Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهاد الرنتيسي يروي خيبات الفلسطينيين والعلاقات المنكسرة

" بقايا رغوة" تدور أحداثها داخل خريطة المنفى العربي والمصائر المجهولة

لوحة للرسام الفلسطيني مصطفى الحلاج (صفحة الرسام على فيسبوك)

معتمداً أسلوباً سردياً يشبه الثيمة المتقطعة زمنياً في رواية "بقايا رغوة"، يسرد الكاتب الفلسطيني جهاد الرنتيسي بشجن، انكسار العلاقات الإنسانية، يتخلله العبور من خيبة النضال، الذي يراه الرنتيسي في ما تبقى من رغوة، لا تلبث أن تتبدد كما رغوة الصابون. وربما أخذ بالقول الشائع "كل شيء عند العرب صابون". لكن الرغوة التي قد تتدفق من الجعة حيناً والقهوة حيناً آخر، هي هنا رغوة الصابون، في معرض بحث الكاتب ربما عن تنظيف تاريخ من العلاقات الإنسانية تكسرت على دروب الهجرات الفلسطينية المتكررة، لا سيما تلك الهجرة التي أعقبت الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 الذي دعمه ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني، ليتم من ثم طرد الجيش الغازي لاحقاً عبر تحالف عاصفة الصحراء. ما نعرفه عن الكاتب أنه عاش في الكويت معظم سني حياته منذ عام 1976 وحتى عام 1991.

عمل جهاد الرنتيسي في مجلة "الطليعة" الكويتية ونشر عديداً من القصص القصيرة في مجلات وصحف عديدة منها "القبس الكويتية" و"مجلة الكاتب الفلسطيني" في دمشق و"أفكار" الأردنية و"نزوى" العمانية. ومن هذه القصص "الفتى الأسمر الطويل" و"تداعيات سامي كنعان" و"اليوم الخامس لاختفاء خنيفر الشعبي". وتركت نشأته في الكويت بصماتها، في قصصه كما في معظم كتاباته. وصدر له كتاب "الترانسفير الثالث" عن المؤسسة العربية للنشر، و"روائيون في متاهة الشرق" عن دار ابن رشد في القاهرة. أما رواية" بقايا رغوة" فهي الجزء الأول من "رباعية" تتناول يوميات مسكوت عنها، تتناول واقعاً مجهولاً عاشه الفلسطينيون في الكويت (بحسب الرنتيسي) لم يأخذ حقه في الإنتاج الأدبي والاجتماعي والسياسي حتى يومنا هذا.

هجرة وغرام

تبدأ رواية "بقايا رغوة" في زمن الهجرة الفلسطينية من الكويت بعد انتصار "تحالف عاصفة الصحراء" على الغزو العراقي المدعوم ضمناً من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. ينطلق الرنتيسي في عمله السردي من علاقة غرامية لامرأة متزوجة تدعى "غادة الأسمر"، وهي تتابع خط سير رحلة عشيقها "الميكانيكي" رشاد، وهو قادم من الكويت عبر الحدود الأردنية وخضوعه لاستجواب الاستخبارات الأردنية الروتيني. كانت غادة قد سبقته في الخروج من الكويت "تحسباً" لتداعيات موقف ياسر عرفات كما الأردن، في ذلك الحين على الفلسطينيين خصوصاً والأردنيين وبعض العرب عموماً. لم تأخذ شيئاً من أثاثها كي لا تلفت الأنظار، حين طلب إليها زوجها المغادرة إلى عمّان بشكل عاجل. كان صبحي الحسن رجلاً كريهاً وفاسداً. تزوجته في غفلة من الزمن حين لم تتمكن من الزواج من "رشيد" الذي ظلت تتخيله في الفراش أثناء معاشرتها زوجها، كنوع من تحملها لهذا الزوج الذي أنجبت منه طفلاً جميلاً أسمته "وسيم".

حين يخرج "رشاد" الميكانيكي أمامها يغيب "رشيد" في ضباب الخيبة الوجودية التي قادت غادة إلي التورط في علاقات متعددة متلاحقة، قبل زمن الهجرة من الكويت وبعدها. وكان فيها رشاد القطرة الأخيرة التي فاض بها كأس حياتها، لا سيما مع وصول علاقتها مع زوجها صبحي إلى نهاياتها، بعد انكشاف فساده وتبدل ولاءاته داخل التيارات اليسارية لحركة "فتح"، لحظة إنزاله صورة "ماجد أبو شرار" القائد الفلسطيني اليساري المتحالف مع "أبو صالح" ومجموعة كبيرة من القياديين اليساريين داخل "فتح". وترد في الرواية أسماء عديدة لقياديين في "فتح" وفصائل أخرى يسرد فيها الرنتيسي ما يشبه الخيبات النضالية والعثرات التي شقت طريقها، وهددت حياة عديدين منهم في الواقع بالاغتيال (ناجي علوش، مثالاً). وهو يستعير فيها أحداثاً واقعية مزجها بالمتخيل الروائي للسرد، الذي بدا كأنه خلفية للانكسارات ومرارات الخيبة في العلاقة الزوجية لغادة الأسمر، كما علاقاتها الغرامية خارج إطار الزواج، امتدادا لعلاقات الصداقة والنضال التي شابها ما شابها من نفاق وازدواجية المعايير.

علاقات معقدة

نرى ذلك في علاقتها مع الحزب وتشجيع صديقتها فدوى لها في الارتقاء التنظيمي، خصوصاً حين جمعتها مع الأمين العام (الذي لا يسميه الرنتيسي) كما لو أنه رمز لأمين عام مضمر، جمعته علاقة غير ملائمة لأخلاقيات النضال، مع فدوى. فدوى التي حاولت ما بوسعها ثني غادة عن الاستمرار في علاقتها مع نبيل "الحبيب السابق لفدوى"، بحجة الحفاظ على سمعتها كزوجة وأم، التي قد تشكل أيضاً عائقاً في ترقيها التنظيمي داخل الحزب. نبيل يتعرف إلى غادة في بيروت في كافتيريا الجامعة بوصفه مناضلاً يسارياً من مؤيدي "أبو صالح"، أثناء ترددها على لبنان بهدف الدراسة في جامعة بيروت العربية. يستشهد نبيل في شقة في بناية "الرحمي" (حيث كانا يلتقيان حميمياً) إثر قصف إسرائيلي لمنطقة الفاكهاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان يمكن غادة أن تستشهد معه لو لم تؤجل سفرها إلى بيروت. سوسن التي كانت أقرب صديقة لها، تنكسر علاقتها (هي أيضاً) بحبيبها وديع، بعد هجرته إلى الدانمارك "إذ تركها في حل من أمر العلاقة"، غير واثق من دوامها بعد الهجرة. وريما التي تدمن الدراسة كما الإصغاء والتحليل، الصديقة الثالثة لغادة، يغلبها الفضول من أمر غادة وعلاقاتها مع عشاقها ومع زوجها. وتكتمل الشخوص النسائية الرئيسة "لبقايا رغوة" بالخادمة "فيكي" المتواطئة مع سيدتها غادة، وحافظة أسرارها. فيكي التي تفضح علاقة رشاد بـ"أم عامر" العجوز المتصابية أمام غادة، تصبح لاحقاً خادمة بامتيازات استثنائية في بيتها.

الحبكة السردية متقطعة زمنياً بين الكويت وبيروت وعمّان، هي جغرافيا الخيبات والهجرات والعلاقات الإنسانية المتكسرة أو المهتزة على غير استقرار. لكن أكثر ما يميز الحبكة هو استعارة الرنتيسي للصوت النسوي على مدار الرواية، وهي تبوح أو تتحاور في ما بين شخوص الرواية النسائية، مع انتقالات مفاجئة فيها كثير من المراوغة، من صوت غادة إلى صوت فدوى وسوسن وريما، تفصح عن كثير من التشوش الذي ساد حياتهن. وهو ما يتطلب من القراء تركيزا مضاعفا، إزاء هذا الأسلوب السردي الذي يعكس حال القلق وعدم اليقين في ما يعشنه من أحداث، يضع الروائي والقاص "جهاد الرنتيسي" جميع أوهامها في ما يشبه سلة الخديعة، وفي لغة ممتعة لعمل سردي، يمزج بطريقة سلسة بين الواقع والمتخيل في العلاقات الإنسانية. هذه العلاقات التي تعكس خيبات جيل انكسرت أحلامه، فوجد نفسه عارياً على قارعة الوجود.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة