Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على ماذا يراهن "منتصران"... في حرب كبيرة لم تقع؟

إيران كانت وما زالت مصرة على أنها دولة وثورة معاً

وضع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي معادلة "لا حرب ولا تفاوض" (أ. ب)

يروي شمعون پيريس، في مذكراته، أن بن غوريون فاجأه بالقول بعد صمت كامل على طول الطريق من تل أبيب إلى القدس: "تروتسكي ليس رجل دولة. لينين رجل دولة. تروتسكي وضع معادلة: لا حرب ولا سلم. رجل الدولة يختار الحرب أو السلم ويدفع الكلفة".

فهل ينطبق هذا على معادلة: "لا حرب ولا تفاوض" التي وضعها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي في المواجهة مع أميركا؟ ليس بالضرورة. لكن المعادلة وصفة لاستمرار الأزمة مفتوحة على الحرب كما على التفاوض في ظل خطاب ناري وحسابات باردة. أقل ما في الخطاب الناري هو التهديد بفتح "جهنم" رداً على أي هجوم. وأبسط ما في الحسابات الباردة هو الاطمئنان إلى أن التصعيد لن يتجاوز أي خط أحمر. لا من الطرف الإيراني فحسب بل من الطرف الأميركي أيضاً.

لكن باب المبالغات مفتوح بلا حدود. ففي الحرب الطويلة بين عراق صدام حسين وجمهورية الخميني، قال هنري كيسنجر إنه يريدها حرباً يخرج منها الطرفان "خاسرين". وفي الحرب التي لم تقع بين إيران وأميركا يدّعي الطرفان أنهما "منتصران".

طهران تقول إن ما تملكه وتستعد لاستخدامه من مصادر القوة في الداخل وفي المنطقة أخاف الأوساط العسكرية والأمنية والسياسية الأميركية ومنع إدارة الرئيس دونالد ترمب من شنّ حرب كبيرة على الجمهورية الإسلامية.

وواشنطن ترى أن القوات البحرية والبرية والجوية التي أضافتها إلى القوى الموجودة أصلاً في المنطقة واستعدت لاستخدامها قادت إلى "ردع" إيران ومنعها من القيام بحرب كبيرة ضد القوات والمصالح الأميركية والحلفاء في المنطقة.

وهذا نوع من تكبير الأهداف لتبرير الامتناع عن الحروب الصغيرة وإرضاء النفس بتجنب الأعظم. فالحرب الكبيرة المباشرة لم تكن واردة أصلاً في خطط ترمب والملالي. وكل ما راكمته إيران من "أرباح" في المنطقة جاء من خلال الاعتماد على وكلائها من الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ومن الشبكات الإرهابية في دول الخليج وأماكن عدة في العالم.

وليس واضحاً إن كانت إيران تتبنّى في المواجهة مع قوة عظمى مثل أميركا نظرية "مصارعة الثيران" التي جرى الترويج لها في مصر الناصرية. لكن الواضح هو المكابرة واستخدام الدهاء في مواجهة الحرب الاقتصادية. وهذا سلاح وهميّ في عالم الأرقام.

فما تفعله إدارة ترمب عبر الخروج من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات الاقتصادية التي رفعتها إدارة باراك أوباما بعد الاتفاق، هو تسليط رياح قوية ضاغطة على طهران المأزومة مالياً واقتصادياً والمشغولة بإنتاج الصواريخ وتوزيعها على الوكلاء.

وما تحاوله إيران هو الإيحاء بأنها بارعة في سياسة "إدارة الرياح" بما يجعلها رابحة. ولم يكن من المفاجآت أن يقول قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي المشهور بالمبالغات إن موقف ترمب من إيران منحها "قوة إقليمية مطلقة وقوة عالمية نسبية". ولا كان جديداً إعلان خامنئي "تحريم الحصول على أسلحة نووية وكيماوية"، كأن الجمهورية الإسلامية أنفقت عشرات مليارات الدولارات على البرنامج النووي وتحمّلت الضغوط والعقوبات الدولية من أجل الكهرباء والحصول على المعرفة فحسب.

والسؤال، هو على ماذا يراهن الطرفان "المنتصران" في حرب لم تقع؟ هل يتعلمان الدرس من الخسارة في تفاهم لم يحدث؟ وهل هما في الأساس الطرفان الوحيدان في المواجهة؟

ترمب يعلن في اليابان، ويردّ من بعده في أبو ظبي مستشار الأمن القومي جون بولتون أن أميركا "لا تريد تغيير النظام في إيران". ولا يبدّل في الأمر حديث الإعلام عن خلافات بين ترمب "المزاجي" وبولتون "الصقر"، وما نقلته "نيويورك تايمس" عن مسؤول أميركي وهو قول ترمب في مجلس خاص "لو تُرك الأمر لجون لكنا في أربع حروب اليوم". فكل الرؤساء من ريغان إلى ترامب، كرّروا القول إن ما تريده أميركا هو "تغيير سلوك النظام وليس تغيير النظام". لكن تغيير السلوك الذي يعترف وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان أنه "لم يتغير بالرغم من الضغوط" هو في نظر طهران تغيير النظام. فمن أسس "الثورة الإسلامية"، بحسب خامنئي، العداء لأميركا والنفوذ في المنطقة. وإذا كان الحدّ الأدنى من أهداف أميركا هو "تحجيم القدرات الصاروخية ومواجهة النفوذ المتزايد عبر ميليشيات شيعية موالية لطهران"، كما يقول بولتون، فإن جمهورية الملالي من دون النفوذ هي مجرد "باكستان شيعية". وهي كانت وما زالت ترفض الخيار بين أن تكون "دولة أو ثورة" مصرّة على أنها دولة وثورة معاً.

ذلك أن الإستراتيجية الثابتة في أميركا كقوّة عظمى، مهما تكن شخصية رئيسها، هي منع أيّ قوّة معادية من السيطرة على أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. لكن مشكلة النفوذ الإيراني، هي مشكلة الشرق الأوسط عموماً والعالم العربي خصوصاً، قبل أن تكون مشكلة أميركا أو روسيا أو الصين. ومن باب الخداع في ظلّ الضغط الأميركي عرض إيران عبر وزير الخارجية الضاحك محمد جواد ظريف معاهدات "عدم اعتداء" مع الدول العربية وخصوصاً دول الخليج. فما الذي تفعله طهران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان مباشرة وعبر الوكلاء؟ وماذا عن العمليات الإرهابية في أكثر من بلد خليجي وآخرها استخدام "الألغام البحرية" ضد ناقلات النفط في ميناء الفجيرة والطائرات المسيّرة المفخّخة لضرب محطّات النفط في السعودية؟ وماذا يعني القول الإيراني للدول العربية: نحن وأنتم واحد ضد أميركا؟ الرد جاء سريعاً في قمة مكة: إدانة التدخلات الإيرانية في البلدان العربية.

ترمب لا يزال يراهن على أن يستخدم الرئيس حسن روحاني رقم هاتفه الشخصي الذي أعطاه للرئيس السويسري ليقول له إنه مستعدّ للتفاوض. وخامنئي الذي يرى أن التفاوض مع أميركا حالياً "مضرٌ وغير مفيد"، يكرّر التمسك بما تريد واشنطن نزعه بالتفاوض وهو "التسلّح الصاروخي". لكن البحث عن وسطاء في اليابان والعراق ومسقط وسويسرا ناشط، وسط استعداد هؤلاء للمهمة بين واشنطن وطهران.

والظاهر أن ما يدور في الكواليس هو تطبيق الحكمة التقليدية القائلة إن "التفاوض مثل الفطر لا ينمو إلا في الظلام".

المزيد من آراء