ملخص
بحسب دراسة في 2014 فإن الدول التي تمر بتباطؤ النمو الاقتصادي تتراكم فيها الثروات الشخصية بمعدلات أعلى
كان مصطلح "الوارثين" شائعاً في القرن الـ19 ومعبراً عن طبقة واسعة من الأثرياء الذين لا يعرف لهم عمل أو مهنة سوى أنهم ورثوا تركة كبيرة من أسلافهم ينفقون منها من دون عمل، لكن نقل الثروات بهذه الصورة تراجع في القرن الماضي وأصبح الشائع تكوين الثروات من الأعمال والاستثمارات.
الآن تكاد ثروات الوارثين تساوي ثروات العاملين، وكأنما من كونوا ثروات بالجد والعمل في القرن الـ20 نقلوا تلك الثروات لجيل يعتمد عليها أكثر من اعتماده على مهنة أو وظيفة. ربما يفسر ذلك عودة الحديث بقوة عن "ضريبة التركات"، بخاصة في المجتمعات المتقدمة الغنية، وسعي كثير من الحكومات إلى رفع ضريبة الإرث لزيادة حصيلة الخزانة العامة.
وانتشرت الآن ضريبة الإرث في الدول الغنية التي كان الأبناء فيها ينفصلون عن الأسرة بنهاية سنوات الدراسة وبإمكان كل منهم أن يكون له سكنه الخاص، وإقامة الأبناء في منزل الأسرة بعد تعديله وتوسعته قليلاً، أما من تمكن منهم من وضع قدمه على "السلم العقاري" كما يسمي البريطانيون امتلاك بيت، فيعتمد على ما أصبح اسمه "بنك الأهل".
في السابق كان بإمكان الجميع تقريباً الحصول على قرض عقاري لشراء مسكن ودفع مقدم بسيط من ثمن العقار، أما الآن فلم يعد ذلك ممكناً إلا للقلة، مع ارتفاع أسعار الفائدة، بالتالي أقساط قروض الرهن العقاري الشهرية التي لا يقدر عليها حتى متوسطو الدخل. وهكذا، ما لم يساعد الأهل أبناءهم ببعض مدخراتهم فلن يتمكنوا من شراء مسكن، وتلك المساعدة هي ما تسمى "بنك الأهل".
ثروات الوارثين
في بداية القرن الـ20 كانت ثروات الوارثين، أي التركة التي يحصلون عليها بوفاة الأب أو الأم، تصل إلى نسبة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمال في بعض الدول بحسب مسح وتحليل للأرقام نشرته مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير، وأخذت تلك النسبة في التراجع على مدى القرن الماضي قبل أن تعود للزيادة بداية القرن الحالي، وبنهاية العقد الأول من القرن الحالي الـ21 وصلت نسبة ثروات الوارثين إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمال في دول كثيرة.
وبحسب تقديرات المحللين والباحثين في انتقال التركات وثروات الوارثين يتوقع أن تشهد الدول الغنية هذا العام توريث المتوفين للأحياء تركات تقدر بنحو 6 تريليونات دولار. وطبقاً لدراسة من بنك "يو بي أس" الاستثماري، ففي عام 2023 وصل عدد من أصبحوا مليارديرات من إرث تركات إلى 53 شخصاً، أي ما يزيد على نصف عدد من أصبحوا مليارديرات بالعمل والاستثمار ومراكمة الثروة 84 شخصاً.
وتشير الأرقام التي خلص إليها مسح وتحليل المجلة إلى أن حجم ثروة الوارثين من التركات في فرنسا تضاعف مرتين منذ ستينيات القرن الماضي، وفي ألمانيا تضاعف ثلاث مرات منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي إيطاليا أصبح حجم ثروة التركات يمثل نسبة 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمال للبلاد، كذلك الحال في بريطانيا وأميركا إلى حد ما، وأسهم في زيادة ثروة الوارثين من التركات التي يخلفها المتوفون انخفاض حجم الأسر، مما يعني أن التركة أصبحت تقسم على عدد أقل من الورثة ما يرفع قيمة الإرث.
في بريطانيا مثلاً أدى انخفاض معدل المواليد إلى زيادة نصيب الفرد من التركة بما يصل إلى 75 ألف دولار في المتوسط، أضف إلى ذلك تراجع نسبة تحصيل ضريبة الإرث في بلدان كثيرة، بل إن هناك دولاً مثل أستراليا وكندا والهند والنرويج وروسيا ألغت ضريبة الإرث تماماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المكونات الأساسية في ثروة الإرث العقار والمقتنيات الفنية القيمة والأسهم والسندات والمدخرات النقدية والمجوهرات وغيرها، ومع زيادة قيمة العقارات تزيد ثروة الوارثين من التركة التي يخلفها لهم الآباء والأمهات.
التركات والنمو الاقتصادي
ارتفعت قيمة العقارات التي يملكها البريطانيون منذ أواسط ستينيات القرن الماضي حتى الآن بصورة كبيرة، فمن ثروة عقارية في البلاد بنحو تريليون جنيه استرليني (1.27 تريليون دولار) في ذلك الوقت تشكل نسبة 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمال، ارتفعت إلى نحو 7 تريليونات جنيه استرليني (8.9 تريليون دولار) تمثل نسبة 270 في المئة من الناتج المحلي الإجمال في السنوات الأخيرة. وفي أميركا يملك كبار السن، الذين يمثلون خمس السكان (نسبة 20 في المئة) نحو نصف الثروات الشخصية في البلاد بقيمة تصل إلى 82 تريليون دولار.
يرجع ذلك إلى زيادة معدلات العمر في المجتمعاًت الغنية، مما يعني مزيداً من تراكم الثروات الشخصية، حتى في وقت يتراجع فيه الدخل القومي للدول نتيجة ضعف النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة. وبحسب دراسة في 2014 للعالمين توماس بيكيتي من كلية الاقتصاد بباريس وغابرييل زوكمان من كلية الاقتصاد بجامعة لندن، فإن الدول التي تمر بتباطؤ النمو الاقتصادي تتراكم فيها الثروات الشخصية بمعدلات أعلى بكثير من الدخل القومي للبلاد، والعكس صحيح.
لذا تجد الاقتصادات الأسرع نمواً مثل الولايات المتحدة وإيرلندا مثلاً أقل تراكماً للثروات التي تنقل كتركة من الجيل السابق إلى الوارثين، على عكس دول متباطئة النمو مثل ألمانيا وإيطاليا. المشكلة الأخرى أن تراكم الثروات التي تنقل كتركة تسهم أيضاً في تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة اعتماد الوارثين على تلك الثروات بدلاً من العمل والنشاط الذي يغذي النمو.