Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفعيل المحاسبة القضائية للجرائم الانتخابية في تونس يثير الجدل

إحالة شخصيات بارزة مثل الغنوشي والمرزوقي والشاهد والفخفاخ إلى المحاكمة

حذرت جهات أكاديمية تونسية من تحوّل القضاء إلى "قضاء الدولة الاستبدادية" (موقع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات)

يستوجب ضمان نزاهة أي عملية انتخابية زجر الممارسات والتصرفات غير القانونية التي تمسّ بشفافية العملية الانتخابية، وذلك من خلال تجريم الفعل ومعاقبة مرتكبيه.
وشهدت مختلف المحطات الانتخابية التي عاشتها تونس منذ عام 2011، تجاوزات عدّة رصدتها محكمة المحاسبات، وضمّنتها في تقارير تصدر عادةً إثر إعلان النتائج النهائية للانتخابات، دون أن يكون لذلك أثر قانوني على الأحزاب أو القوائم التي ارتكبت تلك التجاوزات، ما يستدعي معالجة هذه الثغرة في المنظومة الجزائية الانتخابية في تونس.

إحالة شخصيات سياسية إلى القضاء

وأثار قرار المحكمة الابتدائية بتونس، إحالة شخصيات سياسية أخيراً إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب "جرائم انتخابية" من بينهم رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، والرئيس الأسبق، المنصف المرزوقي، ورئيسا حكومتَين سابقَين، هما يوسف الشاهد، وإلياس الفخفاخ، جدلاً حول توقيت إثارة هذه القضايا وإمكانية التوظيف السياسي لتلك الجرائم الانتخابية.

ويستند قرار الإحالة إلى تقرير محكمة المحاسبات الذي تحدث عن "ارتكاب جرائم انتخابية خلال انتخابات 2019، مثل الانتفاع بدعاية انتخابية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي".

ويعرّف القانون الانتخابي، الإشهار السياسي، بأنه "كل عملية دعاية أو إشهار بمقابل مادي أو مجاناً، تعتمد أدوات وأساليب التسويق التجاري الموجَّهة إلى العموم، وتهدف إلى الترويج لشخص أو موقف أو برنامج أو حزب سياسي".

وتأتي هذه الإحالات إلى القضاء إثر دعوة الرئيس التونسي، قيس سعيد، في مناسبات عدة، إلى منح أثر فعلي لتقرير محكمة المحاسبات وملاحقة مرتكبي الجرائم الانتخابية، داعياً إلى التحقيق مع عدد من الأحزاب، وعلى رأسها "حركة النهضة"، و"قلب تونس".

الزمن الانتخابي والزمن القضائي

في السياق، أفاد أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق مختار، بأن "الجريمة الانتخابية لها خصوصية، كأي جريمة تتطلّب الركن المادي، وهو الفعل الذي يجرّمه القانون، إضافة إلى خصوصية أخرى، وهي الآثار السياسية المترتبة عن هذه الجريمة". وشدّد مختار على أن "الزمن الانتخابي هو زمن سريع مرتبط بالحينية، وله إكراهاته المؤسساتية والسياسية، بينما الزمن القضائي هو زمن نزاعي وإجرائي قد يطول، ما يجعلهما غير متلازمَين. وتنتج عن هذا الفارق الزمني، آثار سياسية، ما يؤكد ضرورة بلورة قضاء استعجالي انتخابي، أو الحرص على الاستعجال في المادة الانتخابية من خلال اختصار آجال البتّ في النزاعات الانتخابية".
ولفت أستاذ القانون الدستوري إلى أن "هذه المخالفات أو الجرائم الانتخابية موجودة في مختلف النظم السياسية الديمقراطية، وفي تونس يصل الأمر إلى إسقاط القوائم الانتخابية في حال ثبوث تلقيها تمويلاً أجنبياً، بينما في التجارب الديمقراطية الأخرى يتم فرض عقوبات مالية وسياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


صدقية الخطاب السياسي

كذلك أشار عبد الرزاق مختار إلى "احتمال التوظيف السياسي، بخاصة أن الراهن السياسي في تونس يعيش اليوم على وقع الإجراءات الاستثنائية، ولا يمكن أن يتواصل إمساك رئيس الجمهورية بكل السلطات، وهو ما يطرح مسألة استقلالية القضاء"، مؤكداً أن "القضاء هو قضاء الدولة الديمقراطية"، محذراً من أن يتحوّل إلى "قضاء الدولة الاستبدادية". وعبّر عن تخوفه من "احتمال وجود تصفية حسابات سياسية باستخدام القضاء".

القضاء متقاعس

في المقابل، ينفي أستاذ القانون العام، رابح الخرايفي، أن تكون "منظومة ما بعد 25 يوليو (تموز) 2021 تضغط على القضاء من أجل تحقيق مكاسب أو لتصفية حسابات سياسية"، مؤكداً أن "القضاء اليوم تحرّر من الضغوط السياسية، وهو ينفي عن نفسه شبهة التقاعس، من خلال استعجال النظر في القضايا الانتخابية".

وأكد الخرايفي، أن "القضاء تقاعس طيلة السنوات الماضية، ولم يبتّ في هذه الجرائم الانتخابية، من أجل تقديم خدمة للطبقة السياسية وقتها، بخاصة أن عدداً من القضاة تمّت تسميتهم في مناصب سياسية عُليا".
وأشار إلى أن "الشخصيات السياسية التي تمت إحالتها أخيراً إلى القضاء من أجل هذه الجرائم لن تكون حاضرة في الانتخابات القادمة".

وكان سعيد قد شدّد خلال لقائه أخيراً عميد المحامين التونسيين، إبراهيم بودربالة، في قصر قرطاج، على أن "السلطة التنفيذية لا تتدخل في عمل القضاء التونسي"، مؤكداً أنه "لا أحد فوق الدولة، ويجب محاسبة كل مَن أجرم في حق الشعب التونسي".

توحيد الجهاز القضائي

ولتحصين العملية الانتخابية من الممارسات المشبوهة، دعت ليلى الشرايبي، رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، إلى "توخّي المزيد من الشفافية في الممارسة السياسية"، داعيةً الأحزاب إلى "تقديم تقاريرها المالية للهيئات المعنية ضمن المهل المحددة، من أجل إنارة الرأي العام حول موازناتها المالية ومصادر تمويلها وتنقية الساحة السياسية من شوائب المال الفاسد أو التمويل الأجنبي".

وأكدت الشرايبي "ضرورة استعجال النظر في القضايا الانتخابية من قبل الجهات القضائية المختصة"، وشددت على "توحيد القضاء الجزائي الانتخابي".

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الانتخابي التونسي وضع باباً كاملاً خاصاً بالجرائم الانتخابية التي تُعتبر مـن أخطر المخالفات الانتخابية التـي وضع لهـا المشرّع نصاً جزائياً وعقوبة تصل أحياناً إلى السجن، إضافة إلى إسقاط القائمات الانتخابية الفائزة.

المزيد من العالم العربي