Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعي مقومات عمل القضاء اللبناني ينذر بـ"انهيار الكيان"

يعاني قصر العدل في بيروت غياب أبسط شروط الاستمرارية من كهرباء ومياه وقرطاسية

لقطة من داخل قصر العدل المظلم في بيروت (اندبندنت عربية)

تعكس قصور العدل اللبنانية صورة عن واقع البلاد ومستقبلها، فهي على غرار المؤسسات والمرافق العامة تُكابد الأمرّين من أجل ضمان استمرارية العمل وتأدية الواجب. وإذا أردنا تقديم جردٍ لما تعانيه مؤسسة العدالة اللبنانية، لعجزنا، نظراً إلى صعوبة الإحاطة بتلك الضغوط من مختلف جوانبها، بدءاً بتدخل السلطة السياسية في التشكيلات القضائية، إلى غياب الخدمات الأساسية في قصور العدل والمحاكم، من انقطاع الكهرباء والمياه، وفقدان المستلزمات المكتبية والقرطاسية، ناهيك بالضغوط السياسية قديمة العهد، والضغوط المالية المتزايدة على القضاة والمساعدين القضائيين بفعل الانهيار المالي والقضائي، بالإضافة إلى عدم القدرة على تأمين انتقال القضاة إلى المناطق البعيدة، أو نقل الموقوفين لمحاكمتهم، هذا غيض من فيض مما تعانيه المؤسسة القضائية في لبنان، وتكفي زيارة واحدة لـ"عدلية بيروت"، لتعاين بأم العين تلك المشاكل مجتمعة، حيث يضطر الموظفون والمحامون إلى استخدام مصابيح هواتفهم للبحث عن الملفات وإتمام المعاملات.

"متى انهار القضاء زال الكيان"

كعادته، وعند كل محطة مفصلية، يصدر "نادي قضاة لبنان" بياناً، يقدم من خلاله المنتسبون إلى الجمعية تشخيصاً لحال البلاد، وموقفاً واضحاً من الملفات السائدة. وأعلن هؤلاء أخيراً في 7 يناير (كانون الثاني) الحالي عن خشيتهم على مستقبل مؤسسة القضاء في لبنان، وربطوا بين انهيار القضاء وزوال الكيان اللبناني. وأكدوا أن "الوضع لم يعد مقبولاً، بل أصبح من المتعذر على القضاة أداء عملهم".

وتطرق بيان نادي القضاة إلى مطالب مزمنة وتاريخية للقضاة المستقلين لأن "مطلبهم الوحيد الذي لا يمكن المساومة عليه هو إقرار قانون فعلي يضمن استقلالية السلطة القضائية، ويراعي مبدأ الفصل بين السلطات". وعبر النادي عن خشيته من "محاولات تمرير قانون فارغ من مضمونه في هذا الشأن للاستمرار بالتدخل السياسي في القضاء".

كما شكا نادي القضاة من أن "المحاكم وأقلامها لا يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات العمل، فلا كهرباء ولا تدفئة، ولا قرطاسية". وتساءل: "هل هذا الأمر مقصود أم إهمال معادل للقصد؟". كما سلط القضاة الضوء على الناحية المادية، وقالوا "إن رواتب القضاة والمساعدين القضائيين لم تعد تتناسب مع الحد الأدنى للعيش بكرامة، فهل المطلوب إخضاع القاضي مادياً للنيل من هيبته معنوياً؟".

ودعا نادي قضاة لبنان إلى البدء بخطوات جدية وفاعلة لإصلاح الأمور ووضعها في نصابها، وإلى مجلس القضاء الأعلى إلى عقد جمعية عمومية للقضاة من أجل اتخاذ موقف موحد مع خطوات عملية.

نادي القضاة ليس طرفاً سياسياً

في الفترة القليلة الماضية، تقدم القاضي فيصل مكي (دائرة تنفيذ بيروت) رئيس نادي قضاة لبنان بـ"طلب إجازة دون راتب"، فيما حلت مكانه نائب الرئيس القاضية بولا هيكل (ديوان المحاسبة). وتضمنت خطوة مكي أبعاداً متعددة، فهي تعكس عدم ارتياح شريحة كبيرة من القضاة إلى وضع القضاء كمؤسسة وإلى تدهور أوضاع قصور العدل، بالإضافة إلى خسارة القاضي لموقعه الوظيفي.وأكدت أوساط نادي قضاة لبنان اتجاهاً موضوعياً تتخذه بيانات النادي منذ إنشائه، لأن "استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤدي إلى انهيار القضاء ومؤسسات الدولة". وتشدد الأوساط عينها على الشق المعنوي، إذ "لا يمكن لقيامة الدولة أن تكون دون استمرار مؤسسة القضاء، لأنه من أهم أعمدة الدولة". ووصفت الجو العام الذي يعمل فيه القاضي بـ"غير السليم"، "فمن ناحية هناك التدخلات السياسية، وعدم منحه استقلالية التامة، بسبب عدم صدور القانون الذي يكرس الاستقلالية الحقيقية والتامة للقضاء عن السلطة". واعتبر المصدر ذاته، أن "المطالب المادية تأتي على هامش الأمور لأن القاضي لا يبغي الربح من عمله، ولكنه جاء لأداء خدمة عامة، وعلى الراتب تأمين العيش الكريم بأدنى مستوى، إلا أنه لم يعد يؤمن الحاجات الأساسية"، لذلك ترفض أوساط نادي قضاة لبنان وضعها ضمن أي اصطفاف لأن مطالبتها عامة، ولا تتوجه إلى شخص واحد محدد، وإنما تطالب بالقيام بإصلاح عام يمس لبنان في بقائه، واللبنانيين في كرامتهم ومقومات استمرار حياتهم، وتتساءل: "لماذا لم يتم توقيف أي فاسد؟ وهذه المعضلة الكبيرة". وتذكر بالبيانات السابقة التي كانت تشكل صرخة قوية، على غرار الموقف المتضامن مع ضحايا انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 وعوائلهم.

وتجزم بأن "النادي لا يتحدث في السياسة، لأنه في الأصل لديه موقف أصيل لناحية رفض تدخل السياسة فيه".

القضاء إلى أين؟

يمر لبنان بأوضاع غير مسبوقة، فهو يعيش انهياراً مالياً واقتصادياً غير مسبوق، حيث تخطى سعر صرف الدولار الأميركي الـ30500 ليرة لبنانية، مع سلطة سياسية يشهر أطرافها سلاح التعطيل المتبادل، وقضاء محاصر بالتعيينات والتشكيلات، وإصلاح قضائي وتشريعي مؤجل.

وتساهم تلك المشاكل مجتمعةً في تقييد عمل القضاء في لبنان، وتحول دون الفصل بالملفات.

وخلقت هذه الضغوط المتنوعة "حالةً من التململ" ضمن الأوساط القضائية، ودفعت شريحة من القضاة إلى إعادة التفكير في مستقبل مسيرتهم العملية والعلمية، بالتالي، فإن خيار الهجرة يبقى قائماً بالنسبة لشريحة من القضاة، كما الانتقال إلى أسلاك أخرى كالتعليم أو الاستشارات القانونية. ويحتمل أن نشهد استقالات في المستقبل القريب، على غرار ما جرى في أسلاك قانونية وعلمية أخرى، فقد أدى التأخير في إصلاح الرواتب إلى مغادرة الكفاءات العلمية إلى الخارج، استجابةً لعروض جدية.

في المقابل، وعلى الرغم من تمسكهم بواجب التحفظ الذي يدعو القضاة إلى عدم التصريح، فإن هناك رفضاً لتحميلهم مسؤولية تراكم الملفات في "قصر العدل"، فمن ناحية "هناك قضاة كسولون يشكلون أقلية، ولكن الأكثرية تعمل بجهد وبطاقتها القصوى، إلا أنها تواجه بقيود سياسية، أو قيام المحامين بإشهار سلاح الدفوع الشكلية من أجل تأخير البت بالملفات، على غرار ما يجري مع القاضي طارق البيطار، وهناك نصوص في أصول المحاكمات تمنح الوكلاء القانونيين الحق بالاستمهال والتأجيل".

الشغور القضائي

وتؤكد أوساط مجلس القضاء الأعلى، الذي يرأسه القاضي سهيل عبود، أن "عدم صدور مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية أدى إلى شغور عشرات المراكز في المراجع القضائية الجزائية والمدنية، سواء في محكمة التمييز أم في محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، ومراكز الرؤساء الأوائل في المحافظات، فضلاً عن أن عدداً من القضاة أُحيلوا إلى التقاعد فشغرت مراكزهم، إضافة إلى القضاة الذين تخرجوا والذين يتعين تشكيلهم في المحاكم".

أما بالنسبة إلى الاستقالات التي حصلت أخيراً "فهي قليلة جداً"، من دون الخوض في الأعداد.

المزيد من العالم العربي