Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف غيرت فكرة "الحديقة الرأسية" الأسس التقليدية للبستنة؟

قيمة جمالية وفنية وحل مبتكر وناجع للبيئة والمحيط والسكان

سقف مركز الملك عبد الله للمؤتمرات الدولية في جدة (موقع باتريك بلان)

لطالما كانت حدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، مثالاً للسحر والجمال والإعجاز الهندسي، وهي أقدم وأبرز فكرة للزراعة الرأسية في التاريخ، وفي وقتنا الذي يزداد فيه عدد الأبنية والأبراج الشاهقة، وتتقلص المساحات الأفقية الخضراء لتصبح تدريجياً المساحة المخصصة للحدائق محدودة، تأتي "الحدائق الرأسية" كحل مبتكر وناجع للبيئة والمحيط والسكان أيضاً.

المساحات الخضراء

لقد مر الوعي المعماري بفترة طويلة من الانخفاض في بعض المجتمعات، فتراجعت أهمية الحدائق والمساحات الخضراء، إذ كان ينظر إليها على أنها رفاهية تقتصر على المظهر الجمالي، متناسين وظيفة المساحات الخضراء في تنقية الهواء وتلطيف الجو وتحسين المناخ المحلي، بخاصة في المناطق الحارة، إذ يسهم الظل الكثيف حول المباني بخفض درجة الحرارة بنسبة جيدة، إضافة إلى أهمية تأثيرها النفسي والاجتماعي.

فمن إحدى سلبيات مواد البناء الحديثة أن الأشعة الشمسية تمتص من قبل المباني، وتُخزن الحرارة في موادها، ثم يعاد إصدارها مرة أخرى، ما يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة في الليل، وعلى عكس ذلك يقوم الغطاء النباتي بخفض درجة حرارة المبنى، الأمر الذي يقلل بدوره أيضاً من استهلاك الطاقة.

البستنة على سطح عمودي

تنسب الفكرة العملية الأولى للزراعة الرأسية إلى المعماري الأميركي ستانلي هارت وايت، الذي طور نماذج أولية في فناء منزله الخلفي وحصل على براءة اختراع لاختراعه المسمى "الطوب النباتي"، Botanical Bricks، وهي عبارة عن وحدات نباتية يمكن بناؤها إلى أي ارتفاع، للحصول بشكل سريع على تأثيرات شبيهة بالمناظر الطبيعية، أو الأسطح الرأسية المغطاة بما يشبه النباتات المعترشة أو الكروم المزهرة.

لكن غالباً ما يُنسب التعميم المعاصر للحوائط الخضراء أو الحدائق الخضراء إلى باتريك بلان، عالم النبات الفرنسي المتخصص في نباتات الغابات الاستوائية، الذي ابتكر فكرة "الحديقة الرأسية" الخضراء أو حديقة الزراعة المائية العمودية الحديثة، التي تختلف عن سابقتها بآلية تصميمها وطريقة عملها.

الحوائط والواجهات الخضراء

يُطبَّق في نظم التخضير الرأسي نمطان رئيسان، "الحدائق الخضراء" أو "الحوائط الحية" و"الواجهات الخضراء". ويختلف نمط النظامين، إذ يمتلك الأول وسط نمو على وجه الجدار المضيف، في حين أن وسط نمو "الواجهات الخضراء" يتركز في القاعدة، التي تأخذ شكل إناء أو حاوية أو فرشة أرضية، كأساس ينطلق منه النبات رأسياً، فهو يستخدم نظام التسلق باعتماد النباتات المتسلقة كاللبلاب الإنجليزي، الذي تمتاز جذوره بخاصية الالتصاق مباشرة على الحائط وتغطية أسطح بأكملها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين تدعم الواجهات الخضراء عادة النباتات المتسلقة رأسياً، يمكن للجدران الخضراء أن تستوعب أصنافاً متنوعة من النباتات، وخليطاً من الحشائش والزهور والشجيرات الصغيرة والخضار مثل الطماطم والثوم وغيرها، كما يمكن زراعة الجدران في داخل المباني أو في الهواء الطلق، كتركيبات مستقلة وقائمة بذاتها أو ملحقة بجدران مضيفة موجودة مسبقاً، ويمكن تطبيقها بأحجام عدة، حيث تستخدم في هذا النظام ركائز اصطناعية للسماح للنباتات المزروعة مسبقاً على شكل لوحات أو بساط أو وحدات رأسية، بالنمو في صفوف على حوائط المباني، مثبتة رأسياً على الحائط الأساسي أو إطار معد خصيصاً لهذا الغرض.

الحدائق الرأسية

إذاً، الحدائق الرأسية أو الجدار الأخضر عبارة عن بناء أو هيكل مشيد رأسياً، إما قائمة بذاتها ومستقلة عن الجدار، أو كجزء من هياكل المباني، وهي مغطاة لقصد أو غاية معينة بمساحة نباتية، عبارة عن بيئة نمو مُنفّذ بشكل عمودي، مثل التربة أو طبقة بديلة أو سجادة الزراعة المائية، حيث تنمو جذور النباتات في جيوب في جدار يتكون من وسط نمو غير التربة، الذي يتكون بشكل أساسي من الألياف النباتية الخفيفة الوزن، بالتالي ليس لهذا الجدار أي أثر في الجدار الأساسي للمبنى، ويراعى وضع طبقة عازلة بين الجدارين.

كما يراعى استخدام أنواع نباتية مناسبة لكل منطقة، واختيار إضاءة صناعية مناسبة لتأمين احتياجات النباتات من الضوء، بالإضافة إلى نظام آلي متكامل للري والتسميد يعمل في دائرة مغلقة، ويتكون من مضخة تضخ الماء المذابة فيه أسمدة بتراكيز خفيفة من خزان ماء مخفي، والماء الزائد على حاجة النبات يعود إلى الخزان نفسه مرة أخرى وتتكرر عملية الري هذه مرات عدة في اليوم وبشكل آلي.

قيمة جمالية وبيئية

لهذه التقنية قيمة جمالية وفنية وفوائد بيئية، فهي بالإضافة إلى ما توفره من مساحة أفقية، وما تضيفه من جمالية للهياكل الأسمنتية، يحول المشهد الحضري إلى بيئة طبيعية، وتساعد الحدائق الخضراء على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وطرح الأكسجين، وامتصاص الحرارة مع الحفاظ على اعتدال درجة الحرارة الداخلية للمبنى عن طريق التظليل الخارجي، وبالتالي ترشيد الطاقة، ويقلل من تأثير ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية من خلال عملية التبخر التنحي الناتج عن التربة والنبات.

كما أنه يسهم في تعزيز الصحة البشرية من خلال توفير الرطوبة الجوية وتنقية الهواء من الغازات السامة وتحسين جودته، ويحافظ نظام الري الآلي المستخدم على النباتات من الذبول، ويقلل من فقد المياه، إذ إن كمية الماء الذي يفقد نتيجة التبخر من الأسطح الرأسية أقل منها في الأسطح الأفقية، وتظهر أهمية هذه الميزة بخاصة في المناطق الجافة حيث قلة المصادر المائية.

وهكذا تعيد "الحدائق الرأسية"، من خلال اعتماد الجمع بين الجماليات والمبادئ البيئية، كتابة قواعد جديدة بتغيير الأسس التقليدية للبستنة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات