Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبدالله صالح (12)

زيارة مسقط... 11 سبتمبر 2001

الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح (مواقع التواصل)

عاد "صالح" إلى صنعاء بعد زيارةٍ إلى الولايات المتحدة تلت زيارة كندا، وفي نهاية شهر أبريل (نيسان) تواصلت مع مدير مكتبه "علي الأنسي" وذكّرته بدعوة رسمية خاصة تلقيتها لزيارة سلطنة عمان، كنت قد أرسلتها إليه فور استلامي لها قبل مغادرتي البحرين، ومرت أشهر من دون أن أتلقى رداً من مكتب الرئاسة. وقال إنه سيعيد عرض الأمر على الرئيس. أصل الدعوة أن مسؤولاً رفيعاً في السلطنة زار البحرين والتقيت به حين كنت سفيراً وسألني إن كنت قد زرت بلاده، فأجبته بالنفي، ولما عاد أرسل إليّ دعوة استلمتها في وقت استعدادي للانتقال من البحرين إلى كندا.

زرت القاهرة في منتصف شهر يونيو (حزيران) عام 2000، وتواصلت مع صديقي سفير سلطنة عُمان في المنامة الذي استفسر عن موعد زيارتي، فأعدت الاتصال بأحد المساعدين ليعيد طرح الموضوع على "الرئيس"، وبعد أقل من ساعة جاء الرد حرفياً: "يقول الرئيس في أمان الله". بدأت بعدها تحديد مواعيد رحلتي إذ قررت زيارة أصدقائي في البحرين ثم تلبية دعوة سلطنة عمان، فقطر لزيارة سفير اليمن المرحوم الأستاذ عبدالسلام العنسي، وبعدها أعود من الدوحة إلى صنعاء.
كان الصديق المرحوم السفير علـي الكاف سفيراً لدى مسقط، فعمدت لإخباره بوصولي والتقينا في اليوم التالي، وأطلعته على الدعوة وأسبابها، وأخبرته أني قد ألتقي مسؤولين عُمانيين. طلبت منه مرافقتي إن رغب، لكنه اعتذر بلطف شديد كونها زيارة شخصية. قلت له إني سأسعى للقاء علي سالم البيض الذي كان مقيماً في مسقط... ولا بد أنه أبلغ صنعاء، وذلك أمر طبيعي.
التقيت عدداً من كبار المسؤولين في عُمان، بعضهم لسابق معرفة وآخرون لعلاقة قديمة ربطتهم بأخي الشهيد محمد نعمان الذي كان قريباً منهم حين كان وزيراً للخارجية ثم مستشاراً سياسياً للرئيس الراحل القاضي عبدالرحمن الأرياني، وكانوا يذكرون له مساعيه لوقف التوتر وإنهاء دعم اليمن الجنوبي لجبهة تحرير ظفار، حرصاً منه على استقرار المنطقة، وكنت أُطلع المرحوم السفير علي الكاف بفحوى ما سمعته وقلته في كل لقاءاتي.
عدت إلى صنعاء من الدوحة وحسب ما أفعله عادةً عند وصولي العاصمة اتصلت بالدكتور الأرياني واتفقنا أن أمرّ عليه مساءً، ثم اتصلت بالأستاذ عبدالعزيز عبدالغني فأجابني من تعز حيث كان مرافقاً لعلي صالح، وفاجأني بأن "الرئيس غاضب ومنزعج للغاية من زيارتي إلى مسقط"، وأن معلومات استخباراتية وصلته بـأني بحثت مع المسؤولين العُمانيين قضايا داخلية حساسة، وإني أبلغتهم معلومات عن الأوضاع الأمنية، وطلب مني أن أزوره حال عودته من تعز ليخبرني بالتفاصيل. وترجاني بلطفه المعتاد أن أتكتم على الأمر إلى حين عودة صالح إلى صنعاء.

في المساء التقيت الدكتور الأرياني وأخبرني أن "الرئيس" تواصل معه وقال له إن تقريراً "أمنياً" وصله وفيه معلومات عن أسباب زيارة مسقط، وما حدث خلالها، ومَن هي الشخصيات التي التقيتها. وزاد الأرياني بصراحته المعتادة أن الانزعاج الحقيقي هو بسبب وجود علي سالم البيض في مسقط، وأيضاً لأن المسـؤول العُماني الذي وجّه لي الدعوة كان من الأكثر قرباً إلى السلطان قابوس بن سعيد... نصحني الدكتور ألا أثير الموضوع حتى عودة الرئيس إلى صنعاء.

صباح اليوم التالي، اتصل بي أحد أصدقائي من مساعدي صالح ناقلاً إليّ رسالة كانت في مجملها تهكمية، وطلبت من المساعد أن يبلغه ردي الذي كان ساخراً من القضية برمتها. بعد دقائق اتصل الرئيس وقال "أنت تحت الإقامة الجبرية، وممنوع من السفر بتهمة التخابر مع دولة أجنبية"، وأغلق السماعة.

لم آخذ الأمر علـى محمل الجد فلبست ثيابي وخرجت من المنزل بصورة طبيعية، وعدت إليه عصراً، ثم ذهبت إلى مقيل القات مع أصدقاء... تلقيت رسالة على جهاز الـ Pager، وظهر رقم تحويلة "دار الرئاسة". اتصلت بهم فطلبوا مني الذهاب إلـى "الدار". حين وصلت وجدت "الرئيس" وحده وكان متجهماً، يقرأ باهتمام ورقة بيده... طلب مني الجلوس بجواره فـاعتذرت قائلاً "الذي تحبه أجلس أمامه"... لم يعلق وعاد إلى قراءة الورقة... بعد دقائق وصل "الدكتور" الأرياني، وعبّر عن ابتهاجه بوجودي فصاح بصوته المميز وضحكته المعبرة "مصطفى هنا. الحمد لله. فرجها الله عليه".

سألت "الرئيس"، "ما هي قصة التقرير الذي تلقيته من مسقط؟"، فقال إنه "من ضابط الارتباط اليمني وأن العُمانيين يشككون في سبب زيارتي، وأنها كانت بإلحاح مني، وإني طلبت منهم تمويلاً لعمليات أنوي القيام بها في تعز". وبعدما أنهى قراءة قائمة الاتهامات، قلت له "هل تصدق ما جاء في التقرير؟"، فرد "لا"... ثم التفت إلى الأرياني "يا دكتور مش اللي تحبه تشد عليه"... رديت "كل هذا من حب؟". قام من مكانه إلى خزانة في القاعة، وأعطاني كيساً فيه خمس علب من السيغار الكوبي تلقاها هدية من رئيس كوبا الراحل فيديل كاسترو بمناسبة الألفية الثانية. تحوّل المقيل بعد ذلك إلى بحث مواضيع مختلفة. غادرت مع الدكتور بسيارتي إلى منزله، وفي الطريق قال لي "غادر بسرعة فقد يتبدل المزاج بتقرير أمني ثانٍ". عدت إلى المنزل وحضر مندوب من طرف "الرئيس" ومعه ظرف فيه مبلغ من المال. اتصلت بالدكتور لأبلغه، فرد بالإنجليزية "سافر غداً".
غادرت صنعاء صباح اليوم التالي إلى القاهرة ثم سافرت إلى كندا، ولم أعد إلى اليمن إلا في أكتوبر (تشرين الأول) 2003. بعد ما حدث في صنعاء كنت أزور القاهرة من دون التفكير بالعودة إلى اليمن، بحسب نصيحة الراحلين عبدالعزيز عبدالغني وعبدالكريم الأرياني، وفيها كنت ألتقي بكثير من اليمنيين المقيمين والزائرين واستمع إلى تفاصيل ما كان خافياً بسبب البعد الجغرافي في أوتاوا... كما تجنبت زيارة أي عاصمة خليجية حتى لا أثير الشكوك التي تستهوي الأجهزة الأمنية التي لم تكن علاقتي بها طيبة أبداً.
مرت الأشهر هادئة في كندا إلى أن اهتز العالم بحادثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي أعادت صياغة السياسة الدولية. وأصاب الهلع العالم بإجراءات أمنية فرضتها الولايات المتحدة وتهديدات أطلقتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن لمعاقبة كل مَن شارك أو اشتُبه بمشاركته في تمويل أو درّب أو سهّل العملية الأكثر خطورة على أمن الولايات المتحدة منذ هاجمت البحرية اليابانية ميناء بيرل هاربور Pearl Harbor في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، مسرعةً دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
وفي خطابه الأول بعد الهجومَين الانتحاريَين على برجَي التجارة العالمي World Trade Center أطلق بوش المصطلح الذي قسم العالم إلى "إما أن تكونوا معنا أو تكونوا ضدنا"، معلناً عمّا أسماه "محور الشر" (إيران، العراق وكوريا الشمالية). وبات القرار الأميركي جاهزاً لتوجيه ضربة قاسية في أفغانستان التي حولها تنظيم "القاعدة" إلى معسكر مفتوح لمسلحيه بعد خروج القوات السوفياتية منها.
على الرغم من أن اليمن لم يكن ضمن الدول التي أعلن عنها الرئيس جورج بوش، إلا أن القلق والخوف انتشر عند اليمنيين بعد تصريح نسبه الإعلام الأميركي إلى قائد القوات المركزية السابق الجنرال أنتوني زيني Anthony Zinni (ترك الخدمة قبل 11 سبتمبر 2001 بـأشهر) يقول إن اليمن يجب أن يكون هدفاً تالياً للضربات الأميركية بعد أفغانستان. كان الأرياني يعلم بعلاقتي الطيبة مع قائد الأسطول الخامس بالبحرين فـأختلط عليه الأمر واتصل بي في كندا وكان قلقاً جداً. وقال إن التصريح تسبب في حالة هلع، وطلب أن أتأكد من الأمر. لم أتردد، واتصلت فوراً بصديقي قائد الأسطول، نائب الأدميرال تشارلز موور Charles Moore وكنت تعرفت إليه خلال عملي في البحرين... أبلغته بالقلق الذي يسود اليمن وأخبرته عن التصريح المنسوب للجنرال زيني. كان رد موور أن زيني ترك الخدمة وأنه يشك في صحة التصريح لأن "الولايات المتحدة" – بحسب قوله – "تعتبر اليمن شريكاً جاداً في الحرب ضد الإرهاب". واقترح موور أن يعطيني رقم منزل زيني في فلوريدا وأن أتصل به مباشرة... وهو ما حدث.
تحدثت مع الجنرال زيني وعرّفته بنفسي وأخبرته بالرسالة التي أبلغني الأرياني. نفى زيني الأمر تماماً، وأن علاقته بالرئيس اليمني طيبة وأن اليمن شريك. وقال إن تصريحه تم تناوله خارج سياقه. وسأل "ما الذي يمكن عمله؟". اقترحت أن يجري مقابلة تلفزيونية، فوافق من دون تردد. اتصلت بـ"الرئيس" ثم بالدكتور الأرياني وأبلغتهما بما سمعت. كلّف صالح أحد أعضاء سكرتاريته فارس السنباني للاتصال بزيني وتم ترتيب حديث على الهواء نفى خلاله ما نُسب إليه.
(وللحديث بقية)

المزيد من آراء