Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تسعى روما لفك الطوق العسكري عن طرابلس؟

جملة تساؤلات حول دوافع إيطاليا وما يكمن خلف نشاطها الديبلوماسي الملحوظ لحل الأزمة الليبية

مكاسب اقتصادية تدفع ايطاليا لحل الحرب الليبية (أ ف ب)

في الوقت الذي خفت كثير من الأصوات الدولية التي كانت تسمع بكثرة مع بداية معارك العاصمة الليبية طرابلس، خصوصاً في بريطانيا وألمانيا اللتين فشلتا مراراً في حشد موقف أوروبي ودولي موحد يخمد نار الحرب الليبية في مهدها، ما زالت إيطاليا تسعى لوقف الحرب وفك الطوق العسكري عن طرابلس. وأثارت هذه المساعي الإيطالية جملة تساؤلات حول دوافع روما وما يكمن خلف نشاطها الديبلوماسي الملحوظ لحل الأزمة الليبية.

لا تغير في المواقف

آخر التصريحات الرسمية الصادرة من روما حول معضلة طرابلس كانت من وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، التي قالت إن حكومة بلادها لم تغير موقفها تجاه الأزمة الليبية، وإنها تواصل دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فائز السراج، إضافة إلى ضرورة التوصل إلى "حل سياسي" لهذه الأزمة. وحول علاقة الحكومة الإيطالية بالقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر وزيارته الأخيرة لروما، أوضحت ترينتا خلال جلسة استماع مشتركة للجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في مجلسي النواب والشيوخ: "نحن بحاجة إلى إعادة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، لهذا السبب من الضروري التحدث مع الجميع، ونحن بحاجة للقيام بذلك بطريقة واضحة". وأضافت ترينتا "علمنا التاريخ أن السلام الذي يتحقق بالسلاح، إن لم يكن مدعوماً باستقرار العلاقات بين الأطراف المعنية، سيؤدي على الفور إلى حرب أخرى. هذا هو السبب في أننا نقول إنه يتعين تجنب الحل القائم على السلاح. إنها ليست سلمية بحتة، فإذا لم يتم التوصل إلى حوار سياسي في ليبيا، فإن السلاح سيكون قليل الجدوى".

اعتراف بالعجز

من جهته، اعترف وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي، بعجز بلاده عن حل الأزمة الليبية واصفاً الوضع بـ"الصعب للغاية"، مطالباً بتعاون دولي أوسع لحل الأزمة. وقال خلال جلسة استماع مشتركة أمام لجنتي الخارجية والدفاع في مجلسي الشيوخ والنواب "ربما يتطلب الأمر صبًرا كبيراً في ما يتعلق بجهود إعادة الاستقرار هناك»، بحسب وكالة «آكي» الإيطالية. وشدد على أن ذلك "يتطلب أولاً وقبل كل شيء تعاوناً دولياً أوسع، وهناك حاجة إلى التزام أكثر نشاطاً ووضوحاً من طرف الاتحاد الأوروبي". وقال وزير الخارجية "لا يمكن التفكير في أن دولة واحدة، بغض النظر عن مدى قربها، بوسعها أن تحقق الاستقرار في ليبيا بمفردها".

ما تخشى روما في طرابلس؟

ويفسر البعض نشاط الديبلوماسية الإيطالية تجاه الأزمة الليبية وحرب عاصمتها الطاحنة بخوفها من تفشي الفوضى في جنوب المتوسط، ما يزيد من فرص تدفق المهاجرين إلى شواطئ إيطاليا وما يخلفه من ضغوط سياسية واقتصادية لا تخفى على أحد، بينما يفسرها آخرون بمحاولة إنقاذ للسراج وحكومة الوفاق دفاعاً عن ما يوفره لها من فرص استثمارية واقتصادية هامة، خصوصاً في مجال الطاقة الذي تتسابق مع باريس حوله في ليبيا.

فضاء حيوي

ويرى الباحث الاستراتيجي المصري الدكتور خالد حنفي علي، أن "ليبيا تشكل فضاءً حيوياً لحركة الدولة الإيطالية والدفاع عن أمنها ومصالحها في جنوب البحر المتوسط، وهو أمر برز جلياً منذ احتلال روما لهذا البلد بين عامي 1911 و1943، مروراً بسعي الحكومات الإيطالية المتعاقبة لاستيعاب نظام القذافي، وإقامة شراكات وثيقة معه، ووصولاً إلى المساعي الراهنة لاستعادة النفوذ الإيطالي في هذا البلد في السنوات التي تلت سقوط ذلك النظام في عام 2011". ويرى الدكتور خالد أن "ذلك الاهتمام الإيطالي مدفوع بمصالح رئيسية، بعضها قديم مستمر، والآخر نشأ بعد انتشار الفوضى إثر سقوط نظام القذافي، ومن أبرزها، الحفاظ على إمدادات الطاقة، بخاصة النفط والغاز، مع تنويع خياراتها باتجاه الاعتماد على دول أخرى، وتوسيع الاستثمارات والتجارة، والحد من تدفقات الهجرة عبر السواحل الليبية في جنوب البحر المتوسط، وأخيراً الحد من تأثير الفاعلين الخارجيين على تلك المصالح، خصوصاً مع اتساع رقعة التدخل الخارجي في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي". ويضيف "تلك المصالح الإيطالية تبدو متشابكة ومقيدة في آن واحد مع المنافسين الإقليميين والدوليين على ليبيا، على أكثر من صعيد".

نزعة برغماتية

أما الباحث الليبي جبريل محمد فيرى "أن إيطاليا تتعامل مع ليبيا بنزعة برغماتية تتحالف مع بعض الميليشيات المسيطرة على حقول الغاز في الغرب الليبي، كون إيطاليا شريكاً مع ليبيا في إنتاج هذه الحقول". ويضيف جبريل "إيطاليا تحكمها النزعة الميكافيلية، لتبرير براغماتية توجهاتها وتقلب هواها السياسي، من خلال تاريخ طويل بدأ من أطماع إيطاليا في ليبيا كشاطئ رابع حتى ركوع برلسكوني في خيمة القذافي". ويوضح "إيطاليا تحكمها مصالح أمن حدودي مع ليبيا، وبخاصة أن شواطئها لا تبعد سوى 300 ميل عن شواطئ إيطاليا، حيث تعتبر قبلة الجياع والفارين من جحيم الفقر والجوع والمرض والحروب في أفريقيا؛ مما يتسبب في فوضى في البلدين".

أطماع قديمة ومصالح متجددة

في المقابل، يرى دكتور الاقتصاد والعلوم السياسية صالح الجهمي أن أسباب التدخل المباشر لإيطاليا في الشأن الليبي له أسباب عدة منها "التاريخي، فالإيطاليون منذ عهد المملكة الرومانية يرون في ليبيا شاطئهم الرابع ومستعمرة تابعة للإمبراطورية وهي الفكرة التي عززت في العهد الفاشيستي بقيادة موسوليني، ولذا فهم يرون كل ما يدور في ليبيا شأن إيطالي مباشر". ويضيف الجهمي "الفوضى خلال السنوات الأخيرة في ليبيا أحيت المطامع الإيطالية في السيطرة على ليبيا ومواردها ولو حتى بالتحكم عن بعد وليس الاستعمار المباشر". ويبين الدكتور صالح أن "الدافع والمحرك الثاني المهم المصلحة الاقتصادية، ولندلل عليه يكفي أن نعرف أن إيطاليا سيطرت بالكامل في السنوات الأخيرة على حقوق إنتاج النفط في حقل البوري البحري وهو واحد من أضخم حقول النفط في المتوسط، الذي ينتج وحده 300 ألف برميل يومياً وهو قبالة شواطئ طرابلس". وتبقى الأسئلة المعلقة كثيرة حول طبيعة الدور الإيطالي في الأزمة الليبية ورغبتها الملحة لإيقاف حرب العاصمة والعودة إلى مسار سياسي طال سابقاً، ولم يفلح في حل أزمات البلاد بل أوصلها لقرع طبول حرب ضروس يرى البعض أن لا إيطاليا ولا غيرها بات قادراً على إطفاء حرائقها بعد اندلاع شرارتها الأولى في أبريل (نيسان) الماضي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي