علمت "اندبندنت" أن أطفالاً من اللاجئين في المملكة المتحدة، يُجبرون على مشاركة غرف، وحتى أسرَّة، مع بالغين لا يعرفونهم، لأن أعداداً متزايدة من اليافعين تضعهم الحكومة البريطانية عن طريق الخطأ في أماكن إقامة مخصصة لأفراد تزيد أعمارهم على 18 عاماً.
وقد عُثر في الأشهر الأخيرة على مئات من طالبي اللجوء من ذكور وإناث، غير مصحوبين بذويهم، يقولون إنهم أطفال، في فنادق مخصصة للبالغين، حيث يخشى كثيرون مغادرة غرفهم، فيما البعض منهم دفع إلى التفكير في الانتحار، واختار آخرون الهرب.
إحدى تلك الحالات، فتاة إثيوبية يعتقد أنها تبلغ من العمر 16 عاماً، قالت إنها تعرضت للاغتصاب بشكل متكرر أثناء رحلتها إلى المملكة المتحدة، وقد وضعت في فندق مختلط مع رجال بالغين، بعد أن قدر موظفو وزارة الداخلية البريطانية أنها تبلغ من العمر 23 عاماً. وفي حالة أخرى، ذكر شاب يقول إن عمره 17 عاماً، أنه كان عليه أن يتشارك سريراً مزدوجاً مع رجل بالغ.
وكانت الحكومة البريطانية قد تعرضت لاتهامات بـ"غسل يديها" من طالبي اللجوء الأطفال، من خلال إجراء عملية تقييم لأعمار هؤلاء الذين غالباً ما تصنفهم بشكل خاطئ على أنهم بالغون، تاركةً للسلطات المحلية مهمة "لملمة الأمور" بإحالتهم إلى خدمات الرعاية الأطفال، عندما يتبين أن القرارات في شأن أعمارهم كانت غير صحيحة.
في غضون ذلك، اضطر أطفال إلى العيش وسط أفراد بالغين، وإلى أن يتشاركوا أحياناً الغرف مع غرباء لأسابيع أو شهور قبل تمكنهم من التواصل مع مؤسسة خيرية طالبت بنقلهم إلى الرعاية المناسبة. وفي هذه المرحلة كانوا يخضعون لتقييم رسمي لأعمارهم، وغالباً ما يتم الاعتراف بهم على أنهم قاصرون.
وتوضح مادي هاريس منظمة "هيومانز فور رايتس نتوورك" Humans for Rights Network (HRN) (ائتلاف منظمات مجتمعية غير حكومية يُعنى بمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الاجتماعي)، أن "وزارة الداخلية تضع أطفالاً في فنادق للبالغين في مختلف أنحاء البلاد، وتغسل يديها بالكامل منهم. وهي تنتظر منهم أن يرجعوا بأنفسهم إلى منظمة كمنظمتنا، ومن ثم يتعين على السلطات المحلية أن تقوم بشيء حيال ذلك".
هذه المؤسسة الخيرية ساعدت خلال الأشهر السبعة الأخيرة 73 يافعاً قالوا إنهم أطفال، وبدا أن أعمارهم كانت أقل من 18 عاماً، لكن تم وضعهم في فنادق للبالغين. وتوجد غالبية هؤلاء الآن تحت رعاية السلطات المحلية، بعد أن أحالتهم منظمة "هيومانز فور رايتس نتوورك" إلى محامين، على الرغم من أن هذا المسار يستغرق أسابيع عدة.
وأشارت السيدة هاريس إلى أن بعض القاصرين الذين يكون عمرهم موضع جدل أو خلاف، يضطرون إلى تشارك غرف مع بالغين، في وقت أجبر أحدهم على تقاسم سرير مزدوج مع رجل لا يعرفه. وقد امتنعت شركة "كليرسبرينغز" Clearsprings التي تعاقدت معها وزارة الداخلية البريطانية على إدارة الفندق، عن التعليق على هذه التصريحات، فيما لم تنفِ وزارة الداخلية مسألة حدوث تقاسم للغرف.
هانا ماروود من جمعية "كير فور كاليه" Care4Calais الخيرية (التي تعمل على تسهيل أوضاع طالبي اللجوء في شمال فرنسا وبلجيكا)، أكدت أن مؤسستها عثرت في فنادق على 421 حالة تتعلق بأفراد قاصرين كانت أعمارهم موضع خلاف، منذ سبتمبر (أيلول) عام 2020، مع حدوث "زيادة كبيرة" في هذه الحالات خلال الأشهر الأخيرة. ووصفت وضعهم بأنهم كانوا في أغلب الأحيان "خائفين ومرتبكين"، فيما لجأ البعض إلى الفرار. وجرى نقل غالبية هؤلاء إلى الرعاية بعد تدخل المؤسسة الخيرية.
شاب أمضى نحو شهر في فندق للبالغين في شمال غربي إنجلترا، بعد أن حكم عليه لدى وصوله في نوفمبر (تشرين الثاني) بأنه شخص بالغ، على الرغم من أن عمره هو 17 عاماً، قال لـ"اندبندنت" إنه كان يشعر بالخوف.
وأضاف ملتمس اللجوء الذي تم نقله إلى خدمات الأطفال في وقت سابق من هذا الأسبوع، بعد تدخل مؤسسة "كوردش أمبريللا" Kurdish Umbrella الخيرية: "كنت الطفل الوحيد في الفندق. وكان عمر الباقين ما بين 30 و50 عاماً. كنت أخشى مغادرة غرفتي، وكان الكبار في السن يتناولون المشروبات ليلاً، وكانوا يصيحون ويصرخون".
وقد اطلعت "اندبندنت" على رسائل نصية بعث بها يافعون آخرون إلى عاملين في جمعيات خيرية، وجاء فيها الآتي: "إنني في فندق، وجميع النزلاء هنا هم أكبر (مني)، السجائر في كل مكان (...) أنا خائف"، "يتملكني خوف من وجودي بين أناس كبار"، و"لا يمكنني أن أبقى هنا بعد الآن. أريد أن أضع حداً لحياتي. الرجاء مساعدتي. أنا خائف جداً، ولا أشعر بأنني أنتمي إلى هؤلاء الرجال".
امرأة شابة من إثيوبيا أفادت بأنها تبلغ من العمر 16 عاماً، أقامت في فندق مختلط في لندن منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021، بعد أن اعتبرت وزارة الداخلية أنها تبلغ من العمر 23 عاماً. وقد اتصلت أخيراً بجمعية "دارو يوث" Da'aro Youth الخيرية (تساعد طالبي اللجوء من أطفال وشبان من دول القرن الأفريقي)، التي كشفت عن أن الشابة تعرضت للاغتصاب مراراً عدة أثناء رحلتها إلى المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أحالتها مؤسسة "دارو يوث" إلى المجلس المحلي هذا الأسبوع، ومن المقرر أن يتم النظر في قضيتها يوم الاثنين. ويقول بيني هانتر منسق المؤسسة الخيرية: "أشعر بقلق بالغ من عدم وجود حماية لشابة عرفت عن نفسها بأنها قاصرة. إنها ضحية محتملة للمتاجرة بها ولتعريضها لعنف جنسي في فندق يقيم فيه ذكور هم أكبر سناً منها، وهي عرضة لمزيد من الاستغلال".
تجدر الإشارة إلى أنه بعد عبور المهاجرين بحر المانش، يخضع طالبو اللجوء الذين يقولون إنهم أطفال لتقييم "قصير" في ما يتعلق بعمرهم، يقوم به اختصاصيون اجتماعيون عينتهم وزارة الداخلية البريطانية، أو يتم تقدير سنهم بصرياً من قبل مسؤولي "قوة حرس الحدود". وإذا ما تقرر أنهم أكبر من 18 عاماً، تتم إحالتهم إلى أماكن إقامة البالغين، وعادةً ما تكون في فنادق. أما في الحال الثانية، فيتم إرسالهم إلى خدمات الأطفال أو إلى فنادق مخصصة للقاصرين.
وتواجه عملية تقييم العمر في وزارة الداخلية في الوقت الراهن تحدياً قانونيا، بحيث يعتبر محامون تابعون لمؤسسة "إنستالو سوليسيترز" InstaLaw Solicitors، أنها غير قانونية، على أساس أن التقييمات تجرى من دون وجود الضمانات المطلوبة، إضافة إلى أسباب أخرى.
المحامي مارتن بريدجر من مؤسسة "إنستالو سوليسيترز"، أوضح أنه قام بتمثيل عدد من القاصرين الذين كانوا قد وضعوا في فنادق، لكن بعد تدخل قانوني، أكدت الخدمات الاجتماعية أنهم أطفال. وأشار إلى حالة حديثة، بحيث قدرت وزارة الداخلية عمر شاب ادعى أنه في الرابعة عشرة، أنه في الخامسة والعشرين، لكن تم قبول كلامه لاحقاً بعد حصول تدخل قانوني.
وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل ادعت إن طالبي لجوء كانوا "يستغلون على نحو صارخ" نظام اللجوء في المملكة المتحدة، من خلال ادعاءات كاذبة بأنهم أطفال. وأعلنت عن خطط تقضي باعتماد أساليب "علمية" جديدة في تقييم عمر الأفراد. واستعانت ببيانات حكومية تظهر أن نحو 66 في المئة من الذين يقولون إنهم أطفال، تبين لوزارة الداخلية أنهم بالغون.
إنفر سولومون الرئيس التنفيذي لـ"مجلس اللاجئين" Refugee Council (منظمة تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا)، أوضح أن هذه الأرقام لم تأخذ في الاعتبار العدد "المثير للقلق" لأولئك الذين اعتبرت وزارة الداخلية أنهم بالغون، ليتبين لاحقاً أنهم في الواقع أطفال، وقد جرى وضعهم في فنادق "غير آمنة أو مناسبة" لهم.
وأضاف قائلاً لـ"اندبندنت" إنه يشعر "بقلق كبير" من التحرك الذي اقترحته الحكومة في شأن اعتماد تقييمات "علمية" للأعمار، معتبراً أنها "ببساطة لا يمكن الوثوق فيها".
أما شارلوت رامسدن رئيسة "جمعية مديري خدمات الأطفال" Association of Directors of Children’s Services (ADCS)، فأكدت من جانبها أنها كانت على علم "بعدد من الحالات التي تم فيها تقييم قاصرين بشكل خاطئ على أنهم بالغون"، وبأن السلطات المحلية كانت "تتولى هي مساعدة هؤلاء والعمل على تصحيح الأخطاء الناجمة عن اتخاذ وزارة الداخلية قرارات غير صحيحة".
ورأت رامسدن، أن "هذا الوضع يلقي بضغط إضافي علينا وعلى موظفينا، في وقت تتعرض فيه خدمات الأطفال والاختصاصيون الاجتماعيون منذ مدة لضغوط. يضاف إلى ذلك عامل الخوف والقلق الذي ينتاب أطفالاً بعيدين عن منازلهم، تم وضعهم في المرحلة الأولى في أماكن غير مسجلة وغير منظمة، ولا سيما منها الفنادق".
ولم ترد وزارة الداخلية البريطانية على طلب من "اندبندنت" بالتعليق على ما ورد في هذا التقرير.
© The Independent