Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجار سوق "بكارة" يضربون رفضا لدفع "خوات" لـ"حركة الشباب"

ينظر إلى هذا الإغلاق على أنه سيؤثر في الوضع الاقتصادي بالعاصمة الصومالية والولايات المحيطة بها

سوق "بكارة" في الصومال (رويترز)

أضربت محال وشركات في أجزاء من سوق "بكارة" وبقيت المتاجر مغلقة لمدة يومين، ما أثّر في حركة التجارة في العاصمة الصومالية مقديشو. فالسوق مدار الحديث تُعدّ إحدى أكبر أسواق القرن الأفريقي، وتعتبر مركزاً للأعمال التجارية، والتزوّد بالسلع والبضائع المتنوعة، وتخدم حاجات مناطق واسعة في البلاد، إضافة إلى اعتبارها نقطة انطلاق لأعمال التصدير البرية إلى كل من كينيا وإثيوبيا المجاورتين.

وينظر إلى هذا الإغلاق على أنه سيؤثر في الوضع الاقتصادي بالعاصمة الصومالية والولايات المحيطة بها، بما سيزيد من حالة الركود التي تشهدها البلاد، نتيجة للاضطراب السياسي الذي تعيشه منذ العام الماضي، بسبب الأزمة السياسية الناشئة عن تعقيدات الاستحقاق الانتخابي، وكذلك تصاعد العمليات الإرهابية وحوادث الاغتيال التي شهدتها العاصمة الصومالية ومدن أخرى جنوب البلاد. ولم تكُن السوق استثناءً، فقد هزّتها عمليات من هذا القبيل خلال الفترة القصيرة الماضية.

حدث غير فريد

تعرضت سوق "بكارة" في الأعوام الماضية لعدد من الإغلاقات الاضطرارية، كما شهدت إضرابات غير معلنة، نتيجة تكرار الحرائق التي عصفت بأجزاء من البلاد، والعمليات الإرهابية التي استهدفت رجال أعمال ومرتادين مدنيين، وكان أشهرها الإضراب الذي أعلنه تجّار السوق، لدى فرض الحكومة ضريبة المبيعات على البضائع المستوردة، ومحاولتها إجبار الموردين على دفع تلك الضريبة مقدّماً داخل الميناء، في مؤشر إلى عجز الدولة عن تحصيل تلك الضرائب من داخل السوق لأسباب أمنية، وأخرى ذات علاقة بالفساد المالي والإداري.

ويقول رجل الأعمال "ح.ع" الذي يمتلك مخزناً لتوزيع البضائع بالجملة: "هذه السوق شهدت تحولات كبيرة، وكانت القلب النابض لهذه الأمة، وما زالت حتى يومنا هذا تُعتبر مركز الحياة الاقتصادية في الصومال، بل وتقوم بمهمات البنك المركزي في ضبط أسعار صرف العملة، وتحديد اتجاهات السوق وضبط قيم السلع والخدمات داخل البلاد وحتى في الدول المجاورة. كل ذلك عبر آليات غاية في السلاسة تتراوح بين المنافسة الحرة والتنسيق المبني على تقديم التنازلات، ليخرج مئات الآلاف من رجال الأعمال والتجار وأصحاب وسائل النقل والموظفين والعمّال، بما يساعدهم على الاستمرار، في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد على مدى ثلاثة عقود، "لكن مع تحمّلنا للظروف من أجل الاستمرار، يكاد أصحاب السلطة والقوة يعتبرون وجودنا من المسلمات، وأنه قد لا يأتي يوم نسأم فيه من قلة الأمن وضعف الخدمات، مع تزايد الضغوط المالية والترهيب الذي نعيشه". لذا فإن مثل هذا الإغلاق يعيد إلى الأذهان تلك الإمكانية ويفتح عيون من يستهينون بدورها، و"ما قد تؤول إليه الأمور لو نقلنا أعمالنا جملة واحدة إلى هرجيسا أو جيبوتي على سبيل المثال".

مورد مالي للحكومة و"الشباب"

ويمكن اعتبار سوق "بكارة" مصدراً رئيساً لدخل الحكومة الصومالية، وسبباً في استمرار موردها الأساسي من النقد. واللافت أن السوق لا تؤمن الدخل للحكومة فقط، فـ"حركة الشباب" تتقاضى "خوّات" من التجار على هيئة "زكاة" و"ضرائب". ويقول الباحث زكريا آدم في هذا السياق: "تتمركز معظم الشركات وأهم مخازن الجملة ومحال البيع بالتفرقة في هذه السوق، لذا فهي نقطة الاستقاطاب الرئيسة للسلع الواردة عبر الميناء والمطار. لذا يعود الفضل إلى السوق في أن تكون هناك عوائد من هذين المرفقين الحيويين، إضافة إلى الضرائب والرسوم الأخرى التي تتقاضاها الدولة، وشبكة واسعة من شركات الخدمات التي بالمقابل تخلق بمجملها مصدر الدخل الحكومي شبه الوحيد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف آدم "هناك أيضاً طرف آخر لا يرغب أحد بالحديث عنه، وهو حركة الشباب المجاهدين، فهذه الحركة تستوفي أموالاً من رجال الأعمال والتجار عبر اختراقها لمؤسسات الدولة، والكشف عن ما يسدده التجار لمجمل أجهزتها، وعرض الوثائق التي تثبت حجم العمل الذي يقومون به، ثم يتم تسعير ذلك وجباية ما لا يقل عن 55 في المئة، موازية لقيمة ما تم سداده للدولة، تحت طائلة القتل أو تفجير الممتلكات أو تعريض الأقرباء للخطر، فيضطر التجار ورجال الأعمال إلى الانصياع بصمت للابتزاز، في ظل الضغوط النفسية التي يخلقها انكشاف تعامل مسؤولين حكوميين – تحت التهديد – لعناصر الحركة، فانعدام الثقة بأجهزة الدولة يعني عدم وجود جهة يمكن اللجوء إليها لطلب الحماية من الابتزاز والترهيب".

"داعش" يتسبب في الإغلاق الأخير

تصريح وزير الأمن الوطني عبدالله محمد نور حول وجود طرف جديد في قائمة من يجبون الأموال من شركات سوق "بكارة"، ووعده باتخاذ خطوات فورية لمعالجة القضية، أكد ما أفاد به عدد من رجال الأعمال في السوق، بتلقّيهم تهديدات من مسلحين عبر الهاتف أو بصورة شخصية. وتعريف مُصدري التهديد أنفسهم بأنهم تابعون لتنظيم "داعش في القرن الأفريقي"، والتلويح بمعاقبة من لا ينصاع بالقتل في حال لم يدفعوا لهم "إتاوات"، كان القطرة التي ملأت الكأس بالنسبة إلى تجار السوق ورجال الأعمال فيه، ما دفعهم إلى تعليق العمل في أجزاء مهمة منها، تعبيراً عن شعورهم بأنهم بين مطرقة عجز الحكومة وخطورة التهديدات التي لا تتراجع.

ويعلّق الناشط السياسي آدم يوسف على عمق المشكلة القائمة وتشعّبها بحيث يكاد يكون الجميع ضحايا ومساهمين في الجريمة، ويقول: "هناك خلل كبير في العقلية التي تُدار بها الأمور، ولا أحد يحاول أن يتحمّل المسؤولية. تأجيل المشكلة لعل الحل يأتي من مكان آخر يفاقم الأمور، وهذا ما يجعل العمل التجاري في هذه السوق وحتى مجرد الاستيراد، مساهمة في تمويل الإرهابيين الذين لا يترددون في قتل الأبرياء، ثم يأتي مسؤولو الحكومة ويتحدثون عن مكافحة الإرهاب، ومؤسسات الحكومة (المخترقة) ذاتها تسهّل للإرهابيين ابتزاز المواطنين وجباية الأموال منهم، والحل لن يكون سوى بتطهير مؤسسات الحكومة تلك، وسعي أجهزة الأمن لإثبات أنها قادرة على حماية المواطنين الدافعين للضرائب، وتشجيعهم بعد ذلك على رفض الخضوع للابتزاز".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير