Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم وشح موارد الطاقة أبرز تحديات الاقتصاد السوري في 2022

"عدم وضوح الرؤية للحل السياسي المنتظر يسهم في تأخر التعافي الاقتصادي"

يشكل التضخم كابوساً يجثم على صدور السوريين (أ ف ب)

أصاب الأسواق السورية ارتباك تزداد حدّته وبشكل متصاعد خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر أزمة البلاد الراهنة. وعلى الرغم من انخفاض وتيرة العمليات العسكرية في مناطق واسعة لم يقنط السوريون من الاستبشار مع بداية كل عام جديد بتحسن يطرأ على حالتهم المعيشية والاقتصادية المتردية، لكن الأمور لا تبدو كما يشتهونها، وبدا واضحاً أن الاقتصاد المنهار دخل في نفق مظلم، ولا بصيص لحل مرتقب.

مخاوف من تدهور متسارع

ومع دخول العام الجديد يتوجس مراقبون من تحديات تلاحق العملية الاقتصادية من أبرزها ثبات سعر صرف عملة البلاد أمام العملة الأجنبية، بخاصة أنه يسري الحديث عن ذلك بعد إعلان النظام السوري عن استهداف إسرائيل لمرفأ اللاذقية للمرة الثانية على التوالي خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي أدى إلى دمار في عدد كبير من حاويات البضائع وسط تكهنات عن ضربات متلاحقة قد تصيب هذا الشريان البحري بشلل شبه تام.

وستخلق هذه التكهنات، إن صدقت، حالة من الفوضى في سعر صرف الليرة فيما يحاول البنك المركزي جاهداً أن يحافظ على سعرها ثابتاً طيلة فترة النصف الثاني من العام الماضي ليبقى عند حدود 3500 ليرة مقابل الدولار الأميركي بعد أن هبطت إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 5 آلاف ليرة.

وفي حين يشكل التضخم كابوساً يجثم على صدور السوريين بعد أن انعكس على الأسعار، وشهد ارتفاعاً لم تستطع مجاراته كل زيادات الأجور التي جاءت آخرها بنسبة 30 في المئة بعد أن بلغت معدلات التضخم 878 في المئة مقارنة بعام 2010، الأمر الذي رفع من أصوات السوريين بضرورة مجاراة هذا الانهيار الحاصل، ولينادي متخصصون إلى حاجة الأسرة إلى نحو مليوني ليرة، أي ما يعادل 800 دولار أميركي كمستوى أدنى للعيش، في وقت يبلغ فيه متوسط الأجور 50 دولاراً شهرياً.

بين الرعاية والجباية

في غضون ذلك، يعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي، آدم خوري، أن التضخم وفقدان الليرة لقيمتها يُعدّان من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد. وأضاف في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، أن "هذا التضخم ناتج من جمود الحركة الصناعية والتجارية وعُزلة حركة السوق بسبب الوضع السياسي العام، ويضاف لذلك الفساد المستشري الذي يصعب القضاء عليه بسبب تفشيه وتمكنه بكثير من المفاصل خلال سنوات الحرب، فضلاً عن اتباع الحكومة اساليب الضغط والجباية، بدلاً من الدعم والرعاية، لتأتي الأزمة الصحية العالمية لتلقي بثقلها على الاقتصاد، وتزيد من الأعباء المترتبة عليه".

وأضاف، "بالتأكيد، يجب ألّا ننسى عدم وضوح الرؤية للحل السياسي المنتظر، والذي يُسهم في بدء التعافي الاقتصادي ولو بشكل بسيط، ومن الناحية العملية لا أعتقد بوجود حلول جذرية أو فعلية لحل مشكلة التضخم أو تحسين الحالة المعيشية للمواطن، لأنها مرتبطة بالأسباب السابقة التي تحدثنا عنها ومرتبطة بتعقيدات المشهد السوري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتوقع خوري استمرار الحالة المعيشية على ما هي عليه، بالتالي ازدياد المصاعب طالما بقيت الأسباب السابقة موجودة كالفساد واتباع قوانين الجباية بدلاً من الرعاية، وعدم الوصول للحل السياسي الفعلي، وغيرها من الأسباب.

إلغاء الدعم وتخفيف التضخم

ومن المتوقع أن تلغي الحكومة دعمها موادّ غذائية أساسية كالخبز والسكر والأرز والشاي، أو موارد الطاقة كالمازوت المنزلي والصناعي، والغاز والوقود، ولكن لفئات محددة، وتبرر الحكومة هذا الإجراء للتكاليف والنفقات التي تتكبدها الخزينة العامة، وبغية ذهاب الدعم لمن يستحقه، وقدرت نسبة رفع الدعم عمّا يقارب ربع السوريين بـ25 في المئة.

من جانبها، حددت وزارة المالية إصدارات الأواق المالية في التاسع من شهر ديسمبر الماضي بهدف تمويل المشاريع الاستثمارية للقطاع العام بقيمة 600 مليار ليرة، ما يعادل نحو 240 مليون دولار، بحسب صرف السعر الرسمي، وذلك بهدف تمويل المشاريع الاستثمارية، والتخفيف من مخاطر التوسع في الإصدار النقدي والحد من التضخم.

الاستثمار في خبر كان

ويلفت مراقبون النظر إلى أن كل الإجراءات التي ينفذها الفريق الاقتصادي لا تُجدي نفعاً مع الحصار الحاصل كعامل خارجي، ومن جهة ثانية ضعف الإنتاج، بعد خسائر تتكبّدها المعامل والمصانع التي خرجت من الدمار والنهب، عدا عن هجرة الصناعيين للاستثمار خارج البلاد، مع تعطل التصدير بسبب غلاء أجور شحن البضائع، وشح موارد الطاقة، حيث ترتفع أسعار المازوت والغاز الصناعي، الأمر الذي يتراكم بشكل مضاعف على فاتورة المستهلك، وسط ضعف القدرة الشرائية أساساً.

وتعزو من جهتها الحكومة سبب رفع أسعار الوقود ومواد الطاقة لأسباب نقص المادة والعودة البطيئة لآبار البترول والغاز للخدمة بعد دمار أصابها أثناء الحرب، مع تعويل دمشق على عودة الجزيرة السورية شمال شرقي سوريا إلى سيطرتها، وبذلك تضمن عودة نبض الإنتاج الصناعي مجدداً، إذ انخفضت الصادرات السورية من 8,7 مليار دولار في عام 2010 إلى 2,3 مليار دولار في عام 2012، بحسب تقرير نشرته منظمة "الإسكوا"، واستمر التراجع بشكل مطرد حتى وصل إلى 0,72 مليار دولار في عام 2018.

ولعل تراجع التصدير أتى وفق تقرير منظمة "الإسكوا" نتيجة تعطل سلاسل الإنتاج والتجارة بسبب الأضرار التي لحقت بالبنى الأساسية والقيود الاقتصادية أحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي منذ عام 2011، وفي المقابل قرعت منظمة الأمم المتحدة ناقوس خطر مجاعة ستُصيب السوريين، حيث يقبع 90 في المئة منهم تحت خط الفقر.

يأتي ذلك بالتوازي مع عدم استقرار يعيشه أبناء القرى والأرياف وهجرتهم المستمرة بسبب الحروب والمعارك الدائرة، والذي أخرج الإنتاج الزراعي من دائرة الخدمة، أعقبه الجفاف عام 2021 الذي لم يأتِ موسم مثيل له منذ سبعة عقود، وترك تأثيراً كبيراً على حياة السوريين الذين تتأزم معيشتهم واقتصادهم يوماً بعد يوم.

اقرأ المزيد