Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللاجئون الأفارقة يغزون شوارع الجزائر وسط تحذيرات من مخاطر صحية

"الظاهرة يمكنها المساهمة في ارتفاع صوت خطابات الكراهية إذا أثروا مستقبلاً في قيم المجتمع"

الانتشار المتزايد للاجئين الأفارقة في مختلف الشوارع والمدن الجزائرية يمثل تحدياً صعباً (أ ف ب)

عاد اللاجئون الأفارقة لـ"غزو" مدن الجزائر بشكل مفاجئ، وصنعوا بذلك مشاهد بقدر ما تُثير الشفقة، تشوّه المنظر العام بسبب ممارسات فوضوية، الأمر الذي جعل الظاهرة حديث الشارع والمجتمع المدني مقابل "صمت" رسمي.

وحذرت الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، من الانتشار العشوائي للمهاجرين الأفارقة في الشوارع والطرقات والساحات العمومية، من دون تفعيل آليات الرقابة الصحية المعتمدة، ما يهدد بتفشي الأمراض الخطيرة والمُعدية على غرار الملاريا والفيروسات الطفيلية، بالإضافة إلى فيروس كورونا، وانتقدت غلق مراكز استقبال اللاجئين، ما تركهم يهيمون في الشوارع من دون رقابة ورعاية من طرف الهيئات المعنية.

وأبرز رئيس الهيئة، مصطفى خياطي، أن جميع حالات الملاريا المسجلة العام الماضي في الجزائر، والتي تجاوزت 200 حالة، كان مصدرها النازحون الأفارقة، بالإضافة إلى تسجيل عشرات الحالات من  الأمراض الطفيلية والفيروسية التي تشكل خطراً على الصحة العمومية، وقال إن هؤلاء اللاجئين في احتكاك يومي مع المواطنين في الشوارع والطرقات، مطالباً بضرورة تسطير برنامج عاجل لتشديد المراقبة الطبية على اللاجئين بالتنسيق بين هيئة استقبال اللاجئين والهلال الأحمر والسلطات الصحية.

تحدٍّ صعب

ورد الهلال الأحمر الجزائري على غلق مراكز اللاجئين، بأن إقدام المنظمة على القرار جاء بعد صعوبة التحكم بالمهاجرين الذين يفضلون الترحال والتنقل، ويرفضون البقاء في مكان ثابت، وهو ما وقف عليه الهلال الأحمر في العديد من المحافظات التي بقيت فيها مراكز استقبال اللاجئين فارغة، وهو ما استدعى غلقها النهائي، واستبدال المتابعة والاهتمام بالخرجات الميدانية للتكفل الصحي والاجتماعي في أماكن وجودهم.

واعتبر أن الانتشار المتزايد للاجئين الأفارقة في مختلف الشوارع والمدن الجزائرية، يمثل تحدياً صعباً في ظل الأوضاع الصحية التي تعيشها البلاد مع جائحة كورونا، مرجعاً هذا "الغزو" إلى تردي الأوضاع في البلدان المجاورة للجزائر، وكشف عن أن هؤلاء الذين فروا من النيجر ومالي وتشاد وغيرها من الدول الأفريقية بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، اتخذوا من ورشات البناء والمساكن المهجورة وغير المكتملة وأقبية العمارات وأسفل الجسور أماكن إقامة ليلاً، حيث تنعدم أبسط المتطلبات الصحية وضروريات الحياة، فيما ينتشرون نهاراً عبر عدد من النقاط التي تعرف حركة ونشاط من أجل ممارسة التسول.

وأكدت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، أن الجزائر عملت كل ما بوسعها لحفظ كرامة النازحين، سواء أكانوا مهاجرين من أفريقيا أو سوريا، وأمّنت لهم كل ضرورات عيش حياة كريمة، إلا أن بعضهم فضل الخروج إلى الشوارع للتسول، سواء بصفة إرادية أم بإيعاز. وقالت، "نحن كهيئة وفي ظل جائحة كورونا، اجتهدنا لحماية اللاجئين، سواء من خلال المأوى والمأكل أو الفحوصات الطبية، ولكن الكثير منهم يغيّرون مكان إقامتهم دورياً، ويختفون عن الأنظار، فتجدنا نركض خلفهم في كل مرة"، معبرة عن أسفها لانخراط هؤلاء في ظاهرة التسول التي يعاقب عليها القانون الجزائري الذي يشدد العقوبات عند استغلال الأطفال القُصّر في هذه العملية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشكلة مركبة

في السياق، يعلّق أستاذ العلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان، على الظاهرة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، ويقول إن "الوضع خطير، والظاهرة تعد أحد التهديدات الأمنية على اعتبار أنها محاولة لإغراق الجزائر بأعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء منذ انهيار النظام الليبي، حيث تزايدت الأعداد بأشكال مهولة، بخاصة بعد ظهور ميليشيات في ليبيا حارسة للاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقيات مع إيطاليا في سابقة خطيرة إزاء القانون الدولي". وشدد على أنه "في هذه اللحظة لم نعد نتكلم عن مهاجرين غير شرعيين قادمين من أفريقيا جنوب الصحراء نتيجة الحروب أو الأزمات البيئية أو الصراعات العرقية، وإنما نواجه مشكلة مركبة نتيجة المهاجرين غير الشرعيين المولودين في الجزائر، الذين تتراوح أعمار بعضهم بين 10و15 عاماً، حيث لا يعرفون بلدانهم الأصلية، وليسوا مدمجين في الجزائر".

ويتابع حفيان، أن الظاهرة قد تشكل أزمات مركبة في ظاهرة إدماج مهاجرين وحقوق إنسان وأزمات شغل في المستقبل، لأنه نظراً لعدم توافر بنية تحتية معلوماتية عن المهاجرين ومواطنهم الأصلية يصعّب من حلول إعادتهم إلى بلدانهم، وهو ما يجعلهم عرضة لما يسمى الإرهاب الهجين والجريمة المركبة، "ما يجعلنا أمام وضعيات أجساد بشرية للكراء"، محذراً من أن "يصبح ملف المهاجرين غير الشرعيين محل تجاذبات سياسية كبرى، إما أن نمارس دور الشرطي للضفة الأخرى، وإما أن يلعب النظام دور توظيف ورقة المهاجرين غير الشرعيين للضغط على الضفة الشمالية للمتوسط". وأشار إلى أن الظاهرة يمكنها المساهمة أيضاً في ارتفاع صوت خطابات الكراهية إزاء المهاجرين إذا أثروا مستقبلاً في قيم المجتمع الجزائري وفي سوق الوظائف ذات الطلب العام، ما يجعل من الظاهرة موضوعاً أساسياً في برامج التسويق السياسي الداخلي لدى التيارات الشعبوية بشكل يمس بقيم الديمقراطية والتعددية والتسامح المشكلة لمنطق أخلقة العملية السياسية والخطابات المرتبطة بها.

ظاهرة محيّرة

من جانبها، ترى الإعلامية المهتمة بالشأن السياسي، أميرة خاتو، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن ظاهرة انتشار اللاجئين الأفارقة في الجزائر لطالما كانت محيرة، إذ تختفي حيناً وتعود للظهور بشكل مفاجئ، وقد عادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، مشيرة إلى أن الظاهرة قد لا تكون صحية على اعتبار أن المتعارف عليه يستدعي أماكن مخصصة لإقامة اللاجئين، بخاصة أن "أغلب أشقائنا اللاجئين يمتهنون التسول الذي يعاقب عليه القانون الجزائري، وهو ليس حلاً لهم ولا للمواطنين الجزائريين".

وتواصل خاتو، أنه على السلطات التشدد في توفير المناخ المناسب للاجئين والحد من انتشارهم بشكل عشوائي في الشوارع والأحياء، مضيفة أن الأسباب تبقى مبهمة باعتبار أن القضية لا تناقش إعلامياً، ولا يتم التطرق إليها بشكل صريح. وأوضحت أن الظاهرة تؤثر بالدرجة الأولى على أطفال اللاجئين الذين أصبحوا أداة للتسول، ثم إن الانتشار العشوائي للاجئين قد يهدد الأمن العام وسلامة المواطنين واللاجئين على حد سواء.

ثقل حقوقي وعبء اقتصادي

لم يعد ملف اللاجئين يشكل ثقلاً حقوقياً للجزائر، ولكن مع ارتفاع عدد القادمين من أفريقيا يزداد الضغط اقتصادياً على بلد يحاول الخروج من مشاكل داخلية أنهكته، وحسب بيانات سابقة لوزارة الداخلية، فإن الجزائر أنفقت في 2018 وحدها ما قيمته 30 مليون دولار على عمليات التكفل الصحي والإيواء والإطعام والترحيل التي استفاد منها المهاجرون الأفارقة. 

وترافع الجزائر منذ سنوات لعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية في معالجة ظاهرة الهجرة على المستوى الدولي، بخاصة في البحر الأبيض المتوسط، إذ دعت في أكثر من مرة على مستوى مجموعة "5+5"، أو خلال اللقاءات الثنائية مع نظرائها الأوروبيين على ضرورة اعتماد مقاربة تنموية في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، إذ تعتقد أن غياب الأفق المعيشي والاقتصادي بدول أفريقيا جنوب الصحراء هو السبب الرئيس في هجرتهم نحو الشمال.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير