الضحية طلب المساعدة، ما يعرضها لاستمرار الابتزاز أو التعرض لإيذاء بدني من أسرتها.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي