Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحق لقيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء؟

هناك من يرى أن المسألة الدستورية أصبحت كالمتاهة تضيع القراءات في ثناياها

صرح الرئيس التونسي، قيس سعيد، بأن المجلس الأعلى للقضاء "بات من الماضي". وفُهم من التصريح أنه إعلان لحل المجلس الذي تم تطويقه بقوات الأمن وإغلاقه أمام الموظفين.
 ونقلت صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك عن الرئيس قيس سعيد قوله، الاثنين، إنه لن يتدخل في القضاء.
وقال سعيد خلال اجتماع مع رئيسة الوزراء نجلاء بودن إنه اتخذ قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، "لأن ذلك أصبح ضرورة".

وأثار القرار جدلاً في الساحة السياسية التونسية، بين مَن يرى أن رئيس الجمهورية لا يمكنه دستورياً حل مؤسسة منتخبة ضامنة لـاستقلالية القضاء، ومَن يعتبر أن الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد يسمح لرئيس الدولة اتخاذ مثل هذه القرارات.
وأغلقت الشرطة التونسية الإثنين مقرّ المجلس الأعلى للقضاء. وقال رئيس المجلس يوسف بوزخر إن "قوات الأمن منعت الولوج إلى مقر المجلس الأعلى للقضاء". وأضاف بوزخر "لا نعرف مصدر هذه التعليمات ولكن نعرف أنّها غير شرعية ولا تستند الى مسوّغ قانوني"، مشيراً إلى أن "هذا يدلّ على أننا بلغنا مرحلة استيلاء السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة باستخدام القوة".
وحذّر بوزخر من أنها "مرحلة خطرة على القضاء والحقوق والحريات"، مؤكداً أن المجلس "سيواصل ممارسة مهماته".
وأعربت الولايات المتحدة عن "قلقها العميق" إزاء قرار الرئيس التونسي.  وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركي نيد برايس إن "القضاء المستقلّ عنصر حيوي لديموقراطية فعّالة وشفّافة. من الضروري أن تحافظ الحكومة التونسية على التزاماتها باحترام استقلال القضاء وفقاً للدستور".

الوضع الاستثنائي

يؤكد أستاذ القانون العام، النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي، رابح الخرايفي، أن لرئيس الجمهورية، في الظروف الاستثنائية، حق حل المجلس الأعلى للقضاء، استناداً إلى الأمر عدد 117 الذي ينص صراحة على أن "رئيس الجمهورية يمكنه اتخاذ مراسيم قانونية لتنظيم القضاء". ويلفت الخرايفي إلى ضرورة التمييز بين الظروف العادية والظروف الاستثنائية.

ويشدد الخرايفي على أن "رئيس الدولة لم يحذف المؤسسة (المجلس الأعلى للقضاء)، بل إن الأمر إعادة تركيبتها وتنظيمها"، مشيراً إلى أن "تعيين أعضاء المجلس الجدد سيكون بشكل مؤقت".

ويعتبر أستاذ القانون أن من "حق السلطة التنفيذية التدخل في القضاء في جانبه الإداري، وقرار رئيس الجمهورية حل المجلس الأعلى للقضاء ليس مساً لاستقلالية القضاء".

ويضيف أن "الترقية والتأديب والنقل هي من المسائل التي تمس استقلالية القضاء، في حال لم يتم وضع معايير واضحة وموضوعية".

ويشدد الخرايفي على أن "استقلالية القضاء لا تعني إحداث مجلس أعلى للقضاء فحسب، بل تشمل التشريعات وانتداب القضاة والتسريع في إجراءات التقاضي وتنظيم عمل المحاكم وتوفير أدوات العمل والظروف المريحة للقضاة".

دستور 2014 لا يسمح بحل المجلس

في المقابل، يعتقد أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق مختار، أن "المسألة الدستورية في تونس أصبحت كالمتاهة تضيع القراءات في ثناياها، والواضح أن لدينا دستوراً مكتوباً إلا أن التدابير الاستثنائية هي أمر واقع".

ويضيف مختار أن "دستور 2014 يجعل من المجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية لا يمكن المساس بها، خصوصاً في الظروف الاستثنائية، للحيلولة دون طرح تصور دستوري مفروض وموجه لخدمة السلطة السياسية القائمة، ويعد بهذا الشكل مساً باستقلالية السلطة القضائية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر أن "الأمر 117 جاء في إطار رد خطر داهم، وهو لا يخول رئيس الجمهورية التدخل بالسلطة القضائية"، مشيراً إلى أن "في الخطاب السياسي المطروح اليوم من جانب رئيس الجمهورية انتهاكاً لاستقلالية القضاء، تحت عنوان الإصلاح والتطهير".

ويسأل مختار عما إذا كان قرار رئيس الجمهورية الذي لم يحدد البديل "حذفاً للمؤسسة ككل أم إعادة ترتيبها وتركيبها؟". ويصف القرار بـ"غير المقبول، لا في مستوى المعايير الدستورية، ولا ضمن المعايير الدولية المتعلقة باستقلال القضاء"، معتبراً أن "استقلالية القضاء هي الملجأ الوحيد أمام الانحراف الأحادي أو المنحى الاستبدادي".

ويحذر من خطورة "إعادة هندسة المؤسسات في البلاد باعتبار أن السلطة التشريعية مجمدة والسلطة القضائية ستعاد هندستها"، قائلاً "نحن إزاء إعادة هندسة مؤسساتية خدمة للسلطة التنفيذية التي تنحو منحى انفرادياً تجميعياً للسلطات".

وللخروج من هذا الوضع، يرى مختار أنه لا بد من "توفير مخرج تفاوضي يحول دون احتمالات الفوضى والعنف".

جمعية القضاة وأحزاب ترفض

وحذرت جمعية القضاة التونسيين، في بيان، رئيس الجمهورية من المساس بالمجلس الأعلى للقضاء. وتعهدت باتخاذ "الخطوات النضالية اللازمة لحماية استقلال القضاء والمؤسسات القضائية".

وأكدت "تمسكها بمحاسبة كل من حاد عن واجب النزاهة والاستقلالية ضمن مسارات قانونية وبملفات، بعيداً من منطق الفوضى والعنف".

وأعلنت أحزاب تونسية، منها "التيار الديمقراطي" و"التكتل" و"الجمهوري"، في بيانات متفرقة، رفضها إعلان الرئيس سعيد، داعية "سائر القضاة والأحزاب الديمقراطية والمنظمات المدنية للتصدي لهذه المحاولة المفضوحة لإخضاع القضاء لسلطة الانقلاب".

المجلس الأعلى للقضاء يتمسك

يذكر أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، أكد في تصريح صحافي عدم وجود آلية قانونية أو دستورية تسمح للرئيس بحل المجلس الأعلى للقضاء، مضيفاً أنه سيدافع عن وجود المجلس بجميع الوسائل القانونية.

وقد انتقد الرئيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء، موجهاً له اتهامات بالتلاعب بعدد من الملفات، معلناً أنه أصبح في "عداد الماضي". واعتبر أنه أصبح مجلساً "تباع فيه المناصب"، مضيفاً أنه يتم "وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات".

المزيد من العالم العربي